كثيرا ما نسمع أو نقرأ في التراث العربي ومنابر الإعلام عن قصص المشاهير التى تحولت إلى روايات أدبية وأعمال فنية وسينمائية تعلقت بها الأجيال لسنوات فى ذاكرة التاريخ وصراعات العشق والهيام وبذل الروح فداء لقضية أو رسالة سامية أو كيان منذ بداية الخليقة وحتى وقتنا الآن ، منها ما انتهى نهاية سعيدة ومنها ما وصل إلى مفترق الطرق رغم حجم التضحيات والإيمان بما نرى أنه يستحق حتى الأنفاس الأخيرة على مدار الحياه.
قضي 3 سنوات فى تشييد 250 ألف وحدة بناء لإنشاء مسجد العثمانى
ولعل فى قصة قيس وليلى وغرام عنترة وعبلة، وغيرهم من ثنائيات العشق المتيم الموعظة والعبرة لمن نحب ونحيي ونموت لأجله ، وعلى النقيض نجد أشخاص تعلقت قلوبهم بمقدسات وكيانات ذات طبيعة خاصة كالمساجد ودور العبادة، ولعل قصة "زوام" المزارع البسيط صاحب ال47 عاماً، من أبناء قرية الموشية وأحد أبرز رواد مسجد "العثمانى" بالداخلة القدوة والمثالية والعطاء ، والذى أفنى حياته فى بناء المساجد وخدمة الرواد طيلة 13 عاما بالواحات ، حيث أطلق عليه أهالى قريته "الأسطورة" لامانته ودماثة خلقه وأعماله الطيبة منذ صغره ، لتقع محبته فى قلوب جميع من حوله وهو الأكثر شهرة وشعبية بين البسطاء والمصلين وفئات مجتمعه.
"زوام" حمامة السلام أسطورة حقيقية تحولت إلى قصة شعبية ورواية تتناقلها الأجيال فى قرى محافظة الوادى الجديد ، عن أحد رواد المساجد الذى قضى 3 أعوام فى بناء 250 ألف وحدة بناء من الطوب لإنشاء مسجد العثمانى بالجهود الذاتية وتبرعات رجال الأعمال بقرية الموشية على بعد كيلومترات قليلة من مدينة موط عاصمة الداخلة ، وظل ملازما للمسجد الغير حكومى يعمل على نظافته ليل نهار وتأدية شعائره بانتظام وزراعة زمام ساحته بالاشجار والخضر والثمار لأكثر من 9 أعوام دون مقابل.
هكذا حال المواطن حمدي سعد زوام وشهرته حمدي "الغاوي" مزارع من أهالي قرية الموشية ويعول أسرة مكونة من 4 أفراد فى منزل بالطوب الأبيض وسقف من الجريد وله من الأبناء اثنين بالتعليم ، وإلى جانب عمله يقوم على خدمة المسجد العثماني الواقع بالإمتداد العمراني على مساحة 600 متر داخل زمام القرية، والذي تم بناؤه بواسطة أحد متبرعي دولة الكويت، حيث بدأ العمل في إنشاء المسجد منذ عام 2009 واستمر 3 سنوات وتم إفتتاحة في عام 2011 ولم يتم ضمه للأوقاف بعد.
يروى حمدي الغاوي ل " الجمهورية أون لاين أنه إعتاد على أنه منذ صغره وقلبه معلق بخدمة المساجد ورعايتها ، حيث يقضي وقت فراغه فى القيام بأعمال النظافة والصيانة تطوعا دون أجر ، وعندما صار شابا أعتاد الذهاب إلى المسجد وقت الصلاة لإقامة الشعائر وخدمة الرواد دون انقطاع لأكثر من 13 عاما متصلة كان يرى سعادته فى الجلوس بين المصلين ومتابعة أعمال الزراعات المنتجة التى غرسها بيدها فى حديقة ساحة المسجد ، مؤكدا أن اصعب الفترات التى مرت عليه فى حياته كانت مدة غلق المساجد بسبب وباء كورونا العالمى ، وأكثرها سعادة لحظة إعلان عودة المساجد لاستقبال الرواد وإقامة الصلوات وشعائر يوم الجمعة.
وأضاف "زوام " أن وزارة الأوقاف بدأت خلال الفترة الماضية إتخاذ إجراءات ضم المسجد لولايتها ، مشيرا إلى أن أكثر ما يخشاه ولا يتمناه أن تتم عملية الضم واستبعاده عن العمل التطوعى لخدمة المسجد والذى أصبح كيانا أساسيا لا ينفصل عن طبيعة حياته ، وجزءا لا يتجزأ من محور ممارساته اليومية ، لافتا إلى أن قلبه أصبح متعلقا بكل جدار ونافذة وشبر على أرض المسجد وساحته الخارجية ، وأن روحه باتت تسكن أرجاء المكان وتتنفس من طيب روائحه ومسك شعائره منذ نشأته حتي وصل عمره إلي 47 عاما ، لم يفارق المسجد باستثناء أسبوعين فقط كانت لأداء مناسك العمره و15 يوما كان يخدم فيها والده المريض في المستشفي بأسيوط.
وتابع أنه لا يوجد مصدر رزق ثابت له ولأولاده، حيث تقدم أكثر من مرة للإلتحاق بمعاش تكافل وكرامة ولكن لم يقبل أوراقه ، مناشدا جميع المسؤلين بوزارة الأوقاف والمديرية والقيادة التنفيذية وعلى رأسهم اللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد بضمه لهذا المسجد بدون " أجر" لخدمة الرواد ورعاية متطلبات العمل والنظافة وغيرها بالمسجد.
ويؤكد الحاج عبد المنعم حافظ أحد رواد المسجد العثماني بقرية الموشية، أن الحاج حمدي لا يترك المسجد إطلاقا منذ 13 عاما قضاها فى أعمال النظافة والأذان وإقامة شعائر الصلوات الخمس إلى جانب خدمة المصلين دون مقابل ، مشيرا إلى عفته ودماثة خلقه وبساطته التى سكنت قلوب الجميع وجعلتهم لا يتصورون المسجد بدونه ، وهو الذى رفض تقاضي أى أجر مادى أو مكافأة نظير الخدمة من أحد قبل ذلك ، لافتاً إلى قيامه بتوزيع حصاد الزراعات القائم عليها خارج ساحة المسجد على المصلين والأهالي من فقراء القرية وصغارها ، وهو نموذج للشباب المتطوع لخدمة الأخرين ابتغاء مرضاة الله ودخول الجنة.
وقال عماد فوزى امام مسجد العثمانى من أبناء قرية البشندى ، أن مصطلح الأسطورة إذا كان مستحقا ويمكن إطلاقه على أحد الأشخاص فلا بديل عن حمدى زوام لوصفه بذلك ، لأسباب كثيرة ومواقف نبيلة وأعمال خيرة قائم عليها تطوعا فى سبيل إسعاد الآخرين وخدمة دور العبادة، مناشدا جميع المسؤولين تحقيق أمنية أهالى قرية الموشية والإبقاء على زوام صاحب الأخلاق الحميدة نظيف اليد عفيف اللسان والفكر الإنسانى لخدمة المسجد فى حالة الضم ، مؤكدا أن هذا المطلب هو لسان حال جميع الشباب ورواد المسجد وسكان المنطقة تقديرا لجهوده ومسيرته الطيبة.
فيما أشار رجب محمد حنفى أحد رواد مسجد العثمانى إلى أن حياة زوام وروحه لا تفارق المكان ، ويشعر بها جميع الرواد فى كل صلاة ، ومن الصعب أن تقام الصلاة وزوام غير حاضر وهو الأكثر إنتظاما وحضورا مبكراً بساعات قبل كل صلاة يمارس فيها أعمال الزراعة والنظافة دون كلل أو ملل ، وإلى جانب ذلك هو آخر من يغادر المسجد بعد المصلين وكأنه لا يرغب فى الرحيل لقربه إلى قلبه وصلته به التى لا تنقطع ليلا ونهارا رغم ظروفه المعيشية الصعبة إلا أنه يرتضى ذلك ويسعى جاهداً لإرضاء من حوله ببشاشة وجهه ونقاء قلبه التى قل ما وجدت فى هذا الزمان.
اترك تعليق