تخرج علينا بين الحين والآخر مصطلحات غريبة يتم إطلاقها علي أشكال معينة من عقود الزواج لتتماشي مع أهواء من يطلقها فبعد العرفي سمعنا عن زواج الفريند والمسيار والكاسيت والدم وأخيرا زواج التجربة الذي تبني مبادرته أحد المحامين ويتم من خلاله إرفاق وثيقة مدنية للعقد الرسمي للزواج يكتب فيها الطرفان الشروط التي يرغب كل منهما في تحقيقها من الطرف الآخر وتنظم شكل الحياة بينهما مثل عمل الزوجة أو الإنجاب أو تعدد الزيجات وغيرها كما تلزم الوثيقة الزوجين بعدم الانفصال في مدة من 3 - 5 سنوات يمنح بعدها الزوجان الحرية في الانفصال أو الاستمرار.. وفي حالة تراجع أي من الزوجين عن بنود الوثيقة يعد الزواج لاغيا.
رفض علماء الدين هذا النوع من الزواج الذي يؤثر سلبا علي استقرار الأسرة وتماسكها فيقول د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم إن دار الإفتاء علقت علي ما يسمي إعلاميا بـ "زواج التجربة" وأكدت أنَّ هذا المسمي الجديد لعقد الزواج رغم حَدَاثة اسمه فإنه يحمل معاني سلبية دخيلة علي قيم المجتمع المصري المتدين الذي يَأبي ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية فالزواجَ في الإسلام عقدى مَصونى. عَظَّمه الشرع الشريف. وجَعَله صحيحًا بتَوفُّر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه. شأنه كشأن سائر العقود.
شددت الدار علي أَنَّ اشتراط مَنْعِ الزوج مِن حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج» هو مِن الشروط الباطلة» لأنَّ فيه إسقاطًا لحقيّ أصيل للزوج جعله الشرع له. وهو حق التطليق. فاشتراطُ هذا الشرط إن كان قَبْل عقد الزواج فلا مَحْل له. وإن كان بَعْده فهو شرطى باطلى» فيصح العقد ويبطل الشرط في قول جميع الفقهاء.
أما عن بعض الشروط الأخري التي يتم كتابتها في عقد الزواج. فأوضحت الدار أَنَّ اشتراط ما فيه مصلحة لأحد العاقدَين مما سكت الشرع عن إباحته أو تحريمه. ولم يكن منافيًا لمقتضَي العقد. ولا مُخِلًّا بالمقصود منه. بل هو خارج عن معناه. كأن تشترط الزوجة علي زوجها ألا يُخرِجَها مِن بيت أبوَيها. أو ألا ينقلها من بلدها. أو ألا يتزوَّج عليها إلا بمعرفتها» فمثل هذا النوع من الشروط صحيحى ولازمى. وَفْق ما يراه بعض العلماء. وهذا هو الأقرب إلي عمومات النصوص والأليق بأصول الشريعة.
أشار د. نجم إلي أن تجنب الخلافات الزوجية لا يكون مسلكه وضع الشروط الخاصة والحرص علي كتابتها تفصيلا في وثيقة الزواج الرسمية. أو إنشاء عقد آخر منفصلي مواز لوثيقة الزواج الرسمية. بل سبيله مزيد من الوعي بمشاورة المختصين. والتنشئة الزوجية السليمة.
والتأهيل للزوجين بكافة مراحله.. مؤكدا أن إطلاق الناسِ علي عقد الزواج أسماء جديدة لا يؤثر علي صحة العقد أو فساده» فمن أجل الحكم علي عقد زواج بالصحة أو البطلان لابد من تصور صحيح لمضمونه. دون إغراق النظر لحداثة اسمه» فإذا تم عقد الزواج بين رجلي وامرأة خاليين من الموانع الشرعية مستَكملًا لأركانه وشروطه التي منها عدم كون الزواج مؤقتا بمدة محددة- فهو عقد صحيح ويستتبع آثاره وما يترتب عليه من أحكام.. وعلي جميع فئات المجتمع عدم الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج التي يكمن في طياتها حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم. مما يحدث البلبلة في المجتمع. ويؤثر سلبا علي معني استقرار الأسرة وتماسكها. وهو ما حرص عليه ديننا الحنيف ورعته القوانين.
شروط موسعة
يقول د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن إضافة شروط زيادة موسعة في عقود الزواج أو في فقه الأسرة عامة إنما يكون من الأزهر الشريف صاحب الاختصاص وحده واقعا وتاريخا ودستورا ويكون من الجهة التنفيذية وهي وزارة العدل ولا يجوز لآحاد الناس التعدي علي هذه المؤسسات لأن مصر دولة مؤسسات.
أضاف أن عمل وثيقة زواج تشتمل علي إلغاء الطلاق القولي أو مشارطة علي شروط مخالفة للشريعة الإسلامية لا يجوز شرعا وقد صدر بيان الأزهر الشريف ببطلان ما يسمي زواج التجربة ولمزيد من التوضيح فإن بنود الشرط الخاص بالتدخل في الذمة المالية للزوج باطل وشرط القرارات المصيرية بينهما مخالف لقوامة الرجل المقررة في القرآن الكريم وشرط تحديد مدة الإقامة 3 سنوات بمنزل عائلة الزوج مخالف لحقوق الزوجة التي لها في الشريعة الإسلامية حقها في مسكن مستقل.
تساءل د.كريمة لماذا النص علي 3 سنوات في عقد المشارطة هذا؟ وحقها في طلب الطلاق مبهم ومخالف للشريعة وهل للضرر أم لغيره؟.. كما أن شرط التدخل في الذمة المالية للزوجة محظور وكذلك هناك الكثير من الشروط لا تحتاج إلي مشارطة بل متروكة للعرف.
أشار إلي أن تحديد مدة 3 سنوات في جزاء المخالفة زواج مؤقت وباطل ويشبه نكاح المتعة .. وأخيرا الأحكام للقضاء وليس لمخترع هذا العقد ثم إن هذه المشارطة التي تتداول في وسائل الإعلام ممهورة بخاتم المحامي مخترع عقد زواج التجربة وليس فيه لا المأذون ولا المحكمة ولا وزارة العدل وعليه فإن زواج ما يسمي التجربة بدعة وكل بدعة ضلالة ومن محدثات الأمور والأحكام الرئيسة للأحوال الشخصية بما فيها فقه الأسرة مستقرة وثابتة ولا تحتاج إلي إضافات أو محذوفات.
عقد مقدس
أكدت الدكتورة آمال عبدالغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا أن النكاح في كل الشرائع عقد مقدس لا يخضع للتجارب ولذا جعلت الشريعة الإسلامية عقد النكاح عهدا وميثاقا غليظا أشرف ميثاق وأعظم ميثاق لأنه يتعلق بالحياة البشرية الصالحة لإعمار الأرض علي مراد الله تعالي من التناسل بطريقة شرعية ارتضاها الله لعباده وما عدا ذلك يعد فسادا وإفسادا في الأرض . فالمشرع هو الله سبحانه وتعالي وأحكام الزواج فصلها في القرآن الكريم من مقدمات الزواج والخطبة والتعريض والتصريح والعقد بين الزوجين وشروطه وأحكامه وجميع نظم الحياة بين الزوجين التي شرعها الله تعالي.. كذلك إذا توافقا علي الطلاق وغيره من الفسخ والخلع وما يترتب علي ذلك من إحكام الصداق والنفقة والسكني وجعل قاعدة المعاشرة بالمعروف والمفارقة بإحسان هي أساس الحياة الطيبة بين الزوجين.
قالپالعلماء في تفسير قوله تعالي "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً" أي عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد. يعسر معه نقضه كالثوب الغليظ يعسر شقه.. فكيف نحدده بزمن والأصل في النكاح الديمومة وإذا اشترط زمن معين صار زواج متعة وهو باطل أو مؤقت والتأقيت يهدم بنيان الزواج والمقصود منه استمرار الحياة الزوجية .. وأيضا مما يجعل العقد باطلا الزواج بنية الطلاق كما يقال ويشاع في مسمي زواج التجربة من بنود الوثيقة اشتراط مدة وبعدها الطلاق وعدمه كثلاث سنوات وهذا يبطل العقد فكيف تقوم حياة إنسانية علي التجربة وحياة الأبناء والأسرة واستقرار المجتمع فمثل هذا النوع يهدم ويدمر الأسرة والمجتمع.
أشارت إلي أنه إذا كان ثمة علاج لارتفاع نسب الطلاق لا يكون بالهدم إنما بالبناء والتربية الصحيحة وتدريب المقبلين علي الزواج وإعادة منظومة القيم الأخلاقية وكيفية تحمل المسئولية وهذا دور الآباء والأمهات والمنظمات المجتمعية والإعلام والمؤسسات الدينية وترسيخ مبادئ البناء الصحيح للأسرة وعدم المغالاة في تكاليف الزواج بل إعادة منظومة الحياة وتفعيل دور الحكمين للإصلاح وحفظ حقوق الزوجة والزوج والبعد عن الظلم قال صلي الله عليه وسلم "كفي بالمرء إثمًا أنْ يُضيِّع مَن يَقوت" ولأن المقصد في الزواج ليس حياة دنيوية فقط إنما هي حياة الآخرة قال تعالي: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ" فهل تخضع هذه الحياة الأبدية للتأقيت والزمن وعدم الاستقرار؟.. وأما الشروط فلكل واحد من الزوجين حق الاشتراطپما لا يخالف مقتضي العقد أو يحل حراما أو يحرم حلالا.
اترك تعليق