هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

"التاريخ السياسي والحضاري لمدينة شذونة الأندلسية منذ الفتح وحتى السقوط"

تأليف: د. دعاء الشريف                      

عرض: أبو الحسن الجمال - كاتب ومؤرخ

 


ازدهرت مدرسة جامعة الإسكندرية في الدراسات الأندلسية، وقدمت العديد من الرموز والأعلام الذين تناولوا تاريخ المغرب والأندلس من الناحية السياسية والحضارية والعلمية، فقدموا الدراسات الكثيرة والمتنوعة في هذا المجال والتي يرجع إليها كل باحث في المشرق والمغرب، كما تم التعرض لتاريخ المدن الأندلسية، فقدمت الدراسات الكثيرة عنها، وفي هذا يقول أ.د. كمال السيد أبو مصطفي في تقديمه لكتاب كورة شذونة الذي نحن بصدد دراسته واستعراضه: "حرص المتخصصون في الدراسات التاريخية الأندلسية من أساتذتنا على توجيه تلامذتهم للتخصص في تاريخ وحضارة الأندلس، وخاصة تاريخ المدن الأندلسية؛ حيث كان لأستاذنا الدكتور عبدالعزيز سالم دور بارز في هذا المجال، وقدم للمكتبة الأندلسية العديد من الدراسات القيمة في تاريخ المدن الأندلسية ومنها: مدينة قرطبة والمرية، وبتوجيه من أستاذنا سار العديد من تلامذته على هذا النهج، فقدم أ.د / محمد أبو الفضل دراسته في الماجستير عن تاريخ مدينة المرية في العصر الإسلامي، كما أعد أ.د أحمد محمد الطوخي رسالته للدكتوراه حول مظاهر الحضارة في مملكة غرناطة في عصر بنى الأحمر، وخصص أ.د حمدي عبدالمنعم رسالته للدكتوراه لدراسة مجتمع قرطبة في عصر الدولة الأموية علاوة على بحوثه عن مدينتي إشبيلية وقرمونة، كما أعدت أ.د سحر سالم رسالتيها في الماجستير والدكتوراه في تاريخ وحضارة بطليوس في العصر الإسلامي علاوة على بحثها في تاريخ شاطبة، أما أ.د إبراهيم سلامة فقد تناول بالدراسة تاريخ مدينتي إستجة ومورور، وأسهمت بدوري في هذا المجال بالكتابة في تاريخ بلنسية وطرطوشة ومالقة والجزيرة الخضراء".

      وجرياً على هذا النهج السديد قامت الدكتورة دعاء فتحي الشريف بدراسة التاريخ السياسي والحضاري لمدينة شذونة، وذلك في كتاب لها بعنوان "التاريخ السياسي والحضاري لكورة شذونة منذ الفتح الإسلامي 92هـ / 711م وحتى سقوطها في أيدى النصارى الإسبان القشتاليين 663هـ / 1264م"، وقد قدم له كل من الأستاذ الدكتور أحمد مختار العبادي، والأستاذ الدكتور كمال السيد أبو مصطفى، والكتاب في الأصل رسالة جامعية حصلت به المؤلفة على درجة الماجستير من كلية الآداب جامعية الإسكندرية، بإشراف المؤرخ الكبير الدكتور أحمد مختار العبادي.

     وكورة شذونة التي تقع في الجنوب الغربي للأندلس وكانت تبلغ مساحتها خمسين ميلاً، وكانت تضم من المدن: مدينة شريش، وقادس، وأركش، وقلسانة، ومدينة ابن السليم ، وقلعة خولان، ومدينة صدينة، وقرية شرانة، ومدينة شلوقة) ، منطقة حيوية ذات موقع استراتيجي وعسكري متميز دارت على أرضها الكثير من المعارك سواء بين المسلمين والإسبان أو بين العرب والبربر أو بين العرب وبعضهم البعض، وأنها كانت الكورة المجندة التي نزلها جند فلسطين، هذا الأمر جعلها بضرورة الحال تتحمل أعباء ثقيلة على كاهلها، فقد كانت تتحمل الكثير من النفقات والتكاليف علاوة على الجند من أجل تزويد الحملات بالمقاتلين والعتاد والمؤن اللازمة لها.

    وفي مقدمته للكتاب يؤكد الدكتور العبادي أنه كان لمدينة شذونة أهمية استراتيجية عبر تاريخ الأندلس، ففى بداية أحداث الفتح الإسلامي للأندلس دارت في كورة شذونة بين المسلمين والقوط معارك شديدة دامت مدة طويلة حوالى ثمانية أيام انتصر فيها طارق بن زياد وقتل فيها ملك القوط ردريجو Rodrigo، ثم جاء بعد ذلك القائد العام موسى بن نصير وخاض في هذه المنطقة معارك أخرى حاسمة وقاسية قضت على المقاومة الإسبانية حتى ظنوا أنه الفناء وأن عظامهم بقيت في أرض المعركة دهرا طويلا لم تذهب، وقد عبرت المصادر الإسبانية عن تحركات الجيوش الإسلامية بعد ذلك بأنها كانت بمثابة مسيرة أو نزهة عسكرية Un Paseo Melitar انتهت باحتلال العاصمة طليطلة .Toledo

     هذا عن موقف شذونة من الفتح الإسلامي للأندلس، أما عن دور شذونة في أحداث سقوط الأندلس، فقد جاء متأخرا في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، فمن المعروف أن الانتصارات العظيمة التي أحرزها خليفة المغرب والأندلس الموحدي يعقوب المنصور على ملك إسبانيا ألفونسو الثامن في موقعة الأرك Alarcos 591هـ / 1195م ووصوله إلى أقصى شمال إسبانيا متشبها بالحاجب المنصور بن أبى عامر عاهل الأندلس في العصر الأموي من قبل، كان لها رد فعل كبير في إسبانيا و أوروبا، إذ نجد البابا في روما "أنوسنت الثالث" ينادى بحملة صليبية عالمية ضد الموحدين في الأندلس، فاستجابت له جيوش جرارة من كل مكان في أوروبا، واتجهت إلى إسبانيا كالجراد المنتشر في الكثرة والفساد كما وصفها الخليفة الناصر الموحدي الذى خلف أباه المنصور وكانت النتيجة هي هزيمة الناصر وجيوش الموحدين في موقعة العقاب Las Navas de Tolosa  609هـ / 1212م ويلاحظ أن هذا المكان الذى دارت فيه المعركة كان في إحدى الوديان الفسيحة Navas عند السفح الجنوبي لجبل الشارات Sierra Morena  أي سلسلة الجبال السمراء ، وقد عبر المسلمون كلمة Sierra إلى شارات (كلمة Sierra تعنى بالإسبانية حافة المنشار فشبهت بها سلاسل الجبال) ومازالت توجد هناك قرية باسم طولوشة Tolosa  في هذا المكان.

     والكتاب يشتمل على مقدمة ودراسة تمهيدية وبابين أحدهما للتاريخ السياسي والآخر لأهم مظاهر الحضارة وأخيرا الخاتمة، وقد اشتملت الدراسة التمهيدية على ثلاثة عناصر، ناقشت المؤلفة في العنصر الأول الموقع الجغرافي لكورة شذونة الذى كان له أثره في الدور التاريخي المتميز الذى قامت به، أما العنصر الثاني فتناولت فيه أهم أعمال كورة شذونة من مدن وقرى وحصون، وفى العنصر الثالث تحدثت عن مصطلح المورة وأصوله واستخدامه عند الأندلسيين.

     أما الباب الاول وهو التاريخ السياسي لكورة شذونة في العصر الإسلامي ويتضمن ثلاثة فصول، تنولت في الفصل الأول "تاريخ كورة شذونة منذ الفتح الإسلامي وحتى نهاية الخلافة الأموية" وعرضت في هذا الفصل الآراء المختلفة حول الموقع الدقيق لمعركة الفتح من هذه الكورة الواسعة، ثم استكملت بعد ذلك مناقشة الروايات المختلفة حول القائد الذى فتح تلك الكورة، وأعقبت ذلك بالإشارة إلى كورة شذونة في عصر الولاة 95-138هـ / 715-756م تلك الفترة المليئة بالفتن والثورات، وأوضحت كيف كانت كورة شذونة أحد مراكز الثوار في الاندلس، حيث نشبت على أرضها العديد من المعارك، ثم انتقلت إلى الحديث عن كورة شذونة في عصر الدولة الأموية 138-422هـ / 755-1031م موضحة الحوادث التي شاركت فيها تلك الكورة، والحركات الانفصالية التي قام بها الثوار للانشقاق عن الحكومة المركزية بقرطبة، ثم تعرضت لغارة النورمان على سواحل الأندلس الغربية، وأثرها على كورة شذونة، ثم تطرقت للحديث عن فترة دويلات الطوائف الأولى 238-300هـ / 852-912م وكانت الأندلس في تلك الفترة قد مزقتها الفتن والثورات الداخلية بهدف الانفصال عن الحكومة المركزية في الحاضرة قرطبة، وعمت الثورة معظم أنحاء الأندلس فقد أشرت إلى أن كورة شذونة كانت مرتعًا خصبًا لتلك الثورات، وتعرضت لأهم الثوار في كورة شذونة في عهد الأمير عبدالله بن محمد، أما عن عصر الخلافة الأموية فقد أوضحت كيف أخضع الخليفة عبدالرحمن الناصر لدين الله 300-350هـ / 912-961م كورة شذونة ، وأعاد إليها الأمن والاستقرار، كما ألمحت إلى مدى اهتمام الخليفة الناصر بكورة شذونة، حيث كان يقوم بتغيير الولاة على الكورة بصفة مستمرة خوفا من استقلال أحدهما بها عن الحكومة المركزية في قرطبة ، ثم انتقلت للحديث عن تلك الكورة في عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله 350-366هـ / 961-976م موضحة أن كورة شذونة كانت تنعم خلال عهده بالهدوء والاستقرار، فلم نعثر في المصادر الأندلسية على معلومات تتعلق بالحوادث السياسية التي وقعت على أرضها، باستثناء إشارات مقتضبة وموجزة لابن حيان القرطبي.

   أما عن الفصل الثاني وعنوانه "كورة شذونة في عصر دويلات الطوائف" القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، فقد تناولت فيه بإيجاز الفتنة القرطبية التي عمت جنوب الأندلس بعد مقتل عبدالرحمن شنجول 399هـ / 1009م، وما ترتب عليها من انهيار الخلافة الأموية وسقوطها 422هـ / 1031م، وقيام ما يعرف بعصر دويلات الطوائف، وأثر ذلك على كورة شذونة، ثم أوضحت أن من نتائج سقوط الخلافة الأموية ظهور الزعامات البربرية التي هيأت لها الظروف السياسية الحصول على النفوذ والسلطان، فتتبعت باختصار دور البربر منذ الفتح الإسلامي، كما أوضحت كيف كان أمراء بنى أمية يستعينون بهم في الجيش بهدف إضعاف العصبية العربية، وأشرت إلى أن تلك الظاهرة ازدادت وضوحا في عهد الحاجب المنصور بن أبى عامر الذى جلب من بربر العدوة المغربية وإفريقية أعدادًا كبيرة ضاقت بهم الحاضرة قرطبة، كما أشرت إلى أن نفوذ البربر ازداد بشكل كبير في عهد سليمان المستعين، فلم يقتصر وجودهم على صفوف الجيش بل تعدى ذلك إلى سيطرتهم على كافة أمور الدولة .

       فالملاحظ أن تلك العناصر البربرية انتهزت فرصة سقوط الخلافة الاموية بقرطبة فسيطرت على جنوب الأندلس بصفة خاصة، حيث وقعت كورة شذونة تحت سيطرة بنى خزرون البربر، وتتبعت بعد ذلك كورة شذونة في عهد أمراء بنى خزرون، ثم أوضحت بعد ذلك كيف تغلب المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية على بنى خزرون وأنهى حكمهم، ودخول كورة شذونة في فلك إمارته، وناقشت بعد ذلك تعرض كورة شذونة لغزوة نصرانية قام بها ألفونسو السادس ملك قشتالة، مما دفع المعتمد بن عباد إلى الاستنجاد بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين المرابطى بالمغرب.

    وفى الفصل الثالث وعنوانه "كورة شذونة منذ عصر المرابطين وحتى سقوطها في أيدى النصارى القشتاليين" تناولت أولاً بإيجاز عبور يوسف بن تاشفين إلى الأندلس وخلعه أمراء الطوائف المتخاذلين، ثم أشرت إلى أهم الحوادث التي تعرضت لها كورة شذونة في عهد المرابطين، ثم تناولت أهم حوادث تلك الكورة فيما بين الانتقال من سلطة المرابطين إلى حكم دولة الموحدين، فألمحت إلى انضمام كورة شذونة إلى الثوار الأندلسيين ضد الحكم المرابطى، وركزت على شخصية ابن عزون الذى استقل بشريش وأركش، ثم استطاع الاستيلاء على رندة من صاحبها أخيل، وعندما بدأت تظهر قوة الموحدين أعلن ابن عزون الولاء لهم، فكانت شريش أول مدينة أندلسية دخلت في طاعة الموحدين صلحاً، ولهذا عرفوا بالسابقين الأولين، ثم تناولت كورة شذونة في عصر الموحدين، فتحدثت عن الغزوة النصرانية التي تعرضت لها الكورة في العصر الموحدي من قبل فرناندو الثاني ملك قشتالة وليون، وأعقبت ذلك بتناول أوضاعها السياسية في عصر بنى الأحمر أصحاب مملكة غرناطة ودخول شريش تحت طاعتهم ، كما تحدثت عن الصلح الذى عقد بين ابن الأحمر وفرناندو الثالث ملك قشتالة وليون الذى أدى إلى سقوط العديد من قواعد الأندلس في أيدى النصارى، وأخيرًا ناقشت في نهاية هذا الفصل سقوط مدن كورة شذونة في أيدى القشتاليين، حيث تعرضت مدنها للعديد من الاعتداءات والحملات العسكرية المسيحية حتى سقطت بشكل نهائي في عام 663هـ / 1264م.

    أما الباب الثاني من تلك الدراسة، ويختص بالمظاهر الحضارية بكورة شذونة في العصر الإسلامي، وقد قسمته إلى أربعة فصول : الفصل الأول وعنوانه "مظاهر الحياة الاجتماعية في كورة شذونة" أشرت من خلال هذا الفصل إلى عناصر السكان، وأعقبت ذلك بالحديث عن أهم مظاهر الحياة الاجتماعية والتي تتشابه فيها مع غيرها من المدن الأندلسية، فتناولت الأسرة ومكانة المرأة في المجتمع الشذونى، والأعياد والاحتفالات، ثم تحدثت عن الأطعمة والأشربة التي اختص بها المطبخ الشذونى، وكذلك الزى، ووسائل اللهو والتسلية ومنها الصيد واللعب بالشطرنج وبعض الألعاب الأخرى.

أما الفصل الثاني المتعلق "بمظاهر الحياة الاقتصادية في كورة شذونة" فتحدثت فيه أولا عن مقومات الزراعة في كورة شذونة، ونظم ووسائل الري، ثم تناولت أهم المحاصيل الزراعية، وأشرت إلى بعض النظم الزراعية من خلال كتب النوازل والعقود، كما تعرضت للثروة الغابية والحيوانية والسمكية ، وأعقبت ذلك بالحديث عن أهم الصناعات، واختتمت الفصل بالإشارة إلى النشاط التجاري حيث عرضت أهم طرق التجارة والأسواق والقيساريات والفنادق ودورها في النشاط التجاري بكورة شذونة، كما ألمحت إلى نظام الحسبة ودوره في الإشراف على الأسواق، وكذلك المكاييل والموازين والعملة واختتمت هذا الفصل بالإشارة إلى بعض النظم التجارية، علاوة على التجارة الخارجية وأهم صادرات كورة شذونة.

      أما الفصل الثالث وعنوانه "المظاهر العمرانية في كورة شذونة"، فقد تناولت فيه التخطيط العمراني العام لحواضر الكورة، ثم تحدثت عن المنشآت الدينية من مساجد وأربطة، أما النقطة الثالثة من هذا الفصل فقد أبرزت فيها أهم المنشآت المدنية بما تشمله من الدور والقصور والحمامات والأسواق والقيساريات والفنادق، واستكمالا لدراسة المنشآت في كورة شذونة فقد تحدثت عن بعض المنشآت الدفاعية والحربية، فذكرت أسوارها الحصينة، وما كان يتخللها من أبواب، ثم تحدثت عن القصبة وموقعها، وذكرت الأبراج المربعة والمثمنة التي اشتهرت بها مدينة شريش، كما أشرت إلى بعض الحصون الدفاعية بها، هذا بالإضافة إلى ذكر دار صناعة السفن، وأخيرا عرضت في نهاية الفصل بعض المتنزهات أو المنيات والقنطرة والمقابر.

   وفى الفصل الرابع والأخير وهو بعنوان "الحياة العلمية في كورة شذونة" فقد أوضحت فيه الاتصال العلمي بين مدن كورة شذونة وغيرها من المدن الإسلامية الأخرى، وتحدثت عن مراكز التعليم في كورة شذونة، وأهم البيوتات العلمية الشهيرة فيها، ثم أهم مظاهر ازدهار الحركة العلمية فذكرت العلماء الذين نبغوا في العلوم الدينة وعلوم الأدب واللغة والعلوم العقلية.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق