بقبلات حارة وأحضان أكثر حرارة .. ودع مرقص سريال عبدالنور وزوجته مريم نصر كامل، طفلهما الوحيد الذى لم يتجاوز العام وثلاثة أشهر، وكأن قلبيهما يشعر بأن هذه القبلات هى قبلات الوداع .. حيث خرج الزوجين إلى الرحلة الأخيرة التى لا عودة بعدها.
مرقص سريال عبدالنور البالغ من العمر 40 عامًا، وزوجته مريم نصر كامل، البالغة 35 عامًا، ولدا في قرية الرحمانية التابعة لمركز نجع حمادى بمحافظة قنا.. وكان الزوج هو الابن الأكبر لوالديه، ولديه شقيق واحد يدعى مينا يعمل موظفًا بأحد البنوك؛ أما والدهما فيعمل بالخياطة منذ أن كان شابًا، ووالدتهما ربة منزل .. وولدت الزوجة مريم نصر لأسرة بسيطة، حيث يعمل والدها موظفًا بمكتب صحة بهجورة، ووالدتها موظفة بمستشفى الرحمانية.
رغم الجيرة وصلة القرابة بين مريم ومرقص، إلا أن التردد على كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالرحمانية قبلى، بدائرة مركز نجع حمادى، كان بداية الطريق ليصل كل منهما إلى قلب الآخر، فقد كان "مرقص سريال" خادمًا وشماسًا بالكنيسة، وكانت "مريم نصر" خادمة أمينة بذات الكنيسة.. جمعتهما أحاديث الكنيسة، وساعد على تعميق العلاقة بينهما عملهما في مهنة المحاماة التى كان لها دورًا كبيرًا في زيادة التقارب بينهما من خلال تواجدهما داخل نقابة المحامين أو داخل محكمة نجع حمادى.
حالة من الألفة بدأت تنشأ بين مرقص ومريم، وبدأ كل منهما ينتظر اللحظة التى يلتقي فيها الآخر، وأمام حالة الحب التى بدأت الأيام تنسج خيوطها، لم يكن أمام مرقص سوى أن يذهب لوالديه طالبًا منهما أن يتقدم لخطبة مريم .. وكان اللقاء بين الأسرتين قبل سنوات أكثر اللحظات سعادةً في حياة مريم ومرقص، ليتفق الطرفين على موعد الزفاف وتنطلق بعدها الزغاريد تعانق السماء ابتهاجًا بالعرس.
وبحضور الآلاف من أقارب العروسين وأصدقاء العائلتين، عقد الزفاف قبل عامين، ليطوى بذلك مرقص ومريم صفحة العزوبية، ويبدأ الاثنين معًا صفحة جديدة في حياتهما عنوانها الحب والمودة .. وعاش الاثنين أجمل أيام حياتهما، وأصبح كل منهما لا يفارق الآخر، يذهبا إلى الكنيسة والمحكمة معًا، ويعودا إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة .. بعدها يذهبا معًا لمكتبهما المشترك ويعودا مساءً لقضاء أجمل أوقات حياتهما استكمالًا لقصة العشق التى بدأت قبل سنوات.
ظل الزوجين يراودهما في الأيام الأولى من الزواج حلم أن يكون لهما طفل يحمل اسمهما معًا، حتى رزقهما المولى تبارك في علاه، مولودهما الأول، وما إن يحين موعد خروج الزوجين كانا يقومان بترك الطفل مع والدة مرقص ترعاه حتى عودة نجلها وزوجته من العمل.
ومع مرور الأيام؛ فكر الزوجين في شراء سيارة تغنيهما عن المواصلات العامة التى تستهلك الكثير من الوقت .. وفى سبيل تنفيذ رغبتهما قام الزوج قبل ثلاثة أشهر بشراء سيارة حديثة لانسر حمراء اللون .. وبدأ في تعلم القيادة حتى أصبح قادرًا على القيادة بمفردة دون مساعدة أحد، واتفق مع زوجته أن يكون أول مشوار لهما بالسيارة خارج حدود مركز نجع حمادى، الذهاب للاحتفال بمولد مارجرجس بدير المحروسة بمركز قنا والذي يبعد عن قرية الرحمانية بنجع حمادى حوالى 75 كيلو متراً.
مرت الأيام وانطلقت احتفالات مارجرجس بدير المحروسة، وبدأ توافد الأخوة الأقباط من شتى محافظات مصر للاحتفال بهذه المناسبة، وعادت الزوجة تذكر زوجها بوعده لها لمباركة السيارة الجديدة بالمشاركة في هذا الاحتفال، ولم يتردد الزوج الذى طلب من زوجته أن تستعد بعد الساعة الخامسة مساءً للذهاب إلى دير المحروسة.
أنهى الزوجين استعدادهما للخروج، وكعادتهما قرر الزوج ترك طفلهما الوحيد الذى لم يتجاوز العام وثلاثة أشهر من العمر، مع والدته، بينما كانت الزوجة تطلب منه أن يصطحبا الطفل ليشهد الاحتفال؛ إلا أن الزوج أقنعها بأن الطفل قد لا يتحمل تقلبات الجو إلى جانب الزحام داخل دير المحروسة لاسيما ونحن نمر بظروف استثنائية في ظل تفشى وباء كورونا .. فاقتنعت الزوجة وتركت الطفل مع والدة زوجها بعد أن ودعته هى وزوجها بالأحضان والقبلات الحارة، على وعد العودة سريعًا.
لم يكن مرقص ومريم، يدركا أن القبلات التى وضعها كل منهما على جبين طفلهما ستكون الأخيرة .. فقد انطلقا بالسيارة الجديدة إلى دير المحروسة ليشهدا الاحتفال بمولد مارجرجس .. ولكن القدر لم يمهلهما للعودة إلى طفلهما، فقد فشل الزوج في تفادى سيارة ميكروباص كانت قادمة في الاتجاه المقابل بالطريق الصحرواى " قنا – الأقصر " وكان يستقلها 12 مواطنًا من الأخوة الأقباط كانوا عائدين من الاحتفال، خاصة أن الطريق غير مزدوج ولا توجد أى إرشادات مرورية إلى جانب عدم وجود إنارة كافية على امتداد الطريق، ما أدى إلى اصطدام السيارتين في حادث مأساوى يتكرر كثيرًا على هذا الطريق الذي يفتقد لكافة عناصر الأمان.
هرعت 10 سيارات إسعاف إلى موقع الحادث تنقل المصابين لمستشفى قنا الجامعى، حيث أصيب جميع مستقلى السيارتين الملاكى والميكروباص، إلا أن إصابة مرقص وزوجته مريم كانت الأخطر وأخطلت دمائهما بلون سيارتهما الحمراء، ولم يمهلهما القدر لدخول غرفة العناية المركزة، حيث لفظ الاثنين أنفاسهما الأخيرة داخل قسم الاستقبال بالمستشفى ليعودا بعدها إلى قريتهما جثتين هامدتين.
اتشحت قرية الرحمانية بالسواد حزنًا على فراق مريم ومرقص .. وعاشت الأسرتين ليلة هى الأسود في حياتهما، وسط نحيب لا يتوقف، وإغماءات متكررة لوالدتى مرقص ومريم لعدم قدرتهما على استيعاب الكارثة التى حلت بهما .. بينما الطفل الرضيع لا يكف عن البكاء في انتظار عودة والديه وهو لا يعرف أنهما خرجا إلى الرحلة الأخيرة وقد رقدا على رجاء القيامة بعد أن وارى التراب جسديهما.
كان مدير أمن قنا اللواء محمد أبوالمجد، تلقى إخطارًا بوقوع تصادم بين سيارتين بطريق " قنا – الأقصر " أمام قرية المحروسة بمركز قنا، فانتقلت على الفور أجهزة الأمن، وبالفحص تبين وقوع تصادم بين سيارة ملاكي تحمل رقم ( ص أ ب ٣٥٧١ ) وسيارة ميكروباص تحمل رقم ( ص أ د ١٢٩٨ ) وتبين أن جميع مستقلى السيارتين من الأأخوة الأقباط كانوا يشاركون في احتفالات مارجرجس بدير المحروسة، وأسفر الحادث عن مصرع مرقص سريال عبدالنور - ٤٠ عاما - " محام" وزوجته مريم نصر كامل - ٣٥ عاما - مقيمان قرية الرحمانية بمركز نجع حمادى.
وأصيب كلا من ماري ناصر كامل - ١٧ عامًا - اشتباه ما بعد الارتجاج، ودميانة عطالله كراس - ٢٥ عامًا - كدمات متفرقة، وجولييت صبحي موريس - ١٥ عامًا - كسر بالساق اليسري، وكريم روماني فوزي - ١٤ عامًا - كسر بالساق اليسري، ومهرائيل هلال مايسين - ١٤ عامًا - كسر بالساق اليسري، ومارينا واصف وصفي - ١٤ عامًا - جروح بالوجه، ومريم حنا كندس - ٣٨ عامًا - آلام بالظهر، وايرينا ناصف نصحي - ١١ عامًا - سحجات متفرقة، وناريمان كرم شوقي - ١٢ عامًا - اشتباه كسر بالركبة، وكيلين روماني فوزي - ١٢ عامًا - اشتباه كسر بالساق اليسري، وهلانة عيد حلمي - ٤٧ عامًا - سحجات متفرقة بالجسم، وتم نقل الجثتين لمشرحة مستشفي قنا الجامعى، والمصابين لذات المستشفي لتلقى العلاج، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
يذكر أن هذا الحادث هو الثالث خلال 24 ساعة بذات الطريق، حيث وقع تصادم بين دراجة نارية وسيارة ملاكى وأسفر عن إصابة 4 أشخاص، كما وقع تصادم آخر بين سيارة ملاكى وأتوبيس، وأسفر عن مصرع مستقلى السيارة الملاكى إبراهيم على منوفى وأية محمد سلامة، فيما أصيب مستقلى الأتوبيس وعددهم 39 شخصًا جميعهم من مركز جرجا بمحافظة سوهاج حضروا للمشاركة في احتفالات مارجرجس.
اترك تعليق