أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في 2019، طبعة جديدة من كتاب: «الـعـائـــدون مــن داعــــش»؛ وذلك في إطار سلسلة الدراسات والكتب التي تتناول الحديث عن الإرهاب والجماعات المتطرفة في العالم أجمع. ويهدف الكتاب، الذي يتألف من 145 صفحة، إلى تسليط الضوء على ما تم رصده حول العائدين من داعش وموقف الدول الأوروبية منهم وإلى أين ذهب مقاتلو التنظيم بعد سقوط دولتهم المزعومة وانهيارها؟
ويتناول الكتاب -وفق ما نشر في مجلة المرصد الشهرية- بين طياته الحديث عن وسائل داعش لاستقطاب الشباب وأسبـــــاب الانشقـــاق عــــــن صفـــــوف داعــــش والعــــودة إلــــــــــــــــــى الوطن. ويقدم في الصفحات الأولى تعريفًا لتنظيم داعش الإرهابي، مشيرًا إلى البيان الذي أصدره الأزهر الشريف لتوضيح رأى فضيلة الإمام الأكبر أ.د/أحمد الطيب شيخ الأزهر بشأن هذا التنظيم الإرهابي والذي أوضح فيه أنهم بُغاة مُحاربون لله ورسوله ومُفسدون في الأرض ويجب على ولاة الأمر قتالهم ودحرهم وتخليص العالم من شرورهم.
ثم ينتقل الكتاب إلى تعريف اصطلاحي لمصطلح «العائدون من داعش»، ومصطلح "المقاتلين الأجانب"، مشيرًا إلى ما ذكرته بعض الإحصاءات من أن تدفقات المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق بلغ (60000) مقاتل، قد أتوا من أكثر من (110) دولة. من بين هؤلاء نحو (5000/6000) من أوروبا، بنسب مختلفة من بلد إلى آخر؛ حيثُ إن حوالي 70٪ منهم يأتون من أربع دول فقط: فرنسا (حوالي 1900 فرد)، والمملكة المتحدة وألمانيا (أقل بقليل من ألف لكل منهما)، وبلجيكا (أكثر من 500).
وقد عاد من هؤلاء بالفعل من مناطق النزاع نسبة الثلث تقريبًا. وتُعدُّ إسبانيا من أقل الدول الأوروبية التي انضم من أبنائها مقاتلون إلى تنظيم "داعش" في سوريا والعراق؛ ففي عام 2015 انضم عددٌ لا يزيد على (140) فردًا، وفي عام 2016 أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أن (190) فردًا سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف "داعش". أما إيطاليا فقد انضم منها عددٌ قليل يُقدر بحوالي (130) فردًا، وفقًا لما ذكرته السلطات الإيطالية، وهي نسبةٌ منخفضة جدًّا بالنسبة لإجمالي عدد السكان، وهذا يعني أن من بين كل مليون إيطالي انضم شخصان إلى صفوف التنظيم، وهي نسبة قليلة مقارنة ببلجيكا التي يبلغ عدد من انضم منها للتنظيم من كل مليون (46)، والنمسا (33)، والسويد (30)، وفرنسا (28)، والنرويج (28)، والدنمارك (27).
وأوضح الكتاب أن العائدين من داعش ينقسمون إلى قسميْن: القسم الأول: هم الذين اقتنعوا بدعاية التنظيم الضالة والمضلّة، وسافروا إلى أماكن تمركزه الرئيسة، ثم انجلت لهم حقيقة التنظيم بعد ذلك فاكتشفوا فساد فكره وضلال منهجه، وعادوا إلى بلادهم مرة أخرى، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المنشقين عن داعش».
أما القسم الثاني فهم الذين عادوا إلى بلادهم بعد سقوط التنظيم في سوريا والعراق، سواء عادوا متسللين أو أُلقي القبض عليهم أثناء محاولة عبور حدود بلادهم أو حدود أية دولة أخرى.
ويفتح الكتاب النافذة على ظاهرة انضمام الشباب إلى داعش، موضحًا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الشباب المسلم في دُول المشرق العربي والإسلامي فحسب، بل إنَّ هناك أعدادًا كبيرةً من شباب أوروبا وأمريكا قد التحقوا بهذا التنظيم الإرهابي. ثم ينتقل الكتاب إلى سرد أسباب انضمام الشباب الغربي إلى داعش والتي من بينها ما يلي:
غياب الوعي وعدم المعرفة الصحيحة بالإسلام
استغلال تنظيم "داعش" الإرهابي لحقائق تاريخية حول الخلافة الإسلامية
المعاناة الأسرية وعدم الشعور بالأمان
الإغراءات المادية التي يقدمها التنظيم الإرهابي
من ناحية أخرى، يسرد الكتاب أسباب الانشقاق عن صفوف داعش والعودة إلى الوطن، مفصلًا لتلك الأسباب وفقًا لروايات المنشقين وشهادات العائدين والعائدات. ويوضح الكتاب أن السبب الأول للانشقاق عن التنظيم الإرهابي هو الاقتتال الداخلي وهو انخراط داعش في معارك ضد الجماعات المسلحة السنّية الأخرى.
أما السبب الثاني للانشقاق عن التنظيم فيرجع إلى الوحشية ضد المسلمين السنّة والقيام بعمليات القتل المروعة للمدنيين الأبرياء. وقد أفادت شهادات المنشقين أن العمليات العسكرية التي لم تكن تأبه بالأضرار المصاحبة قد أودت بحياة العديد من النساء والأطفال، كما ذكروا أيضا عمليات القتل العشوائي للرهائن، وإعدام القادة لمقاتلين في التنظيم.
أما السبب الثالث فهو الفساد الداخلي والسلوك غير الإسلامي لقادة التنظيم وأمرائه الذين يعقدون صفقات بترولية وتجاريَّة مع من يدَّعون أن قتالهم أهداف رئيسة للتنظيم. فضلًا عن تعامل هؤلاء القيادات بعنصرية واستعلاء مع أعضاء التنظيم وتفضيلهم المقاتلين الغربيين على السوريين والعرب.
وأما السبب الرابع فيذكر الكتاب أن مستوى المعيشة يُعد أحد أسباب الانشقاق عن التنظيم وذلك بعد أن أبدى عددًا كبيرًا من المنشقين عن الجماعة -خاصة ممن انضموا لأسباب مادية- اعتراضهم على ظروف المعيشة القاسية ونوعية الحياة داخل التنظيم.
ويؤكد الكتاب على أن كثير من المنضمين إلى "داعش" كانوا يرغبون في العودة إلى أوطانهم قبل سقوط دولة داعش المزعومة، وذلك بعد أن خاب أملهم في ذلك التنظيم المتطرف، لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك بسبب تخوفهم من أمرين رئيسين:
أولهما: إقدام داعش على قتلهم بتهمة الخيانة إذا علمت برغبتهم في الانشقاق والعودة إلى أوطانهم.
أمّا الأمر الثاني الذي يتخوف منه هؤلاء المنشقون فهو التحقيق معهم حال عودتهم إلى أوطانهم وتعرضهم للسجن بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية.
ثم يتطرق الكتاب إلى ذكر نماذج لشهادات بعض العائدين من داعش، منوهًا إلى ضرورة نشر هذه الشهادات إعلاميًّا بهدف تحذير الشباب من الوقوع في نفس مصيرهم.
ثم ينتقل إلى الحديث عن موقف الدول الأوروبية من العائدين من داعش وكيفية تعامل هذه الدول مع قضايا العائدين من "داعش" حتى الآن تعاملًا أمنيًّا وقضائيًّا. وأشار الكتاب إلى رؤية المرصد حيال هذه الإشكالية، والتي أكد فيها على أن تَعامُل كلِّ دولةٍ مع المقاتلين العائدين إليها سيُحدِّد إلى أيّ مدى يمكن أنْ يُشَكِّلَ هؤلاء العائدون خطرًا على الدولة، أو عاملًا إضافيًّا يُسهِم في تعزيز فهم الدولة المعنية لفكر هذه الجماعات وكيفية محاربته. ومن ثَمّ فمن المؤكد أنه كلّما امتلكت الدولة برامجَ متقدِّمةً لتأهيل هؤلاء العائدين، وتيسير إعادة دمجهم في مجتمعاتهم؛ عَظُمت الاستفادة منهم، وقَلّ ما يُمثِّلونه من خطورة.
ويتسائل الكتاب عن الوجهة القادمة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي بعد دحره في سوريا والعراق، مشيرًا إلى رؤية مرصد الأزهر لمكافحة التطرف حول هذه القضية والتي أوضح فيها أنه لم يَعُدْ أمام داعش بعد دحره في سوريا والعراق سوى ثلاثة خيارات:
الأول: اللجوء إلى مناطقَ ودولٍ له فيها موطئُ قَدَمٍ، مثل: أفغانستان أو ليبيا أو الحدود العراقية.
الثاني: قد يلجأ التنظيم، حسب تصريحات الخبراء إلى القيام بعملياتٍ إرهابية في أوروبا، ينقل خلالها المعركةَ من الشرق إلى الغرب.
الثالث: الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمرٌ له فيه خبرةٌ في العراق. ولكن ممّا لا شَكَّ فيه أنّ مقاتلِي التنظيم بدأوا -بعد التحرير الكامل لمعاقلهم- في الفرار من العراق وسوريا إلى دولٍ أخرى، يرى فيها قادةُ التنظيم أرضًا خِصْبةً لإنشاء معاقلَ جديدةٍ له.
اترك تعليق