 
                      
           
يحتفل الصينيون بالذكرى السنوية الحادية والسبعين لتأسيس الصين الجديدة وبلادهم على مرمى حجر من تحقيق هدف لطالما تاقت إليه أجيال منهم. لم تكن مسيرة التخلص من الفقر في بلد ظل الفقر لصيقا به على مدى عقود قبل تأسيس الصين الجديدة مهمة يسيرة، فالحقيقة هي أن التأريخ لمسيرة الصينيين على درب مكافحة الفقر في العصر الحديث يرتبط بإنشاء جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، التي جعلت قيادتها مكافحة الفقر وتحسين مستوى معيشة الشعب على قمة أولوياتها ومهمة مستمرة لأعمالها.
كانت العقبات جمة والصعوبات عديدة، أو حسب التعبير الصيني "عظام بالغة القساوة"؛ فقد خرجت الصين الجديدة من فترة الغزو الأجنبي والحرب الأهلية باقتصاد مدمر وبنية أساسية هشة وظروف غير مهيأة لتطوير التعليم والصحة وخدمات الرعاية الاجتماعية، فضلا عن حجم سكاني هائل يلتهم أي منجزات تنموية يمكن أن تتحقق، فقد تضاعف عدد سكان الصين في الفترة من خمسينيات القرن العشرين حتى أواخر السبعينيات. خلال ثلاثين عاما فقط، زاد عدد السكان من خمسمائة مليون نسمة إلى مليار نسمة.
خلال الفترة من سنة ألف وتسعمائة وتسع وأربعين، العام الذي تأسست فيه الصين الجديدة، وحتى سنة ألف وتسعمائة وثمان وسبعين، عندما انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، شهدت الصين المرحلة الأولى لمكافحة الفقر في مناطقها الريفية من خلال إصلاح نظام الأرض الزراعية وتحسين المنشآت التحتية وتطوير التعليم والصحة وتعميم التقنيات الزراعية وإقامة منظومة الضمان الاجتماعي، فانخفض عدد سكان الريف الذين يعيشون تحت الحد الدنى للغذاء الكافي واللباس الدافئ بنسبة 50%. وامتدت المرحلة الثانية لمكافحة الفقر من سنة ألف وتسعمائة وثمان وسبعين حتى نهاية عام ألفين واثني عشر، وتم خلالها الدمج بين مساعدة الفقراء من خلال التنمية ومن خلال الإستراتيجيات الوطنية، فشهدت تلك الفترة صدور وتنفيذ ((الخطة الوطنية لانتشال 70 مليون فرد من الفقر خلال سبع سنوات)) و((منهاج مساعدة الفقراء من خلال التنمية في المناطق الريفية)) حيث تم تحديد سياسة مساعدة الفقراء من خلال التنمية، وتحديد المحافظات الفقيرة والمناطق المتجمعة للفقر المدقع، وإقامة منظومة تحمل المسؤولية عن أعمال مساعدة الفقراء على أربعة مستويات من الحكومة المركزية إلى حكومات المحافظات. المرحلة الثالثة هي العصر الجديد لمساعدة الفقراء وتخليصهم من الفقر بشكل دقيق وهادف منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في نهاية عام 2012 حتى الآن. فقد اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بقيادة الرئيس شي جين بينج، أعمال القضاء على الفقر مهمة أساسية وهدفا رمزيا لإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وفي نوفمبر سنة 2013، طرح الرئيس شي جين بينج لأول مرة برنامج المساعدة المستهدِفة للفقراء بدقة.
ولا غرو أن طفرة التنمية الاقتصادية في الصين مع السيطرة على النمو السكاني كانا عاملين رئيسيين في جهود الصين لمكافحة الفقر، فمنذ عام 1978، دخلت الصين فترة جديدة من الإصلاح والانفتاح، فحقق الاقتصاد الوطني نموا بمعدلات عالية، وتعززت التنمية الريفية والتصنيع والتحول الحضري، في ظل تطبيق سياسة تنظيم الأسرة والتركيز على جودة الإنجاب وتحسين التعليم والخدمات الصحية.
إن حقيقة تركز الفقر بشكل رئيسي في المناطق الريفية والمناطق الحدودية ومناطق الأقليات القومية جعلت مهمة مكافة الفقر في الصين أكثر صعوبة. بعد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، انتهجت الصين إستراتيجية مكافحة الفقر بالتدابير المستهدِفة التي تعني تقديم المساعدة إلى العائلة أو الشخص الفقير مباشرة، بعد تسجيل الفقراء وتحليل أسباب فقرهم، ثم تقديم المساعدة لهم من أجل زيادة دخولهم وضمان حصولهم على المأكل والملبس والمسكن الآمن والتعليم الإلزامي والرعاية الأساسية. وبالنسبة للمناطق النائية والمناطق ذات البيئة الهشة والكوارث الطبيعية المتكررة، تم نقل سكانها إلى مناطق أكثر ملاءمة. تضمن الحكومة التعليم الإلزامي في المناطق الريفية، وأنشأت منصات لتشجيع الكليات والجامعات على توفير التدريب للمعلمين في المناطق الفقيرة.
في سنة 2013، بدأت الصين في تنفيذ سياسة المساعدات المُستَهدِفة لتخفيف حدة الفقر. وفقا للظروف المختلفة للمناطق الفقيرة والعائلات المختلفة، فتم تطبيق إجراءات دقيقة وفعالة لتحديد ومساعدة الفقراء بدقة. وبهذه الطريقة، انخفض عدد الفقراء في الصين من 99ر98 مليون فرد في نهاية عام 2012 إلى 51ر5 ملايين فرد حتى مارس 2020، وانخفض معدل انتشار الفقر من 2ر10% إلى 6ر0%. لمدة سبع سنوات متتالية، انتشلت الصين أكثر من عشرة ملايين فرد من الفقر كل عام. حتى نهاية عام 2018، وصلت الكهرباء ومياه الشرب الآمنة إلى كافة المناطق الريفية الفقيرة التي صارت غالبيتها تتمتع بخدمات الهاتف الأرضي وشبكة الإنترنت وكابلات التلفزيون. تحسنت ظروف المعيشة والعمل في المناطق الريفية بالصين بشكل ملحوظ.
وبينما كانت الصين في الأمتار الأخيرة لماراثون مكافحة الفقر، داهمها وباء كوفيد- 19، في نهاية عام 2019. وكما هو الحال في كل العالم، تأثرت الصين بشدة في الفترة الأولى لانتشار الوباء، وتراجع معدل نمو اقتصادها في الربع الأول من سنة 2020، ولكن سرعان ما استعاد الاقتصاد الصيني عافيته وحيويته. وبرغم ذلك، لم تتراجع الصين عن هدفها بالتخلص من الفقر بحلول نهاية عام 2020، وستعمل ابتداء من العام المقبل على تنشيط مناطقها الريفية وتعزيز إنجازات التخفيف من حدة الفقر من خلال تطوير صناعات مميزة وتنافسية في المناطق الريفية.
تدرك الصين أن الفقر عقبة رئيسية يجب التغلب عليها في السعي لتحقيق السلام والازدهار، فالقضاء على الفقر بجميع أشكاله وأبعاده هو أول أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المدرجة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
لقد التزمت الحكومة الصينية بالقضاء على الفقر، برغم العقبات والصعوبات، وباتت الآن على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب منها بذل المزيد من الجهود لمنع عودة الفقر ومواصلة التنمية، وتقديم مزيد من المساهمات للعالم.
اترك تعليق