أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي ، المسلمين بتقوى الله عز وجل وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام :
أمة الإسلام في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى شمال الجزيرة العربية ، فأمضى خمسين يوماً في مشقة وعسر ، ثلاثين يوماً في المسير ، وعشرين أقامها في تبوك ، ثم عاد في شهر رمضان المبارك ، وكان عمره آنذاك قد جاوز الستين عاما ، إنها غزوة تبوك التي سماها القرآن الكريم بساعة العسرة ؛ لأن المشقة قد أحاطت بها من كل جانب ، قال جابر رضي الله عنه : اجتمع عليهم عسرة الظهر، وعسرة الزاد ، وعسرة الماء .
وفي صحيح ابن حبان ؛ قيل للفاروق رضي الله عنه حدثنا من شأن العسرة قال : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ، ويجعل ما بقي على كبده ، فالطريق طويل والزاد والعتاد قليل ، والحر شديد والمدينة النبوية قد طابت ثمارها وظلالها وطابت نفوس أهلها بالبقاء فيها ، فلا يخرج في هذا الوقت إلا من قدم رضا الله على لذة الحياة الدنيا ، وآثر أن يفوت صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج مع رسول الله ثلاثون ألفا وقعد الذين عذرهم الله ورسوله فرفع الله الحرج عنهم ، وبلغهم بما علم من صدق نياتهم منازل العاملين وهم في دورهم آمنين مطمئنين .
و تابع بالقول : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة فقال : إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيرا ، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، وفي رواية إلا شاركوكم في الأجر قالوا : يارسول الله ، وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة . رواه البخاري ومسلم .
و أضاف فضيلته : أخوة الإيمان إن النية شأنها عظيم ، فهي رأس الفضل ، وأساس العمل ، والعازم على الخير فاعل ، والقاصد للوصول واصل ؛ فلذا كان سلفنا الصالح يعظمون شأن النية حتى قال سفيان الثوري : كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل ، فالنية إن صفت صفا العمل ، وإن حسنت قُبل العمل ، ورُب عمل صغير يعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية ، وبالنية الصادقة يدخل الإنسان الجنة ولم يعمل بعمل أهلها بعد ، ففي صحيح مسلم أن رجلا من بني إسرائيل قتل مئة نفس ، ثم ذهب يبحث عن التوبة ، فخرج من قريته إلى قرية فيها قوم صالحون ، فلما كان في بعض الطريق أدركه الموت فقبل الله توبته ، وأثابه على حسن نيته ، ومن أصحاب رسول الله عليه وسلم عمرو بن ثابت رضي الله عنه فقد كان يأبى الإسلام ، فلما كان يوم أحد بدا له الإسلام فأسلم ، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة ؛ فمات رضي الله عنه وأرضاه فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لمن أهل الجنة رواه الإمام أحمد .
فبشهادة التوحيد ، والعزم الأكيد على الإيمان والعمل الصالح الرشيد ، أصبح من أهل الجنة فأدركه الموت قبل أن يسجد لله سجدة ، فإذا علم الله حسن نية العبد وطيب مقصده ونقاء سريرته ؛ سدد قوله وبارك عمله وشكر سعيه ، قال تعالى : ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا .
فإرادة عمل الخير تبلغ بصاحبها ما يقصر عنه عمله ؛ ليكتب الله أجره وثوابه ، ففي سنن النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى ، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل .
وفي القرآن الكريم : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله .
معاشر المؤمنين : إن من بركة النية الطيبة أنها تنفع صاحبها ، ولو لم يقع العمل على وجهه الصحيح ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : ذكر رجل ممن كان قبلنا تصدق بصدقات فأخفاها حتى عن نفسه فوقعت الأولى في يد زانية ، والثانية على غني ، والثالثة على سارق فساءه ذلك ، فأوتي أي في المنام فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته .
قال ابن حجر رحمه الله : نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع ، وبالنية الصالحة يثاب المؤمن على أعماله الدنيوية ، وعلى سعيه لكسب معاشه فتتحول العادات إلى عبادات ، وهذا باب عظيم لكسب الحسنات يغفل عنه كثير من الناس .
وبين فضيلته بأن النية الصالحة خير ما يستفتح به المرء يومه ، ويختم به نهاره وهي خير ما يدخره عند ربه ، فحري بالمؤمن أن ينوي الخير في أقواله وأعماله حتى إذا حل الأجل وحيل بينه وبين العمل كتب الله له أجر العمل .
وقال فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي ، في الخطبة الثانية : الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك الله وسلم تسليما مزيدا .
معاشر المؤمنين : لا شك أن الحج ركن عظيم من أركان الإسلام أوجبه الله تعالى على عباده بشرط الاستطاعة ، وبسبب هذه الجائحة كانت المصلحة قصر الحج على أعداد محدودة حفاظاً على أرواح الناس ، وإن من أعظم مقاصد الشريعة حفظ النفس وهي من جملة الضروريات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها ، وعدم تعريضها للهلاك أو إلحاق الضرر بها فجزى الله خيرا خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده الأمين ؛ على عنايتهما ورعايتهما لأمر المسلمين ، وإن مما عوضه الله تعالى من لا يستطيعون الحج أن جعل لهم موسم عشر ذي الحجة ، فمن عجز عن أداء نسكه آجره الله تعالى بنيته وجعل له في هذه العشر أعمالا جليلة يقوم بها ، وهو في مكان إقامته فمن الأعمال المشروعة فيها صيامها وخاصة يوم عرفة فصيامه يكفر سنتين ، وفي سنن أبي داوود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، والذكر في هذه العشر أفضل من الذكر في غيرها ، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد .
فيا أيها المؤمنون أعدوا لهذه العشر عدتها ، وعظموها كما عظمها الله - عز وجل - وأكثروا فيها من الطاعات ، واستبقوا فيها الخيرات ف، هي أعظم اأام الدنيا ، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما العمل في أيام افضل منها في هذه يعني أيام العشر ، قالوا ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشئ
اترك تعليق