هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

علماء مسلمون غيروا وجه العالم (23-30)

الرياش بن غانم .. رائد علم المدفعية في الحضارة الإسلامية
يذخر تاريخ الحضارة الإسلامية بأسماء المئات بل الألاف من العلماء الذين نجحوا في تغيير وجه الحياة بما قدموه للبشرية من اختراعات وابتكارات استفادت منها جميع العلوم والمعارف وبعضها لازال يستخدم حتى الآن. الجمهورية اونلاين ستستعرض طوال أيام شهر رمضان المبارك بعض الاختراعات والابتكارات التي قدمها علماء المسلمين فغيروا بها وجه الحياة على مر العصور.

هرب من محاكم التفتيش الكاثوليكية وقاد سفن تونسية ضد مملكة غرناطة


الرياش بن غانم .. رائد علم المدفعية في الحضارة الإسلامية .. أول من وضع كتابا عن المدافع باللغة العربية يعد موسوعة عسكرية عن المدافع فوصف فيه البارود والآلات الحربية القاذفة وتركيب المدافع واختلافها ووصف أدواتها وطرق تعميرها والرمي بها إلى غير ذلك، ووضع معها رسومات توضيحية لكل أجزاء المدفع.

 

اختار طريق الجهاد في سبيل الله ليدفع عن نفسه وعن المسلمين الظلم والاضطهاد الذي تعرضوا له في الاندلس، حيث عاش في فترة من أحلك وأقسى الفترات وهي محاكم التفتيش التي أسسها الملوك الكاثوليك فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى في 1478 بموافقة البابا سيكستوس الرابع واستمرت حتى تم الغائها سنة 1834 في عهد إيزابيلا الثانية، وشهدت مذابح رهيبة.

 

وهرب ابن غانم الرياش (وهو تحريف لكلمة ريس العربية التي تطلق على ربابنة البحر العرب) من اسبانيا بعد ان دفع رشاوي كبيرة لمسئولي محاكم التفتيش والجهات الأمنية ووصل إلى مراكش وتوجه منها الى تونس وانضم الى حاكمها الذي جعله ربانا على إحدى السفن الحربية للجهاد ضد سفن ملك غرناطة.

 

نقترب أكثر من إبراهيم الرياش لنتعرف عليه

 

البطاقة الشخصية

الاسم: إبراهيم بن أحمد غانم بن محمد بن زكريا الأندلسي

تاريخ الميلاد: الربع الأول من القرن 11 الهجري/ الربع الأخير من القرن 16 الميلادي

محل الميلاد: قرية نولش من إقليم غرناطة

المهنة: ربان مجاهد عالم بأدوات الحرب

الألقاب: رائد علم المدفعية في الحضارة الإسلامية –  الرياش وهو تحريف لكلمة ريس العربية التي تطلق على ربابنة البحر العرب

المؤلفات: (كتاب العز والرفعة والمنافع، للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع)

 

 

محطات مهمة في حياته

عاش إبراهيم ابن غانم في فترة صعبة جدا وتحايلت عائلته على الأوضاع فتظاهرت -كمعظم المسلمين في الاتدلس- بالتنصر، واكتشف رؤساء محاكم التفتيش المسيحية أن كثير من الأندلسيين الذين بقوا في غرناطة وما حولها، قد حافظوا على ديانتهم ومقدساتهم الإسلامية بالرغم من أنهم تظاهروا بالتنصر، وأنهم ما زالوا يدرِّسون اللغة العربية في بيوتهم سرًا; فتم إعدام رؤسائهم، وأجبر سوادهم على الهجرة إلى خارج حدود غرناطة، فلجأت عائلة ابن غانم إلى مدينة إشبيلية.

 

ورغم أن مدينة اشبيلية لم تكن ميناءً بحريًا إلا ان ابن غانم تعلق بالبحر والأسفار البحرية لتحقيق رغبته سعيا وراء تحقيق رغبته في الهجرة من الأندلس والقيام بالجهاد البحري ضد الكاثوليك الذين ساموا شعبه أشد أنواع العذاب، ولكي يتمكن من تحقيق حلمه واظب على تعلم العلوم البحرية وسعى للعمل على إحدى السفن الكبرى الذاهبة إلى قارة أمريكا المكتشفة حديثًا، والتي يسميها "الهنود المغربية البعيدة".

 

وتعلم ابن غانم خلال رحلاته عبر البحر المحيط -أي المحيط الأطلسي تعلم علوم المدفعية عن طريق استماعه إلى ربابنة البحر، وملاحظته لطرق التدريب على المدافع، ويصف ذلك بقوله: "وكانوا يجتمعون مع أكابر القوم للكلام في تلك الصناعة (صناعة آلات الحرب البارودية)، وتارة يأتون بالكتب المؤلفة في ذلك الفن، وهي كثيرة، لأن العارفين بالعلم، المباشرين للعمل، وغيرهم، لما رأوا أن ملوكهم يعظمون أهل ذلك الفن ومن يؤلف فيه فُتنوا به، وكنت أجالسهم وأحفظ بعض ما يتفقون عليه، وأشتغل بيدي في المدافع، وجميعهم لا يظنون بي أنني أندلسي".

 

اكتشف بعض العاملين في محاكم التفتيش أنه أندلسي -أي عربي مسلم- فأودعوه في السجن حتى تدخل احد الأكابر الإسبان وتوسط لـه حتى تم إطلاق سراحه، وبعد خروجه من السجن  عاد للحياة في إشبيلية. وهناك لاحظ أنه يخضع للمراقبة، مما جعل حياته صعبة على جميع الأصعدة، فحاول الحصول على إذن للهجرة إلى المغرب، ولكن السلطات الأمنية رفضت فاضطر إلى دفع رشوة كبيرة حتى حصل على غايته، وكان ذلك في سنة 1016 هجرية الموافق 1607 ميلادية، ووصل إلى المغرب منها إلى تونس مع جمع من قومه فوصل في عهد الداي عثمان قبل 1608 ميلادية.

 

ووصف ابن غانم الرياش هجرته إلى تونس فقال: (فخرجت من تلك البلاد إلى بلاد المسلمين مع جملة الأندلس وكانوا منعوني من ذلك، فعملت بيَنة بأنني من الأندلس لنخرج معهم، ولم ينفعني شيء من ذلك. ثم أنفقت دراهم في الرشوات، وخرجت من بينهم، وجئت إلى مدينة تونس حرسها الله فوجدت فيها كثيراً من الأصحاب والأحباب من الأندلس، وأقبل عليً أمير المدينة عثمان داي رحمه الله تعالى، وقدمني على مائتي رجل من الأندلس وأعطاني خمسمائة سلطانية، ومائتي مكحلة (أي مائتا بارودة)، ومائتي سكيناً، وغير ذلك مما يحتاج إليه في سفر البحر).

 

بدأ الرياش جهاده في البحر الصغير (البحر المتوسط) ولكنه اضطر للعودة بعد أن أصيب بجرح بليغ جعله يشرف على الهلاك وبعد فترة شفى من جراحه وعاد لركوب البحر في زمن الحاكم الجديد الداي يوسف لمطاردة سفن ملك غرناطة فوقع في الاسر لمدة سبع سنوات، وجرت عملية مبادلة للأسرى بين داي تونس وملك غرناطة الإسباني، وعاد إلى تونس واستقر في مرفأ حلق الوادي (حصن في مدخل تونس من جهة البحر) إذ عينه الداي يوسف رئيسًا لمفرزة المدافع الرابضة.

 

مؤلفاته:

قام ابن غانم الرياش بتأليف كتابه عن المدافع بعد أن رأى جهل رجال المدفعية التونسيين المستقرين هناك، وعدم معرفتهم لأصول المهنة، وسماه (العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بآلات الحرب والمدافع)، وقد كتبه باللغة الإسبانية في العام «1042 هجرية الموافق 1632 ميلادية ترجمه إلى العربية أحمد الشهاب الحجري الأندلسي سنة (1044 هجرية الموافق 1634 ميلادية، وبذلك يكون أول كتاب باللغة العربية في علوم المدفعية.

 

ويصف أسباب تأليف الكتاب: (ولما رأيت الطائفة المسماة بالمدافعين المرتبَين لا معرفة لهم بالعمل وأنهم لا يعمَرون ولا يرمون بما يقتضيه العمل عزمت على تصنيف هذا الكتاب لأن كل مدفع لـه قيمة مال وتعب في إيجاده ثم يوكل على تسخيره والرمي به من يكسره ويفنيه في الرمية الأولى أو في الثانية والموكل عليه الذي يعمره ويرميه قريباً من الهلاك فحملني على تصنيفه النصح لـه ولمن وكله عليه. نسأل الله أن يقبل النية إنها أبلغ من العمل وأن ُييسر لي من يعربه بالعربية من الكلام الإشبانيول).

 

ويمكن القول إنه أول كتاب ظهر باللغة العربية عن العلوم المدفعية بشكل مستقل ومتكامل ويتضمن كثيراً من المصطلحات العلمية والفنية في مجال المدفعية وأورد أنواعاً عدة للمدافع خلال تصنيفها انطلاقاً من وزن عمارة البارود (الحشوة) التي تتطلبها بحسب حجم القذائف، ويحتوي 50 باباً في وصف البارود، والآلات الحربية القاذفة، وتركيب المدافع واختلافها، ووصف أدواتها، وطرق تعميرها، والرمي بها إلى غير ذلك، ويتخلل ذلك 51 رسماً توضيحياً لمختلف أجزاء المدفع، ووصل عدد أسماء وأنواع المدافع المختلفة التي تحدث عنها الكتاب إلى 32 نوعاً.

 

ويتضمن الكتاب توصيات وتذكيرات للمجاهدين بآلات الحرب البارودية، وما يحتاجه الإنسان ليتقن صنعه وعمله، ويتحدث عن آلات الحرب ونتيجتها والمقصود بها، وذكر اختلافها بعضها عن بعض، وطرق تعمير المدافع، وكيفية تبريد المدافع من كثرة الرمي بها من غير توقف، وكيفية حمل المدافع في البر، وعمل القناطر على الوديان. وجمع الكتاب الكثير من التجارب الحربية التي سبقته والتي أجراها ابن غانم الأندلسي بنفسه وتأكد من نجاحها،

 

ويحتوي الكتاب على عدد كبير من المصطلحات العلمية والتعابير الفنية في مجال العلوم المدفعية. وذكر ابن غانم الأندلسي في كتابه أنواعا عديدة للمدافع خلال تصنيفها انطلاقا من وزن عمارة البارود «الحشوة» التي تتطلبها بحسب حجم القذائف. و«القنيونات» ويسميها ابن غانم «مدافع التهديم»، لأنها تستخدم لرميات التدمير بشكل خاص، و«الحجاريات»، وهي مدافع قصيرة، فمها واسع، معدة لرمي الحجارة أو قذائف أخرى.

 

وفاته

توفي ابن غانم الرياش في تونس سنة 1048 هجرية الموافق لسنة 1640 رحمة الله تعالى ودفن بها، بعد ان ترك اول مرجع عربي في صناعة المدافع.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق