..........
التعامل مع الناس فن لا يتقنه إلا أصحاب البصائر وأولو الألباب ، وهذا الفن طريق شاق مليئ بالأشواك يحتاج إلي ذكاء اجتماعي لبناء الجسور وتشييد العلاقات ، وهناك أسباب تؤدي إلي إنهيار هذه الطرق ونسف تلك الجسور ومن أبرزها
1- كثرةُ العتاب على أتفه الأسباب، أو تضخيمُ بعض الأخطاء الصغيرة، فلا تجعل من الحبة قبة ، ومن القبة مزارا ،فهذا شيءٌ تكرهه النفسُ وتأنف منه، وينفِرُ منه الصديق، والقريب ، والعدو والحبيب ، والموفّق مَن فعل ما قاله الشاعر:
وكنتُ إذا الصديق نبا بأمري ** وأشرقني على حنَقٍ بريقي
غفرتُ ذنوبَه وكظمتُ غيظي ** مخافةَ أن أعيشَ بلا صديقِ
والعاقل من غضّ الطرفَ عن الزلّة، واحتمَلَ الخطأ، خاصةً إذا لم يتكرر، وإذا تكرر التمسَ الأسلوبَ الأمثل في التنبيه عليه، فإن مما يكدّر الصفوَ: الأسلوبُ الذي يعالج به الخطأ.
وحتى لا تخسر أصدقاءَك: فعليك إذا تبيّن لك الخطأ أن تعترف به، ولا تأنَف من ذلك، أو تظنّ أن الاعترافَ مما يقدح في شخصيتك، فالرجوع إلى الحق فضيلة، وهو خيرٌ من التمادي في الباطل واللجج فيه.
2- عدم التماس الأعذار
فللناس أعذارٌ قد لا يستطيعون إبداءها في كلّ حين ـ كما قال الإمام مالك رحمه الله (ماكل امرئ قادر علي إبداء عذره) ـ. ولقد التمس العذر سليمان عليه السلام للهدهد لما غاب.قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أعقل الناس اعذرهم للناس) وربما كنت انت الملوم
كم لائم للناس وهو ملوم
لعل له عذرا وانت تلوم
3- عدمُ الاهتمامِ بمشاعرهم
فالعلاقات بين الناس كالنباتات تزهر بالاهتمام والسؤال وتزبل وتموت بالإهمال والاهتمام بريد الحب والإهمال جواز المغادرة وليس من الصداقة في شيءٍ أن تمرّ على صديقك أو أخيك أوقريب لك أيامُ المصائب والأفراح وأنت بمنأنى عنه، وكأن الأمرَ لا يعنيك! فالصديقُ إذا لم يكن له بصمةٌ على مشاعر صديقه في أوقاتٍ كهذه فمتى؟
قال الشافعي
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً ولكن
عرفت بها عدوي من صديقي
واللمسات الحانية وقت الشدة لاتنسي أبدا وتفعل في القلب فعل السحر خاصةً المشاركة الوجدانية في الأفراح والأحزان والمناسبات والملمات والنكبات، ومما يدل علي ذلك أن إمرأة دخلت علي أمنا عائشة في حادث الإفك فبكت معها دون أن تتكلم بكلمة ،قالت أمنا عائشة رضي الله عنهما لن أنساها لها أبدا،ولقد قال علي رضي الله عنه كلمة يوم حادث الإفك أججت الصراع وأشعلت النار في صدر عائشة،قال:يارسول الله :(طلقها،النساء سواها كثير)
فلم تنس ابدا عائشة رضي الله عنهما ذلك لعلي رضي الله عنه وامتد الصراع بينهما إلي حرب الجمل وصفين
4_ قبول كلام الوشاة
يُذكرُ أن رجلاً جاء إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتُك خاطباً، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتُكَها وجعلت الصَّدَاقَ أن لا تَقبل فيّ مقالةَ قائل أو وشاية واش اونمام
ولو سلمت أذنك لكلام الناس لم يسلم لك الدهر صاحب أو صديق وليتنا نطبق القاعدة الذهبية (إسمع مني ولا تسمع عني)
ومن أرق ما قيل في هذا المعني قول الشاعر:
أتتك وشاية عني
تريث قبل أن ترمي
فواجهني ولا تصغي
لمن يتحدثوا باسمي
إذالم تستمع مني
فما ذنبي وما جرمي
لواش قائل باسمي
تعال إلي واسألني
انا المتحدث الرسمي
وبالجملة..فالعاقل مَنْ عضّ على أصدقائه بالنواجذ، خصوصاً من تقلّب الدهرُ به معهم على السراء والضراء، فوجدَهم زينةً في الرخاء، وعُدّة في البلاء، وأصهارَ الروح، فإن الصديق الصالح مِن مغانم الحياة الدنيا والآخرة، ألم تسمع قولَ أهل النار: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيم﴾[الشعراء: 100، 101]؟ ونفعُه ممتد في الدارين: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف: 67]،
فحافظ على الصديق ولو في وسط الحريق المحافظة علي الصديقِ صعبٌ عسير، وخسارته بطريقة مما ذكرت آنفا قال الشاعر:-
ومن لا يغمّض عينهُ عن صديقهِ
وعنْ بعضِ ما فيه يَمتْ وهوَ عاتِبُ
ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرَة
يجدهاولا يسلم له الدّهرَ صاحبُ
اترك تعليق