هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

قال الأستاذ  (الحلقة الثالثة)
(فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) كنت أردد الآية وعقلي يبحث بين حروفها عن إجابات لكثير من الأمور الخفية ...والعجيبة ...والتي تدعو إلى التخبط العقلي , لكن دون أن أجد جوابا شافيا  وطرقت مرجعي الكثيف  ..ومنبري الخصب أستاذي …

بقلم: صفاء القاضي 

وكان الإرهاق يبدو جليا في ملامحي وكأن التفكير قد أجهد العقل  وتجاوزه إلى الجسد دون أن يترك جزءا لم يعتريه  الغموض الذي دوما يتغلف به ذلك الموضوع ...السحر 

انتشر السحر في مجتمعاتنا بشكل مخيف وأصبح متاحا بل ورخيص الثمن , لم يعد فرعون بحاجة إلى أن يجزل الثمن للسحرة لكي يأتوا له بشتى ألوان وأنواع السحر العاتي الذي ينتصر به على موسى عليه السلام .

فلقد أصبح متاحا لا يحتاج إلى بذل الكثير من المال وأصبحت القلوب المريضه تلجأ إليه وتطرق أبوابه وتحت مظلة الجهل القاتل استشرى السحر بين الناس دعمته القلوب السوداء التي لا تتمنى الخير لأحد خاصة من نشأ وتربى في بيت وجد فيه الساحر وكأنه طبيب العائلة والمحامي الشرعي لها ضد أي اعتداء ويلجأون إليه عند كل مصاب .

كثرت النفوس السوداء والقلوب التي تشبه الحياة الكامنة في مكان القلب تنبض سما ..
وعندما سألني الأستاذ لماذا تبدين مهمومة ؟
أجبته وأنا بين التردد والخجل فقد اعتقدت أن هذا الموضوع لا يطرق في هذا المقام العلمي الراقي ..
فقلت على وجل : أستاذنا لقد عكف مجموعة من شباب بلدتي على القيام بمهمة تكاد تكون صعبة جدا بل وخطيرة ..لكنها تفرج عن الكثيريين 
هم ذهبوا إلى مقابر البلدة وعكفوا باجتهاد على تنظيفها من كل أعمال السحر والشعوذة الموجودة فيها والتي سخرت لإيذاء بعض الناس ولكن المحزن أنهم استخرجوا منها رقما كبيرا جدا من الأعمال والتمائم وأجساد القطط وجماجم الحيوانات وأعمال السحر الأسود .

سألني الأستاذ : لماذا يضعونها بداخل المقابر تحديدا وكيف يدخلونها ؟
قلت : أعتقد لأنها مكانا خاليا ومهجورا لا أعرف على وجه التحديد ربما كان طقسا من طقوس السحر لكنني أعتقد لأنه مكان مهجور يمتلئ بالأرواح وتظل الأعمال مكانها دون تحريك لأعوام طويلة يدخلونها عن طريق من يزورون المقابر غالبا من النساء أو بعض العاملين هناك .

أستاذي هل السحر حقيقة.. ؟
 إذن فلماذا ينكرها بعض الناس..؟ 
لقد قال لي أحدهم كيف تكونين مثقفة وتصدقين بالسحر...؟
 وقال آخر نحن متاخرون لذلك وجد لدينا السحر لكنه لا يوجد في البلاد المتقدمة..!!
 ماذا أقول لمن يقول لي هذا الكلام ..؟
وهل هو من حق  ..؟
وانا كمثقفة وقارئة  لكني تخبطت  الآن وأشعر أني لا أمسك بحدود الموضوع..
 أين أجد الجواب الشافي..؟
 قال الأستاذ  :  إن التخبط العقلي الذي أنت فيه هو شيء طبيعي وذلك لأن السحر هو عالم يكتنفه الغموض والخوف والأوامر والأسياد والبخور والتعاويذ والتمائم والظلام والهمس والمؤثرات الصوتية وهواجس حبيسة في النفس لا كلام ولا سلام ..

لا صحة لادعاء أن السحر هو حبيس العالم المتأخر أو الفقير .
حيث تتفق البشرية كل عام مليارات من الدولارات تكفي للقضاء على الفقر والجهل والمرض في العالم  على دنيا السحر والشعوذه 
والعجيب أن السحرة يرتزقون على ضحاياهم , وإن كانت لديهم قدرة فمن  باب أولى تسخيرها في توفير الرزق لأنفسهم , 
 هل يملكون دفع ضر أو جلب  خير والله هو النافع والضار وهو على كل شيء قدير..
إنه  ملف شائك  ويجب علينا فتحه الآن وإخضاعه للبحث والتنقيب .

إن معتقدات السحر هي من أقدم المعتقدات البشرية على الإطلاق ارتبط ذلك بعادات وطقوس يمارسها الإنسان لحماية نفسه من مخاوفه…
 ومن أوائل أدوات السحر هي التمائم التي اعتقد إنسان هذا العصر  أنها  تجلب الرزق وتمنحه القوة والذرية , وكذلك الطبول التي تصنع من جلود الحيوانات واعتقد أن طرقها يدفع عنه الشر,  وكذلك تثبيت التعويذة السحرية إناء من الفخار بعد طرقه بالنار فقد كان قديما يكتب على جرة الفخار بعض الكتابات والرموز الخاصة ثم تلقى على الأرض لكي تتحطم وبنفس الطريقة التي يريدون بها تحطيم أعدائهم .

  قلت للأستاذ  :  هل تتعجب يا أستاذ حين أخبرك أن هذه الأشياء التي تقول أنها قديمة مازالت إلى الآن تعيش بيننا وهل سوف تتعجب اذا أخبرتك أن كثير من النساء تلبس تلك التمائم في معصمها وتربط لبسها  بمواعيد خاصة لبزوغ القمر أو مغيبه
 أو  هلال الشهر وقدومه ورحيله ضحك الأستاذ ولم تبدو عليه علامات التعجب يبدو أنه قد امتلك  أدواته جيدا في ذلك الموضوع ,  فرغم غيابه عنا طويلا إلا أنه ظل مغرقا في مصريته المسيطرة على قلوب وعقول المصريين مهما عصفت بهم رياح الغربة  وأبعدتهم عنا ..

 قال لي :  الحديث عن السحر طويل ولكي لا يزيد عقلك تخبطا  سأقصه عليك بالتدريج ولنبدأ اليوم ببداية السحر ونشأته الأولى 

ربما كانت البداية الفعلية للسحر على يد ساحر من بلاد الفرس يدعى ( زوروستر ) وذلك قبل ظهور المسيح بحوالي خمسة آلاف سنة . فقد قام هذا الساحر بوضع أسس السحر و نظم و طرق ممارسته , و قد سار على هديه أمما كثيرة مثل الكنعانيين و الهنود و المصريين و غيرهم وكان لكل منهم معتقدات في القوة السحرية , فمنهم من يستعين بالقطط و الكلاب أو الطيور , ومنهم من يستعين بوسائل أخرى أشد غرابة وأكثر عجبا .

أما العصر الذهبي للسحر فقد كان في زمن موسى عليه السلام حيث انتشر السحر انتشارا كبيرا و تنوعت طرقه وأساليبه وكان عدد السحرة يقدر بالآلاف , وقد برع هؤلاء السحرة في سحرهم إلى حد كبير وكانوا من أهم أعوان فرعون في حكمه و التخلص من خصومه , ولذلك فقد كانت معجزة موسى عليه السلام هي أيضا في السحر ولكنه كان سحرا أقوى و أشد من جميع السحرة . . . حيث كان يفوق المعجزات وقد أيده الله تعالى ونصره عليهم جميعا . . . فقد جاء موسى إلى فرعون مصر وخاطبه قائلا : ( اني رسول من رب العالمين ) فقال له فرعون : كذبت , فقال موسى : ( جدير بي و حق علي أن أخبر عن الله إلا بما هو حق و صدق , وقد آتيتكم بحجة قاطعة من الله وهي دليل على صدقي فادع بني إسرائيل ليرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم ) فقال فرعون : لست بمصدقك و لن أطيعك فيما تطلب فعليك إظهار محبتك و إثبات نبوتك إن كنت صادقا في ادعائك . . فألقى موسى عصاه فتحولت إلى ثعبان ضخم للغاية أخذ يزحف نحو فرعون و قد فغر فاهه الكبير لألتهامه . فحدث هرج و مرج شديد و هرب فرعون و تبعه قومه و مات منهم عددا كبيرا , و اعتصم فرعون بقصره و صاح : يا موسى خذه و أنا أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل . . فأخذه موسى فعاد عصا كما كان في السابق و بعد إن هدأ فرعون و استقرت نفسه قال له سادة قومه إن هذا عالم بالسحر ماهر فيه وقد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه حتى خيل إليهم أن العصا حية .
و هنا خشي فرعون و حاشيته أن يستميل موسى الناس بسحره فيكون ذلك سببا في انهيار ملكه و إخراجه وقومه من أرضهم .. ولما تشـاوروا في شأنه استقر رأيهم في النهاية على احضار أمهر السحرة ليلاقوا موسى فقد كانوا يعتقدون أن السحرة أمهر من موسى في السحر و أنهم سوف يغلبونه , ووعدهم فرعون بالأجر العظيم و المنزلة الرفيعة إن انتصروا على موسى , و كانوا عددا كبيرا من السحرة المهرة حتى يقال أنهم كانوا ثمانين ألفا و قيل سبعين ألفا و قيل بضعة و ثلاثون ألفا وفي سورة طه قال الله تعالى على لسان فرعون و قومه : ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله , فاجعل بيننا و بينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) وقبل موسى التحدي وحدد لهم يوم الزينة ( وهو أحد أعيادهم ) كموعدا للقائهم
وعندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم سحروا أعين الناس وكأن هذه الحبال و العصي قد تحولت إلى حيات كثيرة تملأ الأرض بشكل مفزع مما سبب الخوف و الرعب للناس ومنهم موسى عليه السلام قال تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى , لا تخف انك أنت الأعلى , وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الساحر حيث أتى )( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ) فقد تحولت عصا موسى مرة أخرى إلى ثعبان هائل أخذ يلتهم كل الثعابين و الحيات التي كانت تملأ الوادي حتى لم تبق على شيء منها إلا ابتلعته وذلك تحت سمع و بصر الجموع المحتشدة من الناس ووسط ذهول السحرة بفضل الله سبحانه و تعالى . . . عندها علم السحرة أن الذي أتى به موسى ليس سحرا مثل سحرهم إنما هو القوة الإلهية فخروا لله ساجدين و آمنوا برب العالمين .

أنهى الأستاذ حديثه هنا بعد أن وعدني باستكماله قريبا قائلا :  هل سمعتي عن لعنة الفراعنة  ؟
قلت : بالتأكيد سمعت وقرأت 
فقال : في الحلقة القادمة سوف نبدأ الحديث معا عن السحر ولعنة الفراعنة .

قلت للأستاذ :  وبرغم أن جو الحديث ملغما لكنني في الانتظار لننهي ملف الحديث عن السحر واضعين أيدينا تماما على تلك ( الفزورة ) التي سوف نجد أخيرا حلا لها عند الأستاذ الدكتور محمد حسن كامل .





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق