هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الأديب مدحت شنن يكتب رؤيه عن فيلم "جريمة الإيموبيليا" دعوة للحفاظ على الأسرة
يطل علينا المخرج خالد الحجر, برسالة جديدة – عهدناها في كل عمل يقدمه للجمهور – من خلال فيلمه البديع, الذي كتبه وأخرجه "جريمة الإيموبيليا", ليكون بمثابة دعوة مُلحة للحفاظ على الأسرة, ذلك الكيان الذي تآكل في واقعنا المعاصر.

الفيلم ينتمي إلى نوعية أفلام الجريمة المدفوعة بالمرض النفسي, باعتبار أحداثه تُمثل نسيجاً ما بين البوليسي والسيكودرامى.


تدور أحداث الفيلم داخل عمارة الإيموبيليا, إحدى أشهر عمارات وسط البلد بالقاهرة, والتي سكنها عمالقة الفن والأدب طوال عقود مضت.

 

حيث يعيش الروائي كمال حلمي, وحيدا في شقته بعد أن توفيت زوجته (انتحرت بسبب انشغاله عنها بالشهرة والمجد), وهجرة أطفاله إلى كندا للعيش مع جدهم وجدتهم لوالدتهم. وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي يتعرف البطل على فتاة تدعي سماح, يدعوها لقضاء ليلة معه لتؤنس وحدته, فتحضر وتُعبر له عن حُبها ومتابعتها لكل أعماله, ثم تحدث لها حادثة غريبة حيث تسقط في الحمام فتموت, فيجد نفسه في ورطة غير متوقعه يستعين بعدها بجاره وصديقه صاحب دار النشر (حبيب), الذي يقرر نقل الجثة خارج الشقة بمساعدة البواب, وبالفعل وبعد اغراء البواب بالمال يتمكنوا من نقل الجثة ورميها في المقابر. وتتوالى الأحداث وتطفو على السطح عدة جرائم قتل غامضة بداية من قتل البواب حتى قتل حبيب, حتي تنكشف الحقيقة مع المشهد الأخير للفيلم.


المُلفت للنظر, ذلك الأداء المُبهر للفنان هاني عادل في دور كمال حلمي, حيث جسد شخصية المريض النفسي على نحو مبتكر وجذاب, واستطاع أن يُقنع المشاهد بحالة الوسواس والتشتت التي يعيشها بين محاولة كسر العزلة التي يعيشها وبين تقوقعه داخل ذاته, ومخاوفه وهلاوسه التي ظهرت من حين لآخر حين كان يحدث نفسه, كما نجحت الفنانة ناهد السباعي في دور سماح, ورغم قصر دورها الذي لم يتجاوز خمس مشاهد, إلا أنها استطاعت بأدائها القوي أن تفرض نفسها كبطلة للفيلم ظلت شاخصة أمام المشاهدين حتى آخر مشهد, كما نجح الفنان  طارق عبدالعزيز  في دور حبيب بأسلوبه البسيط الذي أدخل المشاهد في حالة من الشك حول تورطه في جرائم القتل المتوالية مع تصاعد الأحداث. غير أن العامل المشترك لروعة الأداء, كان كتابة خالد الحجر للشخصيات بحرفية واتقان بصورة جعلتها تتمدد تدريجيا مع تصاعد الأحداث, فكان البناء الدرامي مُتقنا في التصاعد التدريجي, وظهر البناء المتوازي في العمل لاسيما بين المرض النفسي الذي صار يتضح تدريجيا عند بطل الفيلم وبين البناء البوليسي المتدرج بدوره, وصولاً للعقدة الدرامية, ليكشف عن حقيقة بطل ملتحف بالعذاب, ينزف من الداخل ويعاني افتقاد الأسرة, والوحدة التي أسلمته لمرض الشيزوفرينيا, الذي دفعه لارتكاب كل جرائم القتل في سلسلة من المفاجآت المتتالية.


ومن هنا وإن كانت الفكرة غريبة, لكنها واقعية خاصة في محورها الذي يدور حول الوحدة, باعتبارها سبباً مباشراً قد يودي بالإنسان إلى مكان بعيد عن توقعه, خصوصا حينما يتم اختراق تلك الوحدة بعوامل خارجية, كوسائل التواصل الاجتماعي, حينها تكون النتائج كارثية. وأمام خطورة هذه الحالة يقدم لنا الحجر, حلاً مباشراً للهروب من الوحدة ببناء الأسرة والحفاظ عليها.


وهكذا تظل الرسالة شاخصة في فن خالد الحجر, لإيمانه أن الإبداع مسئولية في زمن طغى فيه المسخ, فيقدم لنا في هذا الفيلم, دعوة مُلحة للحفاظ على الأسرة باعتبارها الملاذ الآمن للإنسان, يفئ إليها من قيظ العيش فيجد الظل والراحة والأمان, لاسيما في ظل عالم بلا قلب, صارت فيه المسافات بين قلوب البشر لا تضمها مجرة, وأصبحت أكبر من المسافات بين الكواكب, ومن ثم يقدر خالد الحجر دور هذا الكيان في حماية الإنسان من الوساوس والخطايا, باعتباره حصناً منيعا للتغلب على إشكاليات الحياة, وكأنه يقدم رسالة لكل من يهمه الأمر فحواها.


"قل ما شئت عن الشهرة وعن اقتحام المخاطر وتخطي الصعاب, فمهما بلغ الإنسان من مجد ورفعة فإن كل أمجاد العالم, وأحداثه الخارقة للطبيعة لا تُعادل دقيقة من السعادة العائلية".





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق