هي رواية وجودية فلسفية وكذلك رواية سيكولوجية، أبطالها بلقيس، يوسف، وليد، غسان.. أربع شخصيات، أربعة وجوه، أربعة أسئلة عن المعنى، وأربعة إسقاطات تحاول مواجهة معضلة الوجود في 311 صفحة من الحجم الوسط.
لكل شخصية من شخصيات "متسولو الخلود" سؤال وجودي ما، إشكالية نفسية وماض لا يمكن الهروب منه.. يحاول الشاعر يوسف، الراوي، الوصول إلى تسوية ما، ما بين وجوده العادي ورغبته الحارقة في اللاعادية، بينما يجد المقاتل، وليد العبدالله، نفسه في مأزق ذهنه النقي وواقعه القبيح، رغبته الدائمة بالهرب من المعركة، بانتهاء الحرب، والجلوس في مكان هادئ، أن يتزوج ويكون عاديا بينما أولاده يحيطونه، بعيدا من الحرب الدائمة والمعارك المتتالية، ولا يستطيع.
وليس بعيدا من يوسف، تجِد بلقيس نفسها ترتكب الجرائم العاطفية المتتالية، مدفوعة بشعور دائم بالقلق، بالملل، بالرغبة في وجود عادي من نوع خاص، لا يتخلى عن المكون الثقافي، ولكن لا يجد فيه سببا خالصا للعيش.
تختفي بلقيس من حياة يوسف في لحظة، وتهرب منه إلى غسان، المعالج النفسي والناجي من مجزرة صبرا وشاتيلا، والذي يحاول جاهدا العيش وفق صيغة نفسية معقدة، تمكنه من الاحتفاظ بتوازن نفسه وتبعد أشباح مجزرة صبرا وشاتيلا عن ذهنه وعن واقعه اليومي، ولكنهما، بلقيس وغسان، يصطدمان ببعضهما، بالعاطفة، وبماضيهما، يوسف ووليد والمجزرة، يحضر بشكل دائم في الحاضر ولا يترك لهما أي قدرة على البدء من جديد.
"الماضي لا ينتهي أبدا"، كذلك، السؤال الوجودي، الفلسفي والنفسي، لا يكف عن الحضور أبدا.. ورغم حضور الانتفاضة الثانية كإحدى أهم ثيمات المكان والزمان في الرواية؛ إلا أن العمل الروائي يكمن في الإنسان وحول الإنسان نفسه.. تحضر الانتفاضة كحدث، يؤثر، يخلق انعطافات استثنائية في حيوات الشخصيات، ويحضر المكان وإشكالياته التاريخية التي لا تزال امتداداتها في الحاضر قائمة، أيضا، كمكون نفسي مهم في بناء الشخصيات.
إلا أن الشخصيات، رغم المكان، وإشكاليات الزمان، تظل في مشدودة إلى واقع متخيل، تحاول خلقه عبر ذواتها الداخلية، كعالم مواز يحضر على هيئة تخيلات، كلمات، شهوات جنسية غير منضبطة وتشوهات نفسية غير مفهومة.
في إطار ما سبق؛ يمكن القول إن رواية "متسولو الخلود" رواية فلسفيّة بطريقة نظر ما، إذ إن السؤال الوجودي، الشعور بثقل الكينونة، محاولة إيجاد صيغة فلسفية للعيش بشكل ما ومسألة الخلود أو اللاخلود، تشكل بمجملها العناصر الفلسفية للرواية.
وبطريقة نظر أخرى، يمكن اعتبارها رواية سيكولوجية تستخدم التحليل النفسي أو التشريح النفسي للشخصيات عن كثب وبشكل دائم، كأنما الروائي ليس إلا مراق لسلوكيات الشخصيات ودوافعها النفسية التي لا تظهر دائما بشكل واضح.
اترك تعليق