تلك المشاعر الغير منطقية واللاعقلانية تأتي بسبب حالة نفسية وهمية ،تصور للضحية أن الجاني لم يسئ إليها بدافع الشفقة والرحمة . الآن دعونا نتحرر من محاضرة علم النفس ومتلازمة ستوكهولم ،ونسأل أنفسنا ،هل نحن ،كمصريين، أصبحنا ننجرف وراء مشاعر وهمية ونحدد طريقنا ومستقبلنا بناء علي القيل والقال ؟!! أصدقكم القول ،علي الرغم من مهنتي التي تحتم علي متابعة أخبار مصر ،وما يدور فيها ؛لكنني و بكل استهتار أتجاهل ما يحدث في بلدي وأصب جل تركيزي علي الشئون الخارجية و صراع الغرب مع الشرق ،والشيء الوحيد الذي يدفعني إلي متابعة ما يحدث في مصر هو الراديو ،إذا صادفته يوماً ما وسمعت علي معظم محطاته أغاني وطنية ،وقتها فقط أعرف أن مصر تعاني من أزمة شديدة ،فأهرع إلي القنوات المصرية أو أسأل والدتي ،الخبيرة في الشئون الداخلية ،والدتي أشبه برأفت الهجان في وطنيته ، أحياناً أشعر أنها رئيس تحرير أحدي الجرائد العتيقة من فرط المعلومات التي تملكها ،في أي وقت هي جاهزة للرد علي أي سؤال ،هو الرئيس فين يا ماما ؟!! الرئيس مسافر في نيويورك و من المحتمل يلتقي بترامب في جلسة ثنائية . و في وقت لاحق أسألها :" هي مستشفي المطرية فعلا كان فيها جريمة قتل ؟!! ترد بجدية محملة بصدمة أني صحفية فاشلة لا أرتقي لتوقعاتها :"يا بنتي أنتي مش عايشه في الدنيا ،دا في دكتورة ذبحوها ،دا غير الدكتورة اللي ماتت بفعل فاعل والمستشفي مكتمة علي الحادثتين ،وفي سوق الخميس أتنين قتلوا بعض وطفل أتخطف وطفلة أتسرق منها الحلق وكان معاها مامتها وجدتها" . بعد معرفتي بأخبار الحوادث من أمي ،وخط سير الرئيس ،سألتها ما خطب هذا السيل العرم من الأغاني الوطنية ؟!! .
"إذا كنت تخشي الإجابة فلا تجرؤ علي السؤال "،هذه الجملة من ضمن الجمل التي أقدرها في الحياة ،وبالرغم من ذلك يوقعني فضولي مرارا وتكرارا في نفس الفخ ،أجابتني بغضب من هؤلاء الذين يشوهون الإنجازات ويتحدثون عن جيشنا ،و الهاشتاج الذي يدعو لثورة أخري وهكذا ..الخ ،في تلك اللحظة تذكرت كتاب فن الحرب ،الكتاب ملئ باستراتيجيات عديدة أهمها ألا تخوض حرب طالما في الإمكان أن تحل الأمور بطرق أخري ،لأن الحرب ستستنزف خيرات الشعوب و ستترك ورائها ضحايا من الجانبين و ستقضي علي الأخضر واليابس ،الشعب المصري لا يدرك حتى الآن أن اللعبة الكبرى لم تبدأ بعد ،وأن كل البلاد تعاني بشكل أو بأخر سواء من الفقر و المرض أو الاقتصاد المترنح ، أو الاحتلال والقهر أو من الرفاهية المفرطة ،لا أهدف هنا لمقارنة مصر بسوريا أو فلسطين أو حتى السويد ،كل ما أصبو إليه هو "المسئولية" ،لم أعتاد أن أنظر للأمور بنظرية سطحية ،تعودت دائما أن أبحث فيما وراء السطور ،لم ولن أدافع عن شخص بعينه أو حزب أو جماعة ،ما يعنيني حقاً هي الصورة الشاملة ،المصلحة العليا ،لا أحد يقرأ الغيب ؛لكن دعونا نضع الأمور في نصابها ماذا لو تركنا الأمور تنفلت من بين أيدينا ؟!! هل هناك أحد يضمن أن لا يتدخل في شئوننا دول أخري بحجة الحفاظ علي النظام أو كــ "قوات حفظ سلام"؟!! فرق تسد هي سياسة الاستعمار منذ الأزل ؛لذلك إذا أردنا حقاً القيام بأي خطوة من شأنها الإضرار باقتصادنا وبمجتمعنا وبأمننا القومي ،علينا أولا أن نأخذ حذرنا ونستعد بخطة بديلة لمواجهة هؤلاء الذين ينتظرون بفارغ الصبر للانقضاض علي فريستهم .
عزيزي القارئ ليس بالضرورة أن نصدق كل ما نسمعه أو حتى نراه ،في أغلب الأحيان الصورة قد تبدو أقبح بكثير خلف الكواليس ، يوم السبت الماضي صرخت أمي بشدة في الشرفة ،وسمعنا شيء يسقط وكأن منزل ينهار ،وإذا به رجلا في منتصف الأربعينات قد سقط من شرفته في العمارة المجاورة لمنزلنا علي حديد مستوي للعمارة الجديدة التي ستبني بجوارها ،في أول وهلة، و طبيعي كباقي البشر تعاطفنا معه بشدة وبكينا بعد أن خرجت قلوبنا من صدورنا ؛لكن أحد الجيران أخبرنا أنه كان يضرب زوجته ضربا مبرحا بشكل يومي ،ولم يبدي هذا الجار أي شعور بالأسف أو الشفقة عليه ،ربما نحن كشعب عاطفي لا نصدق سوي ما نراه أو نسمعه ،لدرجة أننا قد نتعاطف مع أي شخص أو أي فئة حتى إذا أساءوا إلينا أو يضمرون لنا العذاب مستقبلاً ،ربما علينا أن نقف لحظات مع أنفسنا لنكتشف هل يجب علينا أن نتلقى العلاج أم نترك أنفسنا ضحية لمن يستفيدون من مرضنا بمتلازمة ستوكهولم.
بقلم - هبه مرجان:
اترك تعليق