أمل منصور حدوتة مصرية من طراز واحاتى أصيل ، فمنذ نشأتها كطفلة داخل مجتمع ريفى بسيط ظهرت على ملامح وجهها الصغير علامات النبوغ الفكرى والابداع الخاص.
فجاءت إلى الدنيا لتحمل رسالة فن عتيق كان قد اندثر منذ آلاف السنين لأعظم الحضارات المصرية القديمة رقيا وتقدما فى جميع المجالات ذلك الوقت.
فهى ابنة الصحراء الغربية لأكثر المناطق وعورة وطبيعة خلابة، هناك نشأت وترعرعرت بين طلاسم الجبال وملامح الوديان وأشعة الشمس الصافية وسخونة الرمال .
أمل منصور حكاية عشق حقيقية بدأت كفنانة تشكيلية وانتهت بحفر إسمها فى سجل التاريخ المعاصر بين عمالقة الفن التمثيلي فى مصر والعالم العربي من رواد النحت على الصخور والأحجار الصلبة، لتأخذ مكانتها وتعتلى بمفردها قمة الهرم الإبداعى بأسلوبها الخاص وصناعتها الفريدة المنبعثة من قلب الصحراء الغربية فى مجال النحت على الأحجار الرملية بمحافظة الوادى الجديد.
بين أحضان الطبيعة وجدت نفسها فوق صخرة دهريّة تتقابل مع أشعة الشمس المتحررة لتعكس بريقا كالذهب ولمعانا كالكريستال المنقي ينبعث من تلآلأ حبات الرمال الصفراء وهى تتساقط تحت قدميها تناجيها وتقاسمها امانيها وهمومها المتزاحمة بين ثنايا عقلها المتطلع الى جمال ماحولها من طبيعة ساحرة تحيط بها الجبال والمرتفعات والكثبان الرملية فلا صوت يعلو ولا حياة تنبض سوى صوت الرياح وتتدفق أشعة الشمس فوق عرين تلك الصحراء.
فكانت تتحدّى صلف الزّمان في هذا المكان, ليحملها الحبّ الفنّيّ والعشق التّشكيليّ, إلى أبعد من حدود الإمتدادات, لتستشعر هوى النّحت الخلقيّ, على صهوة الخيال المتّسع إلى حيث الحجر الرملى والصخرة الصماء التى تجلس عليها ككينونة تُجسّد الإرتباط الإيمانيّ, والتأمل فى مخلوقات الله وعجائب صنعه .
ومن هنا بدأت تتولد لديها غريزة البقاء من أجل التمتع بمشاهدة هذا الجمال فى صورته الحقيقية، فكانت تجلس لساعات طويلة فوق صخرتها لتشبع ما بداخلها من شغف وتأمل لما تحب وتسمع وترى بعينيها .
لم تكن لتشعر يوما بالوحدة وخاصة عندما تمسك بقطع الأحجار الرملية فتراها رؤوسا تتحدث إليها دون لسانا أو شفتين متحركتين ، لتستلهم فؤادها وتروى لها قصة هذا المكان بما يحمل من اسرار وعجائب لا يعرفها سوى هذه الصخور المتحجرة والرمال الناعمة.
ومن هنا بدأت أمل منصور ترى الحياة بمنظور آخر ورؤية مغايرة لما يدور حولها من أحداث ومتغيرات، لتبدأ رحلتها الفنية بالبحث فى باطن الصحراء عما يجول بخاطرها وتشتهى من أحجار رملية بألوان زاهية ومتداخلة لتشكل من خلالها لوحة فنية تعكس تراث مجتمعها الواحاتى من أشخاص وشخصيات وبعض الحيوانات الاكثر قربا لمحيطها الثقافى وحياتها البسيطة.
النحت على الأحجار الرملية كان بمثابة طوفان من الافكار اليومية تطرق أبواب فؤادها وطموحها لتداعب اناملها وتسمو بلمساتها الفنية التجريدية على طريقة عظماء الفن التشكيلى على مر العصور.
وبمرور الوقت وبعد أن التحقق منصور بجامعة حلوان لدراسة النحت الميدانى والفراغى بقسم الفنون الجميلة وتحديدا عند حصولها على البكالوريوس عام ٩٣ تخللت تلك الفترة مابين الدراسة والتخرج ظهور نجم جديد فى سماء الفن التشكيلي من ذوات الطابع الخاص والمجال العائد من بوابة الزمن القديم والماضى المنصرف.
خطفت بأعمالها الاضواء ولفتت أنظار من حولها من أساتذة التخصص أمثال الدكتور الفنان عبدالهادى الوشاحى والدكتور أحمد جاد والدكتور فاروق ابراهيم وجميعهم من رواد النحت على الصخور فى مصر والعالم العربي يشجعونها ويدعمون صناعتها ويتابعون أعمالها إلى أن تخرجت على أيديهم وقد نالت شهادة ميلاد أول طالبة تبتكر فن جديد لم يسبقها إليها أحد حتى الآن.
وحظيت فنانة الواحة بالمشاركة الفعالة ضمن العديد من المعارض الدولية والمحلية لتزاحم كبار الفنانين على جذب إهتمام الحضور لما تميزت معروضاتها وقطع التحف الخاصة بها من ملامح ذات أيقونة خاصة تأثرت من خلالها بطابع المرأة الواحية وتراث البيئة المحيطة بمجتمعها البسيط.
فكانت نقطة التحول فى مسيرتها الفنية عندما انهالت عليها الدعوات للحضور بمنتجاتها وعرضها للوافدين من المهتمين ورواد الفن التشكيلي فى مصر.
فشاركت بمعرض Ahc للفنون اليدوية بأرض المعارض ، ويوم التراث العالمى بشارع المعز ، بالإضافة إلى مهرجان الطبول والفنون التراثية بالقلعة ومهرجان بصمات الفنانين التشكيليين العرب ١٣ بقاعة الأهرام للفنون وايضا معرض كرافيت إجيبت بأرض المعارض والذى أقيم برعاية وزارة الصناعة والتجارة والمجلس التصديري ، إلى جانب تواجدها الدائم بمعارض محافظتها السنوية بالعيد القومى ومهرجان التمور الدولة كواجهة مشرفة لفنانة هذا الجيل من أبناء الوادى الجديد.
تقول أمل محمد منصور ٤٩ موجه أول التربية الفنية بإدارة الداخلة التعليمية بمحافظة الوادى الجديد فى تصريح خاص لبوابة الجمهورية أون لاين، اشعر بالفخر والاعتزاز لكونى انتمى إلى هذا المكان الهادئ والجميل بما يحوى من كنوز وثروات فى باطن صحرائه وعقول أبنائه بواحة الداخلة بمحافظة الوادى الجديد، مشيرة إلى أن ذلك ساعدها كثيرا على اكتشاف نفسها من خلال الطبيعة والبيئة المحيطة بها بما تحمل من طابع خاص ومنحة إلهية جعلتها فى مقدمة البلدان الأكثر جمالاً وخصوصية.
واضافت منصور أن مسيرتها الفنية بدأت كملحمة تنافسية بين أحضان الطبيعة حيث وجدت ضالتها هناك من صخور واحجار رملية متعددة الألوان والأشكال والكتل المختلفة.
وكان زوجها الطبيب أول من قدم إليها الدعم والمشورة فيما يتعلق باختياراتها لأصناف القطع الصخرية من منظور خاص يعتمد على رؤيته بالعين المجردة وكناقد يري مالا تراها عينيها قبل شروعها فى النحت وتشكيل المجسمات.
واكدت بأن زوجها كان يفضل الذهاب معها أثناء فترات راحته بعد عناء يوم شاق كطبيب ليجوب معها الصحراء لساعات طويلة قد تمتد لأكثر من ١٠ ساعات فى مناطق بعيدة ونائية بحثا عما يناسبها من أحجار لا تتوافر إلا فى أماكن معينة بعيدا عن المناطق العمرانية والزراعات.
وتابعت بأن المهمة لم تكن سهلة بالمرة ولكن عزيمتها وحرص زوجها كانا بمثابة الدافع والأمل لتحقيق ما تسعى إليه من مشروع فنان لم يبسبقها إليه أحد سوى قدماء المصريين ، فكانت منتجاتها أقرب إلى بيئتها الواحية من منظور خاص كانت ترى من خلاله المرأة الواحية بكامل زينتها وقوة تحملها لظروف الحياه المعيشية الصعبة منذ نعومة اظافرها وحتى الشيخوخة بجانب زوجها المزارع وطفلها المدلل وطقوسها الخاصة من ملابس محتشمة وملامح الطيبة الواضحة على وجهها البشوش وسط تجاعيد الحياة وخطوط الهرم.
وأشارت إلى أن المهارة تتولد في أيدي فنان هذا النوع من الفن، لتستمد قوتها من روحه الإبداعية المميزة، لتكون النتيجة في النهاية لوحات وتصميمات حجرية، المتابع لها يشعر وكأن هذا الفنان قد طبع عليها روحه ، رغم أنها لا تحمل توقيعه، وفي البداية يقطع الفنان الحجر ويتأمل في ألوانه، قبل ان يتخذ قرارا حول ما يمكن نحته من هذا الحجر، ليكون هناك انسجام بين الزخارف الطبيعية وشكل التمثال.
وعن أدوات النحت على الحجر تقول امل أنها بسيطة جداً ولاسيما إذا وجدت المادة الأولية وهي الحجارة الصالحة للنحت، إضافة إلى الحس الفني الإبداعي لدى النحات وهي الأزميل والمطرقة، وقلم للرسم، ومبرد خاص، حيث يتم النحت بعد الرسم على الحجر بواسطة هذه الأدوات ، لتأتي بعدها مرحلة تحديد ملامح الوجه ثم السنفرة لهذا العمل لخروجه في شكله النهائي، وأن أهم مايميز تصميماتها عن باق التصاميم هو أنها لا تستخدم ألوان نهائياُ حيث أنها تعتمد على لون الحجر الرملي الطبيعي، لأنه يعطي الظل والنور الذي تحتاجه ، أما عن الصعوبات التي تواجهها فتتمثل في وجود بعض المواد مثل " الزلط" التي تظهر فجأة أثناء العمل بالقطعة، ولكنها تتوخي الحذر حتى لا تفقد القطعة معالمها، وعن الاسعار فتتراوح من 100 جنيه إلى 600 جنيه.
ولفتت إلى أن الفضل ينسب لله ولزوجها واساتذتها الكبار أمثال الدكتور أسامة الغزالى مدير مؤسسة كنوز يدوية ، والدكتور إنتصار عبدالفتاح مخرج ومؤسس مهرجان سماع الدولى واللواء محمد الزملوط محافظ الوادى الجديد أحد مشجعى الفن التراثى وداعمى المشروعات الشبابية متابعة لأعمال الفنانيين على أرض المحافظة.
وناشدت منصور الجهات المختصة ورئيس مركز الداخلة بضرورة توفير قسم خاص لفنانى التراث باختلاف أنواعه من خلال تخصيص منفذ دائم وثابت لعرض المنتجات والتحف الفنية بمدخل المركز ليكون بمثابة واجهة مشرفة لجميع الزائرين والزوار من الشخصيات الهامة والسائحين لتعريفهم بتاريخ المجتمع الواحاتى من تراث وشخوص وأعمال تجسد قيمة ومكانة هذا البلد الجميل.
والجدير بالذكر أن الشخصية المصرية هي من شيدت تلك الحضارة مستغلة كل الإمكانات الطبيعية التي توافرت لها علي أرض مصر. وإذا كان الكثيرون قد كتبوا عن نهر النيل وفضله علي حضارة مصر القديمة, فإن القليل من العلماء والباحثين هو من ذكر فضل الحجر الذي توافر للمصري القديم واستغله في تشييد حضارته.
حيث ينسب الفضل إلى الفنان المصري القديم الذى احتفظ بجميع مقومات العمل الفني الممتاز من تكوين متماسك إلى العلاقات في الخطوط والكتل والمساحات لينجح فى إبراز معاني الرقة والجمال والنعومة مع جلال الشخصية وسموها من خلال الحجر الرملى وكافة أنواع الصخور.
حيث لم يكن الحجر مجرد مادة بناء تتميز بالبقاء فقط، بل كان أيضا يرتبط بالأساطير الدينية والفكر العقائدي عند قدماء المصريين وكان لكل حجر رمزية خاصة, فالحجر الرملي الأحمر هو حجر عقيدة الشمس ورمز إله الشمس, ولذلك نجد أن معظم تماثيل الملك جدف رع قد نحتت من هذا الحجر , وعلي الرغم من العثور عليها محطمة بشكل يشير إلي عملية انتقام ـ ربما مقصودة أو غير مقصودة ـ فلا تزال هناك رؤوس التماثيل وأجزاء منها التي تعتبر أحد آيات الفن المصري القديم.
اترك تعليق