الإنسانية هي كلمة مشتقة من اسم "الإنسان" وهي صفة تطلق علي الكائن البشري العاقل ،القادر علي التفرقة بين الصواب والخطأ ؛لكن بطبيعة الحال ومع مرور الزمن ،ومع التغير الذي يطرأ علي الإنسان
بقلم - هبه مرجان:
الإنسانية هي كلمة مشتقة من اسم "الإنسان" وهي صفة تطلق علي الكائن البشري العاقل ،القادر علي التفرقة بين الصواب والخطأ ؛لكن بطبيعة الحال ومع مرور الزمن ،ومع التغير الذي يطرأ علي الإنسان تدريجيا بفعل الظروف والمواقف و تعاملاته مع الآخرين ،وتغيراته الفسيولوجية والسيكولوجية ..الخ .
يتحول الإنسان من كائن إنساني إلي آلة مبرمجة ،تتصرف في كل المواقف وفقاً لما تعلمته في سنوات نشأتها ،وبالتالي تعاملها بالفطرة مع أي موقف إنساني يعد ضرباً من المستحيل ،وبالرغم من استحداث علوم كثيرة تتحدث عن الإنسان والتي بدأت من علم النفس وفروعه وصولاً إلي الأنثروبولوجي ،إلا أن البشر يجهلون تماما احتياجهم لدراسة علوم تعيد إليهم إنسانيتهم التي فقدوها بفعل عوامل التصحر الأخلاقي ،في السطور القادمة دعونا نتحدث عن الإنسانية في القرن الواحد والعشرين ،وفي الختام سنكتشف من هم أصحاب الإنسانية الحقيقية .
الإنسانية المفرطة : بالأمس سمعت مقولة "إذا قلقت بشأن من سيتأذي ،إذاً ستتأذي أنتي في النهاية ..لذلك أبقي أنانية قليلاً في هذه الحياة " ، لم ألقي بالاً لتلك المقولة إلا بعد سماعي تلك القصة ، في احدي القرى المصرية كانت هناك أسرة تتكون من ثلاثة أبناء وأب وأم وكان الابن الأكبر هو سند لأبويه وأخته وأخيه ،كحال معظم الأسر ، في أحد الأيام أصيب الابن الأكبر في حادث سير ،ولم يخبر أحدا من أسرته خوفاً من أن يقلقوا ،ولم يعلم أحداً بتلك الحادثة سوي صديقه المقرب ؛لكن في فترة وجوده في المستشفي حدثت أمور مخيفة في المنزل ،والده طرد أخيه من البيت ،وأخته تم إنقاذها من الخطف في أخر لحظة ،الابن الأكبر توقع أن اتصالات أخيه و أخته نابعة من قلقهم عليه ،وبالتالي لم يجب علي مكالمتهم ،ولهذا فقد أمسي هذا الأخ "المراعي" ،في وجهة نظر أخوته ،"الأخ الأناني ،الذي لم يساندهم في محنتهم ،وتجاهلهم" ،في حين أن نيته كانت عدم ترويعهم ،لم يخطر في باله أن معرفتهم بالحادثة كانت ستنجيه من سوء الفهم والخلاف الذي نشب بينهم . في كثير من الأحيان الإنسانية المفرطة قد تؤذي صاحبها "الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده " .
الإنسانية المقنعة : في هذا النوع من الإنسانية يرتدي صاحبها قناع المال للتعبير عن إنسانيته ،وينقسم هذا النوع لفئتين ،الفئة الأولي غرضها كسب تعاطف الجماهير ،وتحقيق مكاسب شخصيه ،بمعني أدق ،الظهور بقناع"محبي الخير" ،أو الفئة الثانية ،وهم الذين يرغبون حقاً في تقديم الدعم المالي بهدف درء المصائب عنهم ،و إراحة ضمائرهم تجاه الفئات المعدمة ؛وللأسف هناك الكثير ممن يمثلون هذا النوع من الإنسانية ، في وجهة نظرهم الإنسانية ما هي إلا المساندة المالية للفقراء والمحتاجين والمرضي ؛لكنهم لا يحبون التعامل معهم وجهاً لوجه ،يخشون أن يصافحوهم ،بل أحياناً يشمئزون من النظر لوجوههم ،يعتقدون أنهم فعلوا ما يتوجب عليهم ؛لكن شتان ما بينهم وبين من يتصدقون سراً ،أنا أتحدث هنا عن من يتبرع للمريض ويخاف أن يقترب منه ،أو من يتبرع لدار المسنين ؛لكنه لا يطيق أن يمسك عجوز من يده ليعبر به الطريق .. لا يدرون أن ضحكة بسيطة منهم لهؤلاء الضعفاء قد تكون أغلي بكثير من أموالهم ومشاعرهم المزيفة .
الإنسانية المتحجرة : أصحاب تلك الفئة من البشر لا ينبغي أن نصنفهم مع الإنسانيون ؛لأنهم ببساطة لا يفقهون شيئاً عن الإنسانية ،هم فقط يندرجون تحت مسمي "القتلة" ،من يقتل أخيه أو والديه ،زوجته وأولاده ،لا أستطيع تخيل كيف يقتل الإنسان والديه أو أطفاله وهو في كامل قواه العقلية ؟!!،في حين أن هناك بشر آخرون لا يستطيعون الاستغناء،والتضحية بكتكوت عاش معهم لمدة شهرين فقط .
المتحولون : من يدعون الإنسانية و هم في الحقيقة من الفئة السابقة "المتحجرون" ،ليس هذا فحسب ؛لكنهم يوهمون الآخرون أن أعدائهم شياطين وهم ملائكة ، للتوضيح تعالوا نسمع قصة الغربان ،قام الغربان بطلاء نفسهم باللون الأبيض ،و قالوا أن البلشون الأبيض غراب ،هذا بالضبط ما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، الآن كيف سنقوم بقلب الموقف لصالح البلشون الأبيض ؟!! البلشون الأبيض لابد أن يتراجع خطوة للوراء ،ويذهب للغربان ويتظاهر أنه غراب مثلهم ،وبذلك سوف تسنح له الفرصة بغسل طلائهم الأبيض ،وقتها سنري من هو الغراب الحقيقي .
الآن من هو البلشون الحقيقي ،أقصد من هم الذين سنختم بهم كلامنا ، من الفئة التي أخذت أعلي نسبة تصويت في مراتب الإنسانية ، هم "الإنسانيون ذو الفطرة" ،الأطفال ،في بداية كلامنا تحدثت عن ضرورة وجود علوم تعلمنا الإنسانية ،لا داعي لذلك ؛لأن كل ما نحتاجه هو أن نتعلم الإنسانية من أطفالنا ، في الهند ضرب طفل صغير كتكوت بدراجته،ترك كل شيء ،وجمع كل مدخراته الصغيرة ،وأخذ الكتكوت لعلاجه ؛لكن المبلغ لم يكفي ،رجع ليتوسل أبيه للحصول علي مال لعلاج الكتكوت ورجع للمستشفي ،وقتها وقف مذهول عندما عرف انه مات،في أحدي يده الكتكوت وفي الأخرى أموال علاجه .
الإنسان دائما ما يغفل عن النعم التي أعطاها الله له ،فلا يشكره علي أي نعمه إلا لو حًرم منها ،ولهذا فإن أسوأ ما في البشر هو تعاملهم مع المسلمات وكأنها دائمة أبد الدهر ؛فيتم تجاهلها وعدم الاكتراث بها حتى تغرق في بئر عميق ،لا يستطيعون الوصول إليه،وهذا بالضبط ما حدث مع إنسانيتنا ،ولدت معنا بالفطرة ولكننا أهملنا وجودها فذهبت ،وذهب معها ما يميزنا عن الحيوانات ؛ولكن حتى الحيوانات لا تجرؤ أن تتعامل بقسوة مع بعضها كما يفعل إنسان هذا العصر .
تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
اترك تعليق