هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الفيبروميالجيا: المرض الخفي 
في العام ٢٠٠٣، فى مدينه المنصورة، أثناء دراستي السنه الأولي في كليه الطب جامعه المنصورة، كنت أعاني ولا زلت من آلام مبرحه في أسفل القدم

بقلم،،،
دكتور طه وفا
أخصائي طب الأسره

في العام ٢٠٠٣، فى مدينه المنصورة، أثناء دراستي السنه الأولي في كليه الطب جامعه المنصورة، كنت أعاني ولا زلت من آلام مبرحه في أسفل القدم بعد المشي عليهما لمده ربع ساعة أو أكثر. و كنت أعاني أيضا ولا زلت من اضطرابات في النوم بسبب متلازمه تململ الساقين التي تسبب إحساسا مزعجا في الرجلين يزيد ليلا و كذلك أيضا كنت أعاني من نقص التركيز و قله الانتباه. ذهبت لمستشفي الطلبة عدد من المرات مشتكيا للأطباء من تلك الأعراض المزعجه وكل ما كانوا يقومون به هو طلب بعض التحاليل و عندما يرون النتائج طبيعيه يقولون " إنت كويس مفيش عندك حاجه". في السنه الثالثه لدراستي، ذهبت إلي أخصائي رمد لإجراء عمليه ليزك لأني كنت أشعر بغشاوه أو ستاره علي عيني وكنت أعتقد أن النظاره هي السبب ولكنها لم تكن كذلك حيث استمرت تلك الغشاوه بعد العملية. كنت أعاني أثناء المذاكرة بسبب إحساسي بضباب في التفكير مع ضباب الرؤية واضطررت لعمل تعديلات علي نظام مذاكرتى حتى يمكنني إنجاز الحد الأدنى الذي يسمح لي باجتياز كليه الطب. 

 

في العام ٢٠١٣، في مدينه الاسكندريه، حيث كنت مغتربا وأدرس الزماله المصريه والزماله العربيه في تخصص طب الأسره ، استيقظت من النوم ذات يوم علي ٱلام شديده غير مسبوقه في كل مفاصلي الكبيره و الصغيره، لم اعيرها الاهتمام الكبير وتناولت بعض الاقراص المسكنه للألم ولكنها لم تسكن الا بنسبه قليله. طمأنت نفسي أن هذا أيا كان هو شئ عارض وسيزول بعد بضعه أيام. مرت الأيام والأسابيع والألم مستمر بنفس شدته وزادت عليه طقطقه بالمفاصل وبدأ الأمر يجذب كامل انتباهي و تفكيري. ذهبت لزياره أستاذ جامعي متخصص في العظام و بعد الفحص طلب مني بعض فحوصات الدم و موجات صوتيه علي الركبتين، وبعد أيام عدت إليه بنتائج الفحوصات والسونار ولم يكن فيهما اي خلل باستثناء ارتشاح بسيط في الركبتين. قال لي أستاذ العظام أنه يشك في بدايات خشونه المفاصل و وصف لي أدويه مسكنه و مكملات غذائيه لإعاده ترميم غضاريف المفاصل. لم أقتنع بتشخيصه لي حيث أنه لا يوجد عندي عوامل خطوره فعمري وقتها كان سبع و عشرين عاما و كتله الجسم عندي طبيعيه وليس في عائلتي أي تاريخ مرضي له صله بخشونه المفاصل. أخذت الأدويه التي وصفها لي علي الرغم من تحفظي عليها لأني لا أجد تفسيرا لها علي الإطلاق. مضت أشهر وأنا أتناولها بانتظام بدون أي تحسن إطلاقا و قررت إيقافها بدون الرجوع لأستاذ العظام. 

انتقلت إلي محافظة الدقهليه بعد عام واحد من بدايه دراستي للزماله المصريه في طب الأسره، وانتقلت آلامي وباقي الأعراض معي. ذهبت لزياره أستاذ جامعي متخصص في الأمراض الروماتيزميه و عرضت عليه التحاليل والسونار وقام بوصف أدويه مثبطه للمناعه ولم أتناولها لأنه لا يوجد أي دليل علي وجود أي مرض مناعه ذاتيه عندي. ذهبت لزياره أستاذ متخصص في الأمراض الباطنية و بعد الفحص قال أن كل ما أحتاجه هو مضاد حيوي ولم يذكر لي حتي التشخيص. ذهبت إلي أستاذ آخر أيضا متخصص في الأمراض الباطنية وكل ما وصفه كان مكمل غذائي. مرت شهور وأنا علي نفس الحال بل وزاد عليه انتشار الآلام في كامل جسدي حيث أصبحت عضلاتي تصرخ ألما وبدأت أسأل عن أفضل الأطباء في مجال الأمراض الروماتيزميه. ذهبت إلي رئيس قسم الأمراض الروماتيزميه في كليه الطب جامعه المنصوره حيث قام بعمل فحص لكل المفاصل و للأسف الشديد قال أن ما أعاني منه خشونه في المفاصل ووصف لي بعض المسكنات و المكملات الغذائيه. لم أقتنع بتشخيصه ولكن في نفس الوقت بدأت أتساءل يا تري ما الذي يحدث معي ؟ لكن لا إجابة علي تساؤلي. بدأت بأخذ الأدويه لأنه لا خيار آخر أمامي. تسلل اليأس إلي داخلي ليس لأن الدواء لا يسكن الألم ولكن لأني لا أجدا طبيبا واحدا قادرا علي فك لغز الأعراض التي أعاني منها. بعد عدة أشهر من المسكنات، بدأت تظهر عندي قرح داخل الفم و طبقه بيضاء علي لساني و ألم بالحلق و إحساس بالاختناق أسفل الجزء الأمامي من الرقبه. قمت بوقف كل الأدويه لأنها كانت تزيد مشاكلي بدلا من أن تخففها.

في العام ٢٠١٥ بعد مرور عامين وأنا في تلك المتاهة بين عديد من التخصصات. في إحدى محاضرات زماله طب الأسره، كانت المحاضره تتكلم عن متلازمه الفيبروميالجيا ووجدت أن فيها تفسيرا لكل ما يحدث معي، وبدأت بالبحث عن تلك المتلازمه علي الشبكه العنكبوتيه والتعمق فيها و وجدت أن هناك مئات الآلاف حول العالم يعانون كما أعاني بعدما ظننت أنى وحدي فى هذا العالم. لأجل أن أتأكد قمت بزياره أستاذ جامعي متخصص في الأمراض النفسيه و شخصني بالفيبروميالجيا و نصحني بزياره أخصائي أمراض روماتيزميه وذكرت له أني قد ذهبت لهذا التخصص ولم يفيدني فى شئ فطلب مني زياره طبيب آخر وبالفعل قمت بذلك وتم تأكيد تشخيصي أخيرا.

لا يوجد مرض في الطب يشبه الفيبروميالجيا بكل تفاصيلها. الفيبروميالجيا عده أمراض تم دمجها معا لينتج عنها متلازمه شديده الغرابه، شديده الغموض، عميقه التأثير. الفيبروميالجيا تجمع أعراض آلام الروماتويد و اعتلال الأعصاب الطرفي عند مرضي السكري و آلام التهاب باطن القدم و آلام خشونه الركبتين و آلام التهاب العضلات و آلام عرق النسا و آلام تآكل الغضاريف و آلام الديسك في الرقبه و آلام الكتف المتجمد إلي جانب إرهاق كإرهاق من يعانون من نقص شديد في هرمونات الغده الدرقيه أو من يعانون من الانيميا الشديده بالإضافة لمشاكل النوم التي تشبه من عندهم مرض الأرق المزمن بالإضافة لمشاكل الذاكرة التي يوجد فيها أعراض تشبه الأعراض الأولي للألزهايمر فأخذت منه النسيان وأخذت قله التركيز من مرض فرط الحركه وقله الانتباه وبالنسبه للاكتئاب و التوتر والقلق والخوف فأخذته الفيبروميالجيا من الأمراض النفسية وأخذت الصداع من الصداع النصفي أو العنقودي أو التوتري وأخذت الطنين و الدوخه من أمراض الأذن الداخلية وأخذت تسارع دقات القلب و شده نبضه من العصاب القلبي وأخذت الحساسيه للضوء من بعض أمراض العيون وأخذت حساسيه الصوت من بعض أمراض الأذن و أخذت اضطرابات القولون من القولون العصبي وأخذت اضطرابات المثانه من المثانه العصبيه وأخذت اضطرابات المعده من المعده المتوتره وأخذت عدم تحمل الحراره من زياده إفراز الغده الدرقيه و عدم تحمل البروده من نقص إفراز الغده الدرقيه و أخذت انخفاض الضغط الموضعي من أمراض الشيخوخه وفوق ذلك كله أضافت بصماتها الخاصه مثل ضباب الفيبرو و هجمه الفيبرو. وللأسف على الرغم من كل ذلك تمتلك الفيبروميالجيا خاصيه التخفي الفائق عن الرادار الطبي حيث أن الكثير من الأطباء يجهلونها أو ينكرونها وتمتلك أيضا خاصيه التجاهل والتمييز المجتمعي حيث أن معظم من يعيشون مع مرضي الفيبروميالجيا يعتبرونهم كسالي يتصنعون المرض من قبيل الدلع أو يعتبرونهم مرضي نفسيين. كل هذا وغيره يجعلها تستحق وبجدارة من وجهه نظري الأخبث في تاريخ الأمراض الكبرى.

و محاولة مني لزياده الوعي الصحي عن تلك المتلازمه، قمت بإنشاء مجموعه و صفحه علي إحدى منصات التواصل الإجتماعي لأجل تقديم الدعم لمن يعانون من هذه المتلازمه في مصر والوطن العربي لأني أعلم حجم العناء الذي يتكبدوه في رحلتهم بحثا عن تشخيص و علاج. 

في نهاية مقالي أوجه الرسالة التاليه إلي كل طبيب: سيدي الطبيب، أرسل لك خطابي هذا اليوم من قريتي الصغيره الهادئه القابعة في مكان ما علي الكره الأرضيه، آمل أن تصلك رسالتي وأنت في خير حال، درست مثلك سيدي الطبيب كلية الطب البشري ولا أذكر أني صادفت كلمه فيبروميالجيا أثناء السنوات السبع بداية من العام 2002 وحتي 2009 وربما أنت كذلك، ثم بعدها ولمده أربع سنوات درست تخصص طب الأسره بعد قبولي في البورد العربي و الزماله المصرية في هذا التخصص، اختبرت خلالها الفيبروميالجيا طبيبا و مريضا في نفس الوقت و ربما كان هذا من حسن حظي، ربما أنت في تخصصك لم تدرس الفيبروميالجيا وتعتمد علي بعض المعلومات العشوائيه الخاطئه عنها، أريدك سيدي الطبيب أن تعلم أن متلازمه الفيبروميالجيا مرض عضوي له كود تشخيصي خاص به وضعته الهيئه الدولية لتصنيف الأمراض ICD وهي هيئه تابعه لمنظمه الصحه العالميه WHO و لها معايير تشخيصيه أولها أقرته الجمعيه الأمريكية للأمراض الروماتيزميه سنه 1990 وآخرها تعديلات في تلك المعايير أقرته سنه 2016. الخطه العلاجيه للفيبروميالجيا ينسقها طبيب الأسره بالتعاون مع تخصصات الأمراض الروماتيزميه و النفسية و العلاج الطبيعي و التغذية العلاجيه. تم إقرار ثلاث أدويه لها من الهيئه الأمريكية للغذاء والدواء، أولها ليريكا (بريجابالين) سنه 2007 و ثانيها سيمبالتا (دولوكستين) سنه 2008 و ثالثها سافيلا (ميلناسيبران) سنه 2009. 

سيدي الطبيب، بعد ما أوردت في خطابي من تفاصيل عنها، ليس لك أي عذر سيدي الطبيب في أن تقول عنها جهلا مرض وهمي أو مرض نفسي أو أن تصم محاربوها بالدلع أو أنهم يريدون جذب الانتباه إليهم، سيدي الطبيب يمكنني أن أتفهم جهلك بالفيبروميالجيا ولكن لا يمكنني تفهم أو قبول اعتبارك لفشلك في التشخيص " دلعا من المريض" ولا يمكنني تفهم أو قبول عدم تحويلك المريض لطبيب آخر أكثر درايه منك وبدلا من ذلك تقول له "إنت معندكش حاجه" ولا يمكنني تفهم أو قبول عدم بحثك عن ما تجهله من خلال أي وسيله بحثية وبدلا من ذلك تقول " إنت بس لو إتجوزت وانشغلت هتبقي كويس"

سيدي الطبيب، لا يمكنني أبدا مسامحتك علي ازدرائك لشكوي مريض متألم يستنجد بك وأنت لست فقط تخذله بل تدمره و تنزع من يده القشه التي كان يتمسك بها حتي لا يغرق.

سيدي الطبيب، لا يمكنني مسامحتك علي جهرك بجهلك أمام أهل المريض مما يؤدي إلي تحويلهم لحياه مريض الفيبرو إلي جحيم حقيقي لإنك سيدي أعطيتهم سكينا ليذبحوا به مريضهم دون شفقه.

سيدي الطبيب، في ختام خطابي لك أقدم لك شكري إن كنت ممن يشخصون أو يعالجون الفيبروميالجيا و أرفع لك القبعه إن كنت ممن قرأوا هذا الخطاب و علموا عن الفيبروميالجيا بعد جهل و أعزيك فى إنسانيتك الميته و علمك الخاطئ المضلل إن كنت ممن قرأوا هذا الخطاب و استمروا في معامله الفيبروميالجيا علي أنها وهم أو مرض نفسي. 

أنهى خطابي لكل من يمتهن مهنه الطب بهذه الجمله "سيدي الطبيب، فلتكن طبيبا أو لتصمت، فالطب هو لتطبيب الجراح وليس لتعميق الجراح"

 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق