هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

إلهه الأقدار 
وقعت عيني علي تلك الجميله وهي وتتوسط خشبه المسرح  الكبير بدار الأوبرا المصريه في ثوبها الأبيض الأنيق   كانت تمسك بأربعة ستائر بيضاء

بقلم : علي عمر

وقعت عيني علي تلك الجميله وهي وتتوسط خشبه المسرح  الكبير بدار الأوبرا المصريه في ثوبها الأبيض الأنيق  
كانت تمسك بأربعة ستائر بيضاء حريرية تدلت من سقف المسرح  وهي تنظر الي السماء ، بينما التف حولها مجموعه من الفتيات والشبان ، تبدو ساحره ومميزة في تلك الوقفه و في ذلك الثوب ، صففت من شعرها الأسود الغزير  وجعلته مشدوداً الي الوراء فأظهر جمال وجهها وأصبح  أكثر وضوحاً للجالسين في الصفوف الاماميه ، أما مثلي ممن يتخذ أغلب قراراته في اللحظات الاخيرة فكنت أجلس في المقعد الأخير من الطابق الأخير في الأوبرا فلقد أشتريت أخر تذكره متبقيه للعرض وجلست أتحقق من وجوه أفراد الفُرقه الاسبانية من خلال شاشه "بروجيكتور " تبث صوره وجوه أفراد الفريق ورقصاتهم في وضوح  علي جانبي الحائط  الملاصق لخشبه المسرح !

وأنا كأغلب المصريين أحتفظ بصور تقليديه في ذهني عن الفن الأوبرالي ولاسيما الغنائي منه،  
وهي صور أغلبها مضحك وعجيب فيخيل لي بأن الغناء الأوبرالي يشبه الصراخ الحاد يخلق حاله من التوتر  ، آلات موسيقية تتشاجر في غير إنسجام  او ربما في انسجام لن تستسيغه نفسي فأشعر بالملل والرغبه في أن أوقف هذا الصراع والتوتر !

 لا أدري من هو المسئول عن تكوين تلك الصوره  ؟ ومتي تكونت  وأستقرت في ذهني كأمر مسلم به وواقع لا جدال فيه دون أن يكون هناك أساس قائم علي التجربه الحره والمستقلة ؟! 

كنت وقبل العرض بدقائق ابحث علي الانترنت عن "كارمينا يورانا" و "فورتونا" وهي إلهه القدر عند الرومان والمتحكمة بالمصائر وتصورها الاسطوره بأمرأه تمسك بيدها عجله القدر وتقلبها في استمرار فيتحول الأمل الي يأس والسلام الي خوف والبهجة الي حزن فهي ربه الحظ والثروه والانتقام بل وسيده القدر والمصائر !

أغلقت هاتفي مسرعاً فالقاعه قد أظلمت وسيبدأ  العرض الراقص في ثوان ورأيت إلهه الاقدار وهي تمسك بالمصائر وتستعد لتدويرها بين من يقفون حولها  وأندفعت الموسيقي من السماعات المثبته في ارجاء المسرح وأحتلت المكان بأكمله وفاضت حتي نفذت الي قلوب الحاضرين   في غير تريث ! 

 أحسست وكأنني أعرف تلك المعزوفة أو كأنني قد سمعتها من قبل ، ومنذ اللحظه الاولي للعرض كان صوت الكورال يطغي علي كل شيء فيقر بمصير البشر  أو  يوجه ربما نداء ما بلغه لا أفهمها الي تلك الالهه الجميله ثم سكت الكورال فجأة وساد الصمت لأقل من الثانيه ثم عاود الكورال  ندائاته !

ولكن هذه المره كانت الندائات متقطعه، تعلو تدريجياً  وينتقل صوت الكورال فيها من طبقه الي طبقه اخري أعلي في القوه وكذلك فعلت الاَلات الموسيقيه والتي كانت  تعزف علي خلفيه غناء الكورال  ! 

وبدأت إلهه الاقدار في العمل وحركت الستائر الحريريه بين يديها فرأيت الحب والبكاء والألم والقوه في رقصات من مستهم إلهه الاقدار من الشباب والفتيات المحيطين بالفتاه الحسناء 

علا صوت الكورال والالات الموسيقين وازدادت حركه الفتاه وأشتد التوتر وتزاحمت الأصوات وفجأه سكن كل شيء وساد صمت رهيب
 حدث هذا في دقيقتين أثنتين أو ربما أقل !
 
لم أتابع العرض بعدها فلقد شردت هناك بعيداً أفكر في عجله الاقدار وتقلبها وإذا بي أسمع صوت عقلي يهمس محدثاً "فورتونا"
- "فورتونا" أيتها الجميله ، هلا حركتي عجله قدري لتقف وتستقر بي عند السعاده ؟
ضحكت الفتاه ولم تجبني فأتبعت
-  أيتها الجميله،  إن لم يكن هناك بد من تدوير عجله الاقدار فهل لك أن تبطئي عجله قدري  حين تصلي بي نحو السعاده !
- وتريد أن أسرع بك حين تمر بالألم ؟!
-  أجل !
تمتمت الجميله
- هكذا أنتم يا معشر البشر تريدون أن تنسجوا الحياه وتخلقونها كما تشائون ، كلًُ علي هواه !
- أهناك من يريد الألم ؟!
- لكنك تريد أن تحظي بالكثير من المتع وبأقل القليل من العذاب !
- وما الضير في ذلك ؟
- انا لا أملك لك هذا ، فالعجلة ستدور وستمزج  المصائر وتتقلب بينها وستذوق من كل شيء  
- وماذا عليّ ان أفعل ؟
- أستمتع !
- معذره ؟ أأستمتع بالالم والحزن والضعف؟
- أستمتع بما عرفته وخَبَرته من تلك المصائر  فإنك لن تعرف السعاده الا حين تكوي بنار  الألم و ستعرف القوه  بالضعف والامل أيضا ستعرفه حين تتذوق طعم المراره والخيبه ! 
- انا اعرف كيف أميز الأشياء ، لا تشغيل بالك فقط انقليني الي السعاده ؟!
- لك ما تريد ولكن ماذا بعد السعاده ؟
- الحكمه !
- إنك تسأل عن شيء عظيم ! (ثم أتبعت) وماذا بعد ؟
- الأمل !
- وماذا بعد ؟
أطرقت لا أدري بما أجيبها ولم أَجِد مفر من الرد عليها فأجبت علي غير اقتناع 
- ربما القوه !
- لك ما تشاء وعليه ايضاً ستذوق الالم والحيره والتيه ثم المراره والضعف ! تجهز الأن فسأحرك عجله قدرك الأن 
- لا أرجوكي تمهلي انا لا أريد كل هذا ، ربما أريد بعضاً من هذا المزيج وليس كله ، انا اخاف الآلم ولكني أحب السعاده ، وأحب الأمل واخاف من المراره ، لا ... لا .. انا لا أريد هذا ....ربما  .... ربما .... الحب .... لا انا لا أريد الحب ... فالحب فيه الم وسعاده وقوه وضعف وأمل وخيبه ... اجل انا لا أريد الحب .... كيف لي ان ألقي  بنفسي في هذا العذاب وان كان فيه  السعاده .....أجل انا لا اريد الحب .... انا ...... انا .... ... ! 
صرخت في 
- تكلم ؟ أنت ماذا ؟!
- انا لا اريد شيء ، لتذهبي يا عجله الاقدار بعيدة عني فأنا لن أختار شيئاً لنفسي !! 

أفقت علي صوت تصفيق الحضور وانتهاء العرض ورأيت الفتاه الجميله تنحني لتحيي الحاضرين
وأمسكت هاتفي من جديد لأقرأ كلمات القصيده المترجمة: 
وا نصيباه
مثل القمر
أنت متقلب
أحيانا تمنح وتزيد
ودوما تمنع وتنقص
الحياة البشعة
أولا تقهر
ثم تغدق
مثلما تهوى
فالفقر
والسلطان
تذيبهم كالثلج
المصير موحش
وفارغ
يا عجلة القدر الدائرة
إنك لحاقدة حاسدة
الهناء إلى زوال
ويتلاشى إلى عدم
باهتا
وخفيا
 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق