علي مر سنوات دراستنا للتاريخ المصري كان سؤال : علل ،تدهور الصناعة في عهد السلطان سليم الأول ،هو أكثر الأسئلة شيوعاً حتى يومنا هذا
بقلم - هبه مرجان:
علي مر سنوات دراستنا للتاريخ المصري كان سؤال : علل ،تدهور الصناعة في عهد السلطان سليم الأول ،هو أكثر الأسئلة شيوعاً حتى يومنا هذا ؛لأن إجابته تعد من أشهر العبارات التي يحفظها المصريين عن ظهر قلب ،وهي إرسال الصناع والحرفيين المهرة إلي الأستانة (تركيا حالياً) ،وبذلك قُضي علي عشرات الحرف الرئيسية في عهده ،وعلي الرغم أن مصر تأتي اليوم في مرتبة متأخرة من حيث تصنيفها العالمي في التعليم والبحث العلمي إلا أن وفقا لأخر الإحصائيات فقد تصدرت مصر المركز الأول في عدد علمائها في الخارج علي مستوي العالم حيث يبلغ عدد العلماء المصريين في الخارج 86 ألف عالم ،منهم أكثر من 42 عالماً في وظيفة رئيس جامعة ، و وزير بحث علمي ، كما بلغ تعداد الخبراء المصريين في العلوم التطبيقية موزعين علي جميع دول العالم ما يزيد عن 850 ألف خبير وعالم مصري .
و علي الرغم من أن مصر استعانت بعدد من طيورها المهاجرة في النسخة الرابعة من مؤتمر "مصر تستطيع" ،والذي أقيم في ديسمبر الماضي بمدينة الغردقة ،إلا أن المشكلة الرئيسية لا تكمن في استدعاء أو إرسال علمائنا من وإلي الخارج ،بل تتلخص في توافر الأجواء المناسبة للبحث العلمي من حيث الميزانية والدعم المادي والمعنوي للباحثين ، و تعد الميزانية من أهم مشاكل البحث العلمي في الدول النامية ،ونري في المقابل اهتماما كبيرا من قبل الدول المتقدمة بالبحث العلمي ؛فعلي سبيل المثال تخصص أمريكا والصين واليابان أكثر من 2% من إجمالي نتاجهم المحلي علي تطوير و تنمية البحث العلمي .
من جانبها تقوم الدولة حالياً بتطوير منظومة التعليم والبحث العلمي من خلال التوسع في إنشاء جامعات جديدة مثل الجلالة والملك سليمان والعلمين ،وإنشاء 8 جامعات تكنولوجية من طراز "جامعات الجيل الرابع" ،لملاحقة التطورات العلمية الحديثة في مجالات النانوتكنولوجي ،والبيوتكنولوجي ،والطاقة الجديدة والمتجددة ،والطاقة الذرية،والميكاترونكس،والبايومتركس،والذكاء الاصطناعي،وانترنت الأشياء ،وغيرها ؛لكن الخطوة الأهم بجانب جهود الدولة في تطوير البحث العلمي هي رفع الوعي لدي أفراد الشعب المصري بأهمية التعليم والبحث العلمي ،ودورهم الكبير في خطط التنمية المستدامة ،وازدهار ونهضة المجتمع المصري علي كافة الأصعدة ،الاجتماعية،والاقتصادية ،والصحية ،والثقافية.
وفي سياق متصل ، نجد أن أيديولوجية النجاح في مصر مختلفة تماما عن العقيدة الفكرية للنجاح في الدول الأخرى ،فأغلبية الأفكار التي يعتنقها المصريين هي اللجوء إلي الدراسة في الخارج ،للحصول علي فرص عمل متميزة سواء في مصر أو خارجها ،وهذا بالإضافة إلي اعتقادهم إن تحقيق الذات والنجاح لا يتحقق في مصر أبدا ،وللأسف فقد أكد الإعلام المصري تلك الأفكار بواسطة بث العديد من الصور النمطية التي تتحدث عن الواسطة والمحسوبية في مقابل دحض جهود المتفوقين والعباقرة .
وبالرجوع لنقطة البداية "إرسال الصناع المهرة إلي الأستانة "،سوف نكتشف أن هناك إهمال مبالغ فيه في منظومة إدارة الأزمات في مصر ، لأن حتى هذه اللحظة لم نُعد أنفسنا علي وضع الخطط البديلة ،أو ما يعرف " بالخطة B " ، لم نجيب علي سؤال ماذا لو ؟!! ، ربما السبب في ذلك يرجع إلي أن المصريين ،أنفسهم، لا يطبقون مصطلح " الخليفة " أو "القدوة" بشكل صحيح ، فعلي سبيل المثال لا نري شباب يقتدون بمجدي يعقوب ،لدرجة تمكنهم من متابعة المسيرة من بعده ،كذلك لم نجد من هو خليفة لزويل أو نجيب محفوظ أو حتى تلميذ تربي علي أيدي عمر خيرت وتشبع من فنه .
إذن السبيل الوحيد لمواجهة براثن المستقبل هو الخطط البديلة لمواردنا البشرية قبل مواردنا الطبيعية ،و بدلاً من الاهتمام بخليفة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء علينا تربية أجيال قادرين علي السير في طريق الشعراوي والخطيب والأبنودي وهيكل و مصطفي مشرفة ، حتى نحافظ علي تراثنا وكنوزنا البشرية من الاندثار ،و تستمر نجاحاتهم وإنجازاتهم معنا للأبد من خلال خلفائهم الذين سيكملون المسيرة من بعدهم .
تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
اترك تعليق