تستعد محافظة المنيا، غدا، لإطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمسرح في دورته الثالثة، والذي تتواصل عروضه وندواته خلال الفترة من 6 إلى 13 ديسمبر 2025، لتتحول المحافظة طوال ثمانية أيام إلى فضاء مفتوح يلتقي فيه المسرح العالمي بالمشهد المصري، في حدث يعيد للمدينة مكانتها كأحد أهم روافد الإبداع عبر التاريخ.
لم يكن اختيار المنيا محطة لاستضافة المهرجان قرارًا عابرًا؛ فالمدينة تمثل مسرحًا طبيعيًا للفنون منذ آلاف السنين. على جدران مقابر بني حسن ظهرت أولى ملامح الأداء التمثيلي، وفي تل العمارنة وُلدت واحدة من أهم الثورات الفنية في الحضارة المصرية، بينما ظلّت المنيا عبر العصور مصدرًا للأدب والفن، تقدّم للمشهد المصري أسماءً كبيرة، وتستقبل جيلاً جديدًا من المبدعين.
تنطلق الدورة الجديدة برئاسة المخرج كيرو صابر، وتحمل اسم المخرج الكبير خالد جلال تقديرًا لمسيرته المؤثرة ودعمه للمواهب. كما يترأس المهرجان شرفيًا الفنان حمزة العيلي، ابن المنيا، ونجم المسرح والسينما والدراما، في تتويج لمسيرته وإسهاماته المتواصلة في إثراء الثقافة المصرية.
ويشارك في المهرجان نحو 200 فنان من مصر والدول العربية، بينهم 42 فنانًا من 9 دول، إلى جانب 158 مشاركًا مصريًا، فضلًا عن حضور فرق مسرحية من القاهرة والإسكندرية والجيزة والمنيا. وعلى مدار أسبوع كامل يقدم المهرجان 39 عرضًا وفعالية، تتضمن حفلي الافتتاح والختام، ومسيرة فنية «ديفيليه» تشارك فيها الفرق المختلفة.
تُقام الدورة تحت رعاية اللواء عماد كدواني محافظ المنيا، والدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، وبدعم من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع اتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية (EUNIC).
وفي هذا السياق، قال اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا:
"إن استضافة المنيا للمهرجان الدولي للمسرح في دورته الثالثة تأتي تأكيدًا لمكانة المحافظة كعاصمة متجددة للثقافة، وامتدادًا لدورها التاريخي في صناعة الوعي والفن. ونحن نعمل على أن تكون هذه الدورة نموذجًا مشرفًا للتعاون بين الدولة والمجتمع الثقافي، بما يعكس صورة مصر الحضارية أمام ضيوفها من مختلف الدول."
وأضاف المحافظ:
"المنيا تمتلك رصيدًا ثقافيًا وحضاريًا فريدًا يجعلها قادرة على احتضان الفعاليات الفنية الكبرى. ونسعى من خلال هذا المهرجان إلى خلق مساحة يلتقي فيها الإبداع المصري بالعالمي، ودعم المواهب الشابة، وتقديم تجربة فنية تُثري الجمهور وتُبرز جماليات المحافظة وتاريخها."
وختم كدواني تصريحه قائلاً:
"نوجّه الشكر لوزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة والاتحاد الأوروبي وكل الجهات الداعمة لهذا الحدث، ونعاهد أبناء المنيا أن نظل مستمرين في دعم الحراك الثقافي والفني، وتقديم كل ما يليق باسم محافظتهم وتاريخها العريق."
يأتي المهرجان بالتزامن مع إعلان المنيا عاصمة للثقافة المصرية لعام 2025، وهو تتويج لدورها الممتد في المشهد الثقافي. فالمدينة لا تنظر للثقافة باعتبارها فعالية مؤقتة، بل جزءًا من هويتها اليومية، يتجلى في فناني الريف، ورواة الحكايات، والحرفيين الذين يحولون الطين والخشب إلى جمال، مرورًا بمتحف ملوى الذي يقدم ذاكرة مدينة كاملة.
شهدت المحافظة في السنوات الأخيرة نشاطًا واسعًا عبر المراكز الثقافية والورش الفنية والفعاليات الشبابية، مما ساهم في اكتشاف مواهب جديدة في المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية، وخلق قاعدة جماهيرية شغوفة بالفن.
ومع اقتراب افتتاح المهرجان، تبدو المنيا وكأنها تعود إلى مسرحها الأول؛ مدينة ترى في الفن هويتها، وفي المسرح لغة قادرة على سرد أسئلتها وحكاياتها وتاريخها الممتد.
اترك تعليق