تُعد الجروح المزمنة واحدة من أكثر المشكلات الطبية تعقيدًا وإزعاجًا، إذ تظل عالقة لأسابيع أو أشهر دون استجابة واضحة للعلاج التقليدي، ما يزيد الألم ويعرّض المريض لمضاعفات خطيرة. ومع استمرار البحث عن حلول فعّالة، يظهر العلم كل يوم بأمل جديد يغيّر الطريقة التي نفهم بها آليات التئام الجلد ويعيد صياغة مستقبل العلاجات.
كشف باحثون عن مفتاح بيولوجي جديد قد يحدث تحولًا جذريًا في علاج الجروح المزمنة التي يعاني منها ملايين الأشخاص حول العالم، بعد اكتشاف دور غير متوقّع لجين معروف بتأثيره على لون الشعر والبشرة.
فبحسب دراسة حديثة، تبيّن أن جزيئًا في الجلد يُسمّى إم سي 1 أر (MC1R) — وهو نفس الجزيء الذي يمنح بعض الأشخاص شعرًا أحمر وبشرة فاتحة جدًا — يلعب دورًا أساسيًا في التحكم بالالتهاب وتحفيز آليات التئام الجروح.
وأوضح العلماء أن تعطل هذا الجزيء أو اختلال توازنه يجعل الجلد عالقًا في حالة التهاب مستمر، وهو ما يفسّر فشل بعض الجروح، مثل قرح القدم لدى مرضى السكري، في الشفاء رغم العلاجات المتاحة.
وخلال الدراسة، فحص الفريق العلمي عينات بشرية من ثلاثة أنواع مختلفة من الجروح المزمنة، ولاحظ خللًا مشتركًا في آليات "إطفاء الالتهاب"، إضافة إلى اضطراب في التفاعل بين جزيء إم سي 1 أر وجزيء آخر يُسمّى بي أو إم سي (POMC).
وللتأكد من الدور الحيوي لهذا الجزيء، استخدم الباحثون نماذج حيوانية مطوّرة وراثيًا؛ إذ أُنتجت فئران لديها عيب جيني يمنع إم سي 1 أر من العمل. وأظهرت النتائج أن جروح هذه الفئران كانت تلتئم ببطء شديد، وتشبه إلى حد كبير الجروح المزمنة لدى البشر.
أما أكثر النتائج إثارة، فكانت عند تطوير دواء موضعي ينشّط جزيء إم سي 1 أر؛ فعند وضعه على الجروح، تراجعت علامات الالتهاب بشكل واضح، وازدادت كثافة الأوعية الدموية الجديدة، وبدأ الجلد في التجدد وإغلاق الجرح. وحتى الجروح البسيطة على الجلد السليم التئمت أسرع وبتندّب أقل بعد استخدام العلاج، وفقًا لما نشرته مجلة ساينس أليرت.
وتشير الدراسة إلى أن تحفيز إم سي 1 أر قد يمهّد لتطوير كريمات أو مراهم جديدة تُستخدم لعلاج الجروح المزمنة التي ظلت عالقة لسنوات. ويرى الباحثون أن هذا الاكتشاف لا يقدم فقط تفسيرًا جديدًا لفشل التئام الجروح، بل يفتح الباب أمام جيل من العلاجات التي قد تغيّر قواعد اللعبة في الرعاية الصحية العالمية.
اترك تعليق