في إطار الجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد المصري، تبرز صفقة الاستثمارات القطرية في مشروع "علم الروم" كخطوة استراتيجية هامة. فهذه الصفقة لا تقتصر على جذب رؤوس الأموال فحسب، بل تسهم أيضاً في خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز البنية التحتية، وتنشيط السياحة، وزيادة الإيرادات القومية. وبذلك، فإن مشروع "علم الروم" لا يمثل مجرد استثمار عابر، بل هو ركيزة أساسية نحو تحقيق تنمية مستدامة ومستقبل اقتصادي واعد
يقول د. ياسر شحاتة استاذ إدارة الموارد البشرية والتنمية المستدامة ورئيس قسم إدارة الاعمال بكلية الاقتصاد والادارة بجامعة ٦ اكتوبر ان صفقة علم الروم شراكة استراتيجية بين مصر وقطر لتطوير منطقة ساحلية متكاملة في مطروح مساحتها نحو 4900 فدان، تشمل وحدات سكنية راقية، منتجعات سياحية، مرافق ترفيهية وخدمية، وبنية تحتية متطورة مثل محطات تحلية المياه وشبكات الطاقة.
أضاف أن هذه الصفقة خطوة تعكس رؤية الدولة المصرية لتعزيز مكانتها الاقتصادية إقليمياً ودولياً، منوها إلى إن جهود مصر في هذا الإطار تشمل تبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية، وتقديم حوافز، وتهيئة بيئة محفزة للاستثمار بما يعزز ثقة الشركاء الأجانب.
بتوقع د. شحاتة أن تشهد مصر تدفقا كبيرا لرؤوس الأموال الأجنبية، مما يدعم الاستقرار المالي، ويعمل على تقوية الاحتياطي النقدي، ويخلق آلاف فرص العمل، وتحديداً في مجالات الإنتاج والخدمات التي تعتمد في الأساس على التكنولوجيا.
ولرفع القيمة المضافة للصفقة إلى أقصى حد، طالب د. شحاتة بالتركيز على توطين الصناعات والتكنولوجيا داخل مصر، بحيث لا يقتصر المشروع على الاستثمار الأجنبي فقط، بل يشمل نقل المعرفة والخبرة التقنية والإدارية للكوادر، ويمكن تحقيق ذلك عبر برامج تدريب وتأهيل متقدمة، وربط العوائد بمشاريع تطوير البنية التحتية الذكية، بما يتيح إنتاج منتجات وخدمات بمواصفات عالمية وتحمل علامة مصرية قوية، مؤكدا أن هذا النهج يحوّل الصفقة إلى أداة للتنمية المستدامة، ويجعل من مصر نموذج لإدارة الشراكات الدولية بشكل يحقق أعلى عائد اقتصادي واجتماعي.
توقيت حاسم
يقول د. وليد الجبلى استاذ المحاسبة المساعد بكلية البنات القبطية بالعباسية أن صفقة "عام الروم" مع الجانب القطرى لا تمثل تدفقاً مالياً فحسب، بل هي إطلاق لإستراتيجية طموحة تضع الساحل الشمالي المصري على قائمة الوجهات العالمية النادرة.
أضاف أن التأثيرات الإيجابية للصفقة على الاقتصاد المصري أكثر من مجرد استثمار عقاري بل هى أشياء متعددة منها، تعزيز الاحتياطيات الأجنبية وإرسال إشارة قوية للمستثمرين العالميين، حيث يأتي هذا التدفق المالي المباشر في توقيت حاسم للاقتصاد المصري، ليساهم في تعزيز الاحتياطي الأجنبي الذي يتعافى تدريجياً، الأهم من قيمة الصفقة نفسها هو الرسالة التي تحملها، ثقة أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم في جاذبية وأمان الاستثمار في مصر، خاصة في القطاع غير التقليدي مثل السياحة الفاخرة، هذا يفتح الباب أمام موجة من الاستثمارات الخليجية والعالمية لتتبع نفس المسار.
وأيضا إحياء قطاع السياحة وخلق نموذج جديد، فطالما ارتكز النموذج السياحي المصري على الآثار والشواطئ التقليدية، فالصفقة تمثل نقلة نوعية نحو "السياحة عالية القيمة" التى تجذب شريحة السياح من ذوي الدخل المرتفع جداً، والذين ينفق الفرد الواحد منهم ما يعادل إنفاق 20 سائحاً تقليدياً، هذا يحقق إيرادات أعلى مع ضغط أقل على البنية التحتية والمواقع الأثرية.
وأيضا خلق فرص عمل وتنمية مهارات، حيث يتوقع المحللون أن يخلق المشروع، خلال مراحل تطويره وتشغيله، آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، لن تقتصر هذه الوظائف على المجالات التقليدية (البناء والخدمات)، بل ستمتد إلى وظائف متخصصة عالية المهارة في إدارة الفنادق الفاخرة، والضيافة الدولية، والترفيه، وإدارة المنتجعات، مما يساهم في رفع مستوى المهارات في سوق العمل المصري.
بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الإقليمية، حيث أن مشروع بهذا الحجم والطموح لا يقتصر على بناء فيلات وشاليهات، فهو يستلزم تطوير بنية تحتية متكاملة تشمل طرقاً جديدة، شبكات صرف صحي متطورة، محطات لتحلية المياه، وربط كهربائي مستقر، هذا الاستثمار في البنية التحتية سينعكس إيجاباً على كافة مدن وقرى محافظة مرسى مطروح .
أشار د. الجبلى إلى دور الصفقة فى تنويع مصادر الدخل القومي، في وقت تسعى فيه مصر لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد شبه الكلي على قطاعات مثل قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، تأتي هذه الصفقة لتعزز قطاع السياحة كرافد حيوي يمكن أن يرفع حصة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يزيد على 10% على المدى المتوسط.
استراتيجيات طموحة
فيما طالب د. الجبلى كى نرفع القيمة المضافة لهذه الصفقة لأقصى حد باتباع استراتيجيات طموحة ترتكز على التحول إلى "وجهة شاملة" وليس مجرد منتجع، فيجب ألا يقتصر المشروع على الإقامة الفندقية، المطلوب هو إنشاء "مدينة سياحية متكاملة" تضم، مراكز ترفيهية وثقافية، مثل مسارح لعروض الصوت والضوء، متاحف للفنون، ومراكز للمؤتمرات الدولية، كما تضم منشآت رياضية، موانئ لليخوت، ملاعب جولف مصممة بمقاييس عالمية، ومراكز للرياضات المائية، بالاضافة الى اقامة منطقة تجارية حرة (Free Zone) لتجارة التجزئة الفاخرة، تجذب كبار العلامات التجارية العالمية.
وأيضا لابد من الاستدامة البيئية كعلامة تجارية، حيث يجب أن يكون "علم الروم" مشروعاً صديقاً للبيئة بنسبة 100%، من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتغطية معظم احتياجاته من الطاقة، واستخدام تقنيات متطورة في إعادة تدوير المياه والحد من النفايات ، والحصول على شهادات خضراء عالمية (مثل LEED).
مع ضرورة تسويق المشروع كعلامة عالمية، تضع "رأس علم الروم" في منافسة مباشرة مع وجهات مثل سانت تروباز الفرنسية وسردينيا الإيطالية وهذا يتطلب شراكات مع كبرى وكالات السفر العالمية، واستهداف المجلات والمنصات المتخصصة في السياحة الفاخرة، وجذب المشاهير العالميين ليكونوا سفراء غير رسميين للمكان.
شركات تنموية
يؤكد د. وليد عيد مدرس الاقتصاد بكلية التجارة جامعة أسيوط أن صفقة "علم الروم" بين مصر وقطر تعكس نجاح الدبلوماسية الاقتصادية التي يقودها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتجسد رؤيته في تعزيز التعاون العربي وجذب الاستثمارات النوعية لدعم الاقتصاد المصري.
أضاف أن هذه الصفقة تأتى كخطوة عملية نحو تنويع مصادر الاستثمار الخارجي واستثمار الموقع الاستراتيجي لمصر لبناء شراكات تنموية مستدامة تحقق المصالح المشتركة وتدعم خطط التنمية الشاملة للدولة.
ولتعظيم القيمة المضافة للصفقة، أوضح د. عيد ان الدولة تولى اهتمامًا بمحاور استراتيجية تشمل تعميق التصنيع المحلي ورفع نسبة المكون المصري في جميع مراحل التنفيذ لتعزيز القدرات الإنتاجية الوطنية وتقوية سلاسل الإمداد المحلية، إلى جانب إشراك الشركات الوطنية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع دائرة الاستفادة الاقتصادية وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال داخل السوق المحلي.
أشار إلى ان الصفقة تسهم في دعم قطاعات النقل والخدمات اللوجستية والصناعات المغذية، ونقل التكنولوجيا والخبرات الدولية إلى السوق المصرية، بما يرفع كفاءة التشغيل والإنتاجية، ويعزز جودة المنتجات والخدمات، ويدعم التحول الصناعي والرقمي. كما تساهم في زيادة احتياطي النقد الأجنبي وتعزيز الاستقرار المالي للعملة المحلية، ما يعكس قوة الجنيه ويعزز الثقة في الاقتصاد المصري. بالإضافة إلى ذلك، يتم توظيف العائدات الاستثمارية في تطوير البنية التحتية وتحسين مناخ الاستثمار، ما يزيد جاذبية السوق للمستثمرين المحليين والأجانب ويحفز الاستثمار والإنتاج، ليُسهم في دورة اقتصادية مستدامة تدعم النمو وفرص العمل.
بهذه الخطوات، تتحول الصفقة من مجرد استثمار مالي إلى شراكة استراتيجية وتنموية متكاملة تضيف قيمة اقتصادية واجتماعية مستدامة، وتدعم رؤية الدولة نحو اقتصاد قوي ومتوازن، قائم على الإنتاج والمعرفة، وقادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
لفت إلى ان الصفقة تؤكد أن رؤية الرئيس السيسي الخارجية ليست مجرد تحركات دبلوماسية، بل سياسة اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحويل العلاقات الدولية إلى شراكات تنموية ترفع من كفاءة الاقتصاد المصري وتدعم استدامة نموه.
رؤية مصر ٢٠٣٠
تقول الخبيرة الاقتصادية د. زينب عبدالحفيظ قاسم ان صفقة علم الروم تمثل نموذجًا متكاملًا للتعاون الاقتصادي العربي القائم على الاستثمار المشترك وتحقيق التنمية المستدامة، من خلال إقامة مشروع عمراني وسياحي وخدمي متطور يراعي معايير الجودة البيئية والاقتصادية في مدينة مرسى مطروح وبما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030.
أضافت أن الصفقة تعكس الثقة في الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات طويلة الأجل، خاصة بعد النجاحات التي حققتها الدولة في تطوير البنية التحتية وتحسين البيئة التشريعية والتنظيمية للاستثمار، وتمثل إشارة إيجابية للأسواق الدولية حول استقرار السياسات الاقتصادية المصرية ووضوح الرؤية التنموية.
تابعت: من الناحية الاقتصادية، فإن مشروع علم الروم سيؤدي إلى تنشيط قطاعات عديدة مثل المقاولات، والخدمات الفندقية، والسياحة، ومواد البناء، والطاقة، والنقل، مما يعزز النشاط الاقتصادي المحلي ويرفع من معدلات التشغيل، مما يسهم في تحسين ميزان المدفوعات من خلال تدفق استثمارات أجنبية مباشرة، ودعم احتياطي النقد الأجنبي، وزيادة الإيرادات الضريبية والرسوم السيادية، كما أن الشراكة مع الجانب القطري تفتح الباب أمام تبادل الخبرات في مجالات التصميم والتطوير والإدارة، وتُتيح نقل التكنولوجيا الحديثة في مجالات الاستدامة والطاقة النظيفة والتشييد الذكي.
ولتعظيم القيمة المضافة من الصفقة - حسب د. زينب - ضرورة أن تركز الدولة على دعم الصناعات المحلية المرتبطة بالمشروع مثل مواد البناء والديكور واللوجستيات، وتشجيع مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في مراحل التنفيذ والتشغيل. وتوجيه جزء من عوائد المشروع لتمويل مشروعات البنية الأساسية في المناطق المجاورة، بما يخلق حلقات تكامل اقتصادي واجتماعي.
اترك تعليق