بعد عقود من العجز عن اكتشاف "القاتل الصامت" قبل فوات الأوان، يقترب العلماء من تحقيق إنجاز طبي قد يغيّر مستقبل تشخيص سرطان البنكرياس. فقد ابتكر فريق من الباحثين البريطانيين اختبار تنفس بسيط وسريع يمكنه كشف المرض في مراحله الأولى، ما قد يمنح المرضى فرصة حقيقية للعلاج وإنقاذ آلاف الأرواح كل عام.
في خطوة علمية توصف بأنها الأهم منذ نصف قرن، طور فريق من الباحثين في المملكة المتحدة اختبار تنفس ثوري قادر على الكشف عن سرطان البنكرياس في مراحله المبكرة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في طرق التشخيص والوقاية من أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا في العالم.
ويُعرف سرطان البنكرياس باسم القاتل الصامت، نظرًا لأن أعراضه – مثل آلام البطن والظهر، فقدان الوزن غير المبرر، ضعف الشهية، وعسر الهضم – غالبًا ما تظهر في مراحل متأخرة أو تتشابه مع أمراض شائعة مثل متلازمة القولون العصبي، مما يجعل اكتشافه المبكر صعبًا للغاية. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف المصابين يفقدون حياتهم خلال ثلاثة أشهر فقط من التشخيص.
ويعتمد الاختبار الجديد على تحليل هواء الزفير لتحديد ما يُعرف بـ"المركبات العضوية المتطايرة"، وهي مواد تنتجها الأورام السرطانية وتنتقل عبر الدم لتخرج مع التنفس. ويُمكن من خلال تحليلها اكتشاف وجود السرطان حتى في مراحله الأولى. ويُعد هذا الاختبار منخفض التكلفة وسهل الاستخدام، إذ يمكن إجراؤه في عيادة الطبيب العام، وتظهر نتائجه خلال ثلاثة أيام فقط.
وقد تم تطوير الجهاز ليشبه جهاز قياس نسبة الكحول في التنفس، وسيتم اختباره على 6000 مريض في 40 موقعًا في إنجلترا وويلز واسكتلندا. وإذا أثبتت النتائج فعاليته، فمن المتوقع أن يتم تعميم استخدامه خلال خمس سنوات في جميع عيادات الأطباء العامين، ما يتيح إمكانية التشخيص المبكر والعلاج الفعّال لآلاف المرضى.
وقالت ديانا جوب، الرئيسة التنفيذية لجمعية سرطان البنكرياس في المملكة المتحدة، إن "اختبار التنفس يمثل قفزة علمية هائلة في مجال التشخيص المبكر. إنها بلا شك الخطوة الأهم نحو إنقاذ الأرواح منذ 50 عامًا".
فيما أكد البروفيسور جورج حنا، رئيس قسم الجراحة والسرطان في كلية إمبريال كوليدج لندن وقائد فريق البحث، أن "النتائج الأولية كانت مشجعة للغاية، وإذا أثبت الاختبار فعاليته لدى المرضى الذين لم يُشخَّصوا بعد، فسيكون لذلك تأثير هائل على الممارسة السريرية ومستقبل علاج سرطان البنكرياس".
ويأمل الخبراء أن يُحدث هذا الابتكار نقلة في الكشف المبكر عن السرطان، مما يسهم في تقليل الوفيات وتحسين فرص الشفاء من المرض الذي ظل لسنوات طويلة أحد أكثر أنواع السرطان غموضًا وخطورة.
اترك تعليق