تعتبر المناطق الصناعية أداة استراتيجية فاعلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر بما تمثله من منصات إنتاجية ولوجستية متكاملة، قادرة على توطين الصناعات وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل مستدامة وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية، وفي ظل توجه الدولة نحو بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة برزت أهمية تطوير هذه المناطق كأولوية وطنية مدعومة برؤية واضحة وخطط تنفيذية طموحة بما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030، والاستراتيجيات الوطنية للصناعة والصادرات وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فيما تلعب المناطق الصناعية دورا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تقديم بيئة استثمارية جاذبة مدعومة بالحوافز والتسهيلات والبنية التحتية المتطورة، وهو ما يجعلها أداة رئيسة في تعزيز التنمية المستدامة والارتقاء بجودة الحياة في المجتمعات المحيطة بها.
ومن جانبهم أكد الخبراء أن المناطق الصناعية تمثل أحد المحاور الرئيسية التى تتبناها الحكومة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة.. حيث تسهم المناطق الصناعية فى تحسين النمو الاقتصادى من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعية المحلية، ومن ثم تقليل الاعتماد على الواردات وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية، كما تسهم في توفير فرص عمل لشريحة كبيرة من المواطنين، مما يسهم في تقليل معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
التنمية الاقتصادية
يقول د. حامد نبيل الاستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة المنصورة، أن المناطق الصناعية تمثل إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة في أي دولة، إذ لا تقتصر أهميتها على كونها مجرد تجمعات إنتاجية تضم مصانع وشركات، بل تتجاوز ذلك لتصبح نواةً حقيقية للتنمية الشاملة، ومحركًا رئيسيًا لخلق فرص العمل، وتنشيط حركة الاستثمار، ودعم الصادرات، وتحقيق التكامل بين مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني.
وأضاف، ان الدولة المصرية أدركت مبكرًا أهمية المناطق الصناعية في رسم خريطة التنمية المتوازنة، فسعت إلى توزيعها على مختلف المحافظات بهدف تقليل الفوارق التنموية بين الأقاليم، وتحقيق العدالة في توزيع الفرص الاستثمارية والخدمية، ومن هنا برزت مناطق صناعية بارزة مثل العاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، وبرج العرب، وبدر، والسادات، والمنيا الجديدة، وغيرها من المناطق التي أصبحت مراكز جذب للاستثمار المحلي والأجنبي.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هو، هل نجحت مصر بالفعل في إقامة مناطق صناعية نموذجية؟ يؤكد الواقع أن الدولة قطعت شوطًا مهمًا في هذا الاتجاه، إلا أن النجاح ما زال يحتاج إلى مزيد من العمل في بعض الجوانب، فبينما نجحت بعض المناطق في استقطاب استثمارات ضخمة وتوفير آلاف فرص العمل، ما زالت بعض المناطق الأخرى تواجه تحديات تتعلق بنقص البنية التحتية، أو بطء الخدمات اللوجستية، أو ضعف الإدارة والترويج، لذلك يمكن القول إن التجربة المصرية ناجحة نسبيًا، لكنها لم تبلغ بعد مرحلة النضج الكامل التي تحقق الاستدامة المنشودة.
نقطة جوهرية
أما عن مدى كفاية عدد المناطق الصناعية المُقامة في مصر، أوضح د. نبيل ان الإجابة ترتبط بنقطة جوهرية وهي أن العبرة ليست بعدد المناطق، بل بكفاءتها وقدرتها على الاستمرار والنجاح. فالمناطق الصناعية لا ينبغي أن تُقام لمجرد استعراض الأرقام أو لملء الفراغ الجغرافي، بل يجب أن تكون ذات جدوى اقتصادية واضحة، وأن تُدار وفق رؤية استراتيجية تضمن استغلال الموارد المحلية، وتحقيق التكامل الصناعي بين القطاعات المختلفة.
وتابع: وحتى يتم العمل على زيادة عدد المناطق الصناعية بطريقة فعالة، فإن الأمر يتطلب منظومة متكاملة تبدأ بتحديد احتياجات كل إقليم على حدة، وتوفير البنية التحتية الملائمة، وتبسيط إجراءات التراخيص والتخصيص، مع تقديم حوافز ضريبية وجمركية للصناعات الاستراتيجية والمكملة. كما يجب الاهتمام بتأهيل العمالة الفنية عبر التعليم الفني والتدريب المهني المستمر، لضمان توافر الكفاءات القادرة على دعم هذه المناطق وتشغيلها بكفاءة عالية.
أشار إلى انه تبرز مجموعة من التوصيات التي ينبغي للحكومة أن تراعيها عند إنشاء أي منطقة صناعية جديدة، لعل من أبرزها، اختيار المواقع الاستراتيجية بعناية وفقًا لطبيعة الموارد والعمالة والأسواق المحيطة؛ واعتماد مبادئ الاستدامة البيئية من خلال استخدام الطاقة النظيفة وتقنيات الإنتاج الحديثة، وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الإدارة والتمويل، وتطبيق معايير الحوكمة والشفافية في تخصيص الأراضي ومتابعة أداء المستثمرين.
لفت إلى إن بناء منظومة صناعية قوية في مصر لا يتوقف على إقامة عدد كبير من المناطق الصناعية، بل على قدرتها في أن تكون مناطق حقيقية للإنتاج والتشغيل والتصدير، وليست مجرد كيانات على الورق. فالتنمية الصناعية المستدامة هي التي تخلق القيمة المضافة، وتؤمِّن فرص العمل الكريمة، وتُسهم في رفع مستوى معيشة المواطنين، وتُعزِّز مكانة مصر الاقتصادية إقليميًا ودوليًا.
وفي النهاية، فإن المستقبل الصناعي لمصر لن يُقاس بعدد المصانع أو المناطق، بل بمدى قدرتها على الصمود في وجه التحديات، والتطور المستمر، والقدرة على المنافسة عالميًا. لذا فإن الرَّهان الحقيقي يجب أن يكون على المناطق الصناعية الذكية والمستدامة، التي تُدار وفق رؤية اقتصادية متكاملة، وتُبنى على الكفاءة والحوكمة والتخطيط طويل الأجل، لتكون بحق بوابة مصر نحو تنمية متوازنة ومستدامة.
رؤية مصر 2030
يرى د. محمد حمدي عوض الأستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة القاهرة أن رؤية مصر 2030 تعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي، مشيرًا إلى أن المناطق الصناعية تمثل أحد المحاور الرئيسية التي تتبناها الحكومة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة. فعلى مستوى البعد الاقتصادي تسهم المناطق الصناعية في تحسين النمو الاقتصادي من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعية المحلية، ومن ثم تقليل الاعتماد على الواردات وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية.
أما على مستوى البعد الاجتماعي تسهم المناطق الصناعية في توفير فرص عمل لشريحة كبيرة من المواطنين، مما يسهم في تقليل معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
وعلى مستوى البعد البيئي، تسهم المناطق الصناعية المصممة وفقًا للمواصفات القياسية على استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة بغرض تقليل الانبعاثات الضارة ومواجهة التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن الدولة المصرية تمكنت من إنشاء وإقامة مجموعة من المناطق الصناعية النموذجية في عدد من المحافظات، من بينها -على سبيل المثال وليس الحصر- مدينة جلود الروبيكي بالقاهرة، ومجمع السخنة الصناعي، ومجمع بولاريس الصناعي بالجيزة، ومدينة دمياط للأثاث، ومجمع شرق بورسعيد لصناعة السيارات، وغيرها من المناطق الصناعية المتميزة التي تمثل دعامة أساسية في تطوير الصناعة المصرية.
تعزيز الشراكات
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية في هذا المجال، فإن التوسع في إنشاء المناطق الصناعية لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدعم لتحقيق مستهدفات الدولة من الصادرات، وتعزيز معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالي، بما يسهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وأضاف أن زيادة عدد المناطق الصناعية في مصر يمكن أن يتحقق من خلال تعزيز الشراكات مع الدول والمؤسسات الأجنبية في مختلف المجالات والقطاعات، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات التنظيمية وتقديم حوافز ومزايا ضريبية لهذه المناطق.
وأوضح أن العبرة ليس بعدد المناطق الصناعية، بل في مدى كفاءتها واستدامتها، حيث إن التوسع غير المدروس يترتب عليه عدد من المشاكل أهمها انخفاض الجودة، وزيادة معدلات التلوث، وتشويه سمعة الصناعة المصرية.
كما أكد على ضرورة اتجاه الدولة المصرية إلى إنشاء مناطق ومجمعات صناعية لإنتاج السلع والمنتجات الاستراتيجية التي تستوردها الدولة المصرية، بغرض تحفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي، وتعزيز قدرة الصناعة المصرية على المنافسة في الأسواق العالمية.
وشدد على أهمية الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة داخل هذه المناطق والمجمعات بغرض تخفيض معدلات التلوث ودعم توجه الدولة نحو الاقتصاد الأخضر، كما أنه يجب تطوير البنية التحتية الذكية لتلك المناطق بما يواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
توفر فرص عمل
يقول د. عرفان فوزى الخبير الاقتصادي والأمين العام للجمعية العلمية للتشريع الضريبى أن المناطق الصناعية تلعب دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، إذ تسهم في توزيع الأنشطة الاقتصادية جغرافيًا للحد من التكدس العمراني، وتوفر فرص عمل محلية تدعم الاستقرار الاجتماعي، كما تشجع الاستثمار في الصناعات النظيفة والتكنولوجيا الخضراء بما يحقق الاستدامة البيئية، كذلك تعزز التكامل بين القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتدعم النمو الإقليمي المتوازن عبر رفع كفاءة البنية التحتية وتحسين جودة الحياة في مختلف المحافظات وتعد مصدرًا رئيسيًا لتوفير فرص العمل وجذب الاستثمارات وتعزيز الصادرات.
وأضاف ان مصر أحرزت تقدّمًا ملحوظًا في إنشاء وإقامة المناطق والمجمعات الصناعية، حيث يوجد في مصر 177 منطقة صناعية موزعة على 26 محافظة ، وقد خصّصت الدولة المصرية قطع أراضي جديدة في محافظات عديدة لإقامة مناطق صناعية جديدة عليها وهذا يعكس توجه الدولة نحو التخطيط المتكامل والبنية التحتية الحديثة مثال على ذلك إنشاء مناطق صناعية نموذجية في قرى الظهير الصحراوي، المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مدينة الروبيكي للجلود، المنطقة الصناعية في السادات والعاشر من رمضان.
وأوضح أنه رغم ذلك، مازلنا في الاحتياج للتوسع في إنشاء مناطق جديدة خصوصًا في المحافظات الحدودية ومحافظات الصعيد لتحقيق توزيع جغرافي عادل ومتوازن للتنمية خاصة المناطق الحدودية.
وطالب د. عرفان الحكومة أن تراعي عند إنشاء منطقة صناعية جديدة اختيار الموقع المناسب بيئيًا واقتصاديًا، وتوفير البنية التحتية المتكاملة، مع تبسيط إجراءات التراخيص وتقديم حوافز استثمارية جاذبة ، كما يجب تخصيص أنشطة صناعية متكاملة، وتدريب العمالة المحلية، واعتماد إدارة احترافية تضمن الاستدامة والالتزام بمعايير الصناعة الخضراء الذكية.
محركات التنمية
يقول الخبير الاقتصادي د. شريف الطحان أن المناطق الصناعية فى مصر تلعلب دورا محوريا في تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، حيث تعد من أهم أدوات الدولة لتحقيق التوازن بين النمو الإقتصادي وحماية البيئة وتحسين مستوى المعيشة، وتسهل جذب الاستثمارات، وتوزع الفرص الاقتصادية جغرافيا بعيدا عن المركز الحضري.
أضاف أن الدولة المصرية حققت إنجازات ملحوظة بإنشاء مجمعات صناعية في نحو 15 محافظة ، كما أُقيمت مدن صناعية متخصصة كمدينة الأثاث بمدينة دمياط، ومدينة الدواء في الخانكة، وغيرها.
لكنّ هذه الجهود لا تزال غير كافية من حيث العدد أو التغطية الجغرافية، وهناك تفاوت في الكفاءة والبنية التحتية بين المناطق، مؤكدا أن الأهم ليس العدد فى حد ذاته، بل كفاءة التشغيل، جودة البنية التحتية، الربط اللوجستي، الاستدامة البيئية، وقدرة المناطق على جلب استثمارات نوعية.
يرى د. الطحان أن زيادة عدد المناطق الصناعية وضمان النجاح والإستدامة، يرتبط بتحديد أولويات القطاعات الصناعية الواعدة مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والصناعات الخضراء، وتحقيق شراكات قوية مع القطاع الخاص لتمويل وإنشاء المناطق الصناعية، وأيضا وضع معايير واضحة لأبعاد التنمية المستدامة (بيئية، اقتصادية، واجتماعية) والبنية التحتية الذكية.
نوه د. الطحان إلى أهمية تبسيط الإجراءات والتراخيص، إعفاءات وتحفيزات استثمارية، وربط المناطق بالجامعات ومراكز البحث لتوفير الكفاءات، مع ضمان الربط الجيد بالموانئ والطرق والسكك واللوجستيات، وإقامة المناطق النموذجية في محافظات محرومة لردم الفجوة التنموية، وبهذه المقاربة نحقق ليس كثرة بلا قيمة، بل نشرا فعّالا ومستداما للتنمية الصناعية في كل أنحاء مصر،
أضاف أن المناطق الصناعية ليست مجرد تجمعات إنتاجية فقط فهى محركات للتنمية المستدامة التى توازن بين الإقتصاد و المجتمع و البيئة و تعد من أهم ركائز رؤية مصر ٢٠٣٠.
اترك تعليق