هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

التحوط ضد الأزمات الإقتصادية.. يحمى الأفراد والشركات فى زمن التقلبات

ضرورة لضمان الاستدامة والقدرة على مواصلة النشاط تحت مختلف الظروف

الخبراء:اتخاذ إجراءات وقائية لحماية الأصول من الإنخفاض أو تقلبات السوق غير المتوقعة

التنويع الإستثمارى فى ملاذات آمنة..لضمان استمرارية العمل وحماية الأصول


د. محمد راشد: يقلل المخاطر الناتجة عن التقلبات الإقتصادية والمالية..للأفراد والشركات
د. شريف الطحان : تطوير المهارات الرقمية..ضمانة لمواكبة متغيرات سوق العمل
د.طاهر عبدالكريم: تبنى الطاقة المتجددة والتحول الرقمى ..كاستراتيجيات مستدامة

في زمن تتسارع فيه الأزمات الاقتصادية وتتباين فيه التحديات بين تضخم عالمي، وحروب جيوسياسية، وتقلبات في أسعار الطاقة والسلع، باتت استراتيجيات التحوط ضرورة ملحّة وليست خيارًا ثانويًا؛ فالأفراد يبحثون عن حماية مدخراتهم عبر الذهب والعقارات والأدوات المالية الآمنة، بينما تسعى الشركات إلى تنويع أسواقها ومنتجاتها وإدارة مخاطرها المالية لمواجهة تقلبات السوق.

 وفي مصر، تكشف المؤشرات الاقتصادية مع حلول عام ٢٠٢٥ عن فرص واعدة تعزز من أهمية التحوط كآلية لضمان الاستقرار المالي والنمو المستدام، فالتحوط لا يجب أن يكون نهجًا قصير الأمد، بل ينبغي أن يكون مسارًا طويل المدى، حيث تبدو المرحلة القادمة واعدة بشرط الحفاظ على تنفيذ سياسات استباقية واعتماد مرونة استراتيجية لمواجهة أي تحديات مستقبلية.

أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن الأزمات الاقتصادية تعد جزءًا متكررًا من تاريخ الاقتصاد العالمي، سواء كانت ناتجة عن التضخم أو الركود أو الأزمات المالية، إذ يجب على الحكومات تدعيم سياسات التحوط من خلال تعزيز استقرار النظام المالي وتوفير أدوات استثمار آمنة وغيرها، من أجل تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، ومن خلال هذا التحقيق نرصد آراء خبراء الاقتصاد حول كيفية تحويل الأزمات من تهديدات إلى فرص، حيث يقدم خريطة شاملة للتحوط كدرع واقٍ يحمي الأفراد والشركات في عالم سريع التغير.

قال د. محمد شهاب نائب رئيس جامعة دمياط وأستاذ الاقتصاد بالجامعة، إن الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والحروب والصراعات الاقتصادية تعد من التحديات التي قد تهدد الدول واستقرار المؤسسات التجارية وتؤثر على الأوضاع الاقتصادية للأفراد. وبعضهم يشبه الأزمات الاقتصادية بصب سائل في أنابيب عبر أكثر من مدخل لتتجمع داخله، ومع زيادة الضغط من أكثر من اتجاه تتزايد احتمالات حدوث تسرب في الأنابيب أو حتى انفجارها، في إشارة إلى احتمال وقوع أزمة اقتصادية متصاعدة. ولأن القطاع الخاص يلعب دورًا كبيرًا في تحريك الاقتصاد وتوظيف الأفراد وتوفير السلع والخدمات، فإن أهمية هذا الدور تجعل استراتيجيات التحوط والاحتراز أمرًا ضروريًا للشركات لاحتواء المخاطر.

أوضح أن استراتيجيات التحوط والاحتراز ضرورية لضمان استدامة الشركات والأفراد وقدرتهم على مواصلة النشاط تحت أي ظروف، من خلال اتخاذ إجراءات وقائية لحماية الأصول من الانخفاض أو تقلبات السوق غير المتوقعة. وغالبًا ما يتم ذلك عبر التنويع الاستثماري في ملاذات آمنة مثل الذهب والعملات الأجنبية القوية، أو عبر استخدام أدوات مالية معينة مثل عقود المشتقات لتقليل المخاطر. ويمكن أن يكون التحوط أشبه ببوليصة تأمين ضد المخاطر المالية أو التشغيلية لضمان استمرارية العمل وحماية الأصول. ولأن الاستثمار أمر متعلق بالمستقبل، وهو ما لا يمكن التنبؤ بمساره بشكل مؤكد، فإن هناك دائمًا بعض المخاطر الملازمة له. ومع ذلك فهذا لا يعني أن المستثمرين يجب أن يقبلوا جميع المخاطر طواعية، ولهذا يتم اللجوء إلى التحوط للحد من التعرض لمخاطر الاستثمار والسيطرة عليها.

أشار إلى أن هناك أنواعًا عديدة من المخاطر التي عادةً ما يتعرض لها المستثمرون، أهمها مخاطر العملة حيث تتعرض الاستثمارات للخسائر نتيجة التغيرات في أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق، بالإضافة إلى مخاطر أسعار الفائدة، إلى جانب التضخم وهو فقدان القوة الشرائية، لذلك يقوم المستثمرون عادةً بالتحوط ضد التضخم عن طريق شراء الأصول مثل الذهب أو العقارات التي تميل إلى التفوق على التضخم بمرور الوقت.

وأخيرًا هناك مخاطر التركيز، وهي مخاطر الخسارة بسبب تخصيص نسبة كبيرة من رأس المال لنوع واحد أو لعدة أنواع محدودة من الاستثمارات. وعادةً ما يقوم المستثمرون بالتحوط ضد مخاطر التركيز عبر تنويع استثماراتهم بحيث تنتشر المخاطر بين أنواع متعددة من الأصول أو الصناعات المختلفة.

أضاف أن الميزة الأكثر أهمية للتحوط تكمن في زيادة الثقة لدى المستثمرين والشركات، حيث يشعرون بأن هناك إجراءات لحماية أصولهم من التقلبات السلبية، فضلًا عن الحد من مخاطر خسارة رؤوس الأموال الكبيرة والحفاظ عليها، بما يحقق استمرارية الأعمال، أما خطة التحوط نفسها فهي تحتاج إلى بعض النصائح، أهمها أن يكون المستثمر على دراية بالتغيرات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي تؤثر على الأسواق، إذ إن هذه التغيرات تخلق فرصًا ومخاطر جديدة. كما يجب تنويع الاستثمارات بذكاء من خلال توزيع الأموال واختيار الأصول القادرة على تحقيق أرباح حتى في الأوقات الصعبة، مع القدرة على إدارة المخاطر باستخدام أدوات مثل التحوط والاستثمار في الأصول الآمنة.

ونوّه إلى أهمية الاستثمار في الأصول الحقيقية في أوقات التضخم والتقلبات الاقتصادية الكبيرة، فالأصول مثل العقارات والذهب تحافظ على قيمتها بشكل أفضل، مع مراقبة السياسات النقدية وقرارات البنوك المركزية التي تؤثر على الأسواق، مما يجعل هناك فرصة لاقتناص فرص جديدة خلال الأزمات. وأكد أن اتخاذ القرارات يجب أن يتم بناءً على التحليل لا على الخوف أو الطمع، مع اليقين بأن النجاح في الاستثمار يتطلب صبرًا والتزامًا بالأهداف طويلة الأجل.

يرى د. محمد راشد أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف، أن التحوط ضد الأزمات الاقتصادية أصبح أمرًا في غاية الأهمية، إذ يمثل حماية للأفراد والشركات بعدما صارت الأزمات الاقتصادية سمة متكررة في النظام المالي والاقتصادي العالمي. فهي تظهر نتيجة دورات اقتصادية طبيعية أو بسبب أحداث غير متوقعة مثل الأوبئة أو الحروب أو تقلبات أسعار الطاقة والسلع الأساسية. ومع أن هذه الأزمات لا يمكن منع تأثيراتها بالكامل، إلا أن الأفراد والشركات قادرون على تقليل حدتها من خلال استراتيجيات التحوط التي تمثل درعًا واقيًا يحمي من الخسائر الفادحة. فالتحوط هو مجموعة من الإجراءات المالية والإدارية التي تهدف إلى تقليل المخاطر الناتجة عن التقلبات الاقتصادية أو المالية.

فعلى مستوى الأفراد، تتمثل آليات التحوط في تنويع مصادر الدخل، إذ إن الاعتماد على مصدر واحد في زمن الأزمات أمر محفوف بالمخاطر. لذلك يُفضل البحث عن عمل إضافي أو استثمار في مشروع صغير لزيادة وتنويع مصادر الدخل. وأوضح أنه من المفيد توجيه نحو ٥٠% من الاستثمارات إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والشهادات البنكية أو السندات وأذون الخزانة الحكومية، باعتبارها أدوات أقل عرضة للتقلبات الحادة. كما يُنصح بزيادة نسبة الادخار من الدخل بحيث لا تقل عن ٢٠%، لتأمين نفقات الاستهلاك خلال الظروف الاقتصادية غير المواتية.

أما على مستوى الشركات، فيتمثل التحوط في تنويع الأسواق والمنتجات، لأن الشركات التي تعتمد على سوق واحد أو منتج واحد تكون أكثر عرضة للمخاطر عند حدوث أزمة. كما نُوّه إلى ضرورة إدارة المخاطر المالية باستخدام أدوات التحوط مثل العقود الآجلة والخيارات لمواجهة تقلبات أسعار الصرف أو السلع، إلى جانب تكوين احتياطات نقدية عالية تمكّن الشركة من الوفاء بالتزاماتها خلال فترات الركود. فالتحوط ليس مجرد إجراء وقائي، بل هو ثقافة اقتصادية يجب أن يتبناها الجميع في ظل عالم سريع التغير مليء بالتحديات والتقلبات. فالأزمات الاقتصادية قد تكون حتمية، لكن آثارها يمكن تقليلها إذا ما وُضعت استراتيجيات وآليات واضحة توازن بين المخاطر والفرص.

أوضح د. عمرو عرفة، مدرس التمويل والاستثمار بأكاديمية وادي العلوم، أن الأزمات الاقتصادية تُعَدّ جزءًا متكررًا من تاريخ الاقتصاد العالمي، سواء كانت ناتجة عن التضخم أو الركود أو الأزمات المالية. ولذلك أصبح مفهوم التحوط أداة أساسية لحماية الأفراد والشركات من الخسائر غير المتوقعة. فالتحوط ببساطة يعني تنويع مصادر الاستثمار والاعتماد على أدوات مالية أو أصول مادية تقلل من المخاطر. ومن أبرز هذه الأدوات: الذهب الذي يعتبر ملاذًا آمنًا عند انهيار الأسواق، والعقارات التي تحافظ على قيمتها على المدى الطويل، إضافةً إلى العملات الأجنبية التي تساعد في مواجهة تقلبات سعر العملة المحلية. كما تشمل أدوات التحوط أيضًا السندات الحكومية باعتبارها استثمارًا منخفض المخاطر، والسلع الأساسية مثل النفط والقمح التي تحافظ على قيمتها في وقت الأزمات، وكذلك صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي تتيح تنويعًا فعالًا بتكلفة منخفضة.

أكد أنه على مستوى الشركات، تلجأ المؤسسات الكبرى إلى استخدام المشتقات المالية مثل العقود الآجلة والخيارات للتحوط من مخاطر تقلب أسعار المواد الخام أو أسعار الفائدة. أما على مستوى الأفراد، فيُعد الادخار الذكي وتوزيع المدخرات بين أصول متنوعة وسيلة فعالة لتقليل الخسائر المحتملة. كما شدد على ضرورة أن تدعم الحكومات سياسات التحوط عبر تعزيز استقرار النظام المالي وتوفير أدوات استثمار آمنة، إلى جانب إطلاق برامج للتوعية المالية للأسر، فهذا لا يحمي فقط من الأزمات، بل يعزز أيضًا الثقة في الاقتصاد الوطني.

نوّه إلى أن التحوط يمثل وسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، حيث يضمن استمرار النمو ويحافظ على قدرة الأسر والشركات على مواجهة الصدمات، مما يحول الأزمات من تهديدات إلى فرص لإعادة التوازن.

أكد د. شريف الطحان، الخبير الاقتصادي، أن الاقتصادات العالمية تعيش اليوم حالة من عدم الاستقرار بفعل الأزمات الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم وتقلب أسعار الطاقة والسلع، إلى جانب تأثيرات التغيرات المناخية وسرعة التحولات التكنولوجية. وهذه العوامل مجتمعة تجعل من التحوط ضد الأزمات الاقتصادية أداة أساسية لحماية الأفراد والشركات وضمان الاستقرار في بيئة مليئة بالمخاطر. فعلى صعيد الأفراد، لم يعد الادخار وحده كافيًا، بل أصبح من الضروري تنويع مصادر الدخل واللجوء إلى أدوات مالية آمنة مثل الذهب والودائع البنكية والاستثمار العقاري، من أجل الحفاظ على القيمة الشرائية للمدخرات.

وأوضح أن الاستثمار في تطوير المهارات، وخاصة المهارات الرقمية، يمثل ضمانة مهمة لمواكبة متغيرات سوق العمل، كما يمنح الأفراد مرونة أكبر في مواجهة تقلبات التوظيف أو تراجع الدخول. أما الشركات، فإن التحديات أكثر تعقيدًا، حيث تواجه ضغوطًا نتيجة اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الخام وتذبذب الطلب. وهنا يظهر دور إدارة المخاطر عبر سياسات التحوط المالي مثل العقود الآجلة، بالإضافة إلى تنويع الموردين والأسواق المستهدفة.

أشار إلى أن التحول الرقمي يبرز كأداة فعالة لتقليل التكاليف ورفع كفاءة العمليات، في حين يوفر التوجه نحو الاستدامة فرصًا جديدة للنمو في ظل اقتصاد عالمي يعيد ترتيب أولوياته. وقال: إن التحوط لا يعني الانكماش أو تجنب الاستثمار، بل هو استراتيجية ذكية لإدارة المخاطر وتحقيق التوازن بين النمو والحماية. فالشركات التي تستثمر بوعي، والأفراد الذين يطورون مهاراتهم ويخططون لمستقبلهم المالي، هم الأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية.

أضاف أن الوعي الاقتصادي ونشر الثقافة المالية بين مختلف فئات المجتمع يمثلان الركيزة الأساسية لبناء حصانة حقيقية ضد الأزمات، بما يضمن استقرار الأفراد ويعزز قدرة الشركات على المنافسة في زمن تتسارع فيه التغيرات.

قال د. طاهر عبد الكريم، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد المصري مر خلال السنوات الأخيرة بمجموعة من التقلبات الحادة، تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية. وهذا الوضع أجبر الأفراد والشركات على تبني استراتيجيات متنوعة للتحوط من المخاطر وحماية أصولهم، ومع ذلك، ومع حلول عام ٢٠٢٥م بدأت تظهر بوادر إيجابية، فوفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، شهد معدل التضخم السنوي في الحضر انخفاضًا ملحوظًا من ١٤.٩% في يونيو ٢٠٢٥م إلى ١٢.٠% في أغسطس من العام نفسه، وهو أدنى مستوى يتحقق منذ عامين، بالإضافة إلى ذلك، تراجع معدل التضخم الأساسي – الذي يستثني السلع الأكثر تقلبًا – ليبلغ ١٠.٧% مقارنة بـ ١١.٦% في يوليو، وهذا التحسن يعكس قدرة السياسات النقدية على ضبط الأسعار وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

أوضح أنه على صعيد الأفراد، احتل التحوط المالي مكانة بارزة، حيث ازداد الإقبال على الذهب بشكل كبير خلال عام ٢٠٢٣م مع ارتفاع الطلب بنسبة ٣٥%، واحتفظت هذه الظاهرة بزخمها في عام ٢٠٢٤م. إلا أن التحسن الأخير في معدلات التضخم أتاح الفرصة لعودة تدريجية نحو خيارات استثمارية أخرى مثل شهادات الادخار مرتفعة العائد، إذ حققت شهادات العائد ٢٧% و٣٠% أكثر من ٥٠٠ مليار جنيه خلال فترة قصيرة، مما عزز الثقة في النظام المصرفي كوسيلة آمنة للاستثمار.

وأكد أنه على مستوى الشركات، فقد واجهت تحديات كبيرة خلال السنوات الماضية بسبب الزيادات الحادة في تكاليف الإنتاج التي تجاوزت ٥٠% بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٤م. ومع ذلك، يبدو أن انخفاض معدلات التضخم في عام ٢٠٢٥م قد أتاح للشركات فرصة لاستعادة بعض السبل لتنويع مصادر التوريد وتوقيع عقود آجلة للمواد الخام. كما لجأت شركات أخرى إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة وتبني تقنيات التحول الرقمي لتحسين كفاءتها التشغيلية. وإلى جانب ذلك، تؤكد تجربة مصر بحلول عام ٢٠٢٥م أن التحوط لا يجب أن يكون نهجًا قصير المدى، بل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تأمين الاستقرار المالي للأفراد وضمان استمرارية النمو للشركات. ومع انخفاض معدل التضخم وتحسن عدد من المؤشرات العامة، تبدو المرحلة القادمة واعدة، بشرط الحفاظ على سياسات استباقية واعتماد مرونة استراتيجية لمواجهة أي تحديات مستقبلية.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق