في عام ٢٠١٦ أتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي علي برنامج للاصلاح الإقتصادي وعلى مدى السنوات الماضية مر البرنامج بمنعطفات كثيرة منها جوائح وحروب وقد تحدي المصريون خلال السنوات التسع الماضية الكثير من المعاناة علي أمل أن تنتهى هذه الفترة العصيبة اقتصاديا والتى كان من ابرز ملامحها هو التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولى فى شكل قروض تهدف الى دفع عجلة الانتاج و تحسين وتطوير مناخ الاستثمار المالى والاقتصادى .
كانت التخوفات لدى الشارع المصرى من آثار هذا الاقتراض على المدى البعيد وخاصة مع اشتراطات صندوق النقد برفع الدعم عن المحروقات وتحرير سعر الصرف مما ادى الى ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة .
ومع تأكيدات الحكومة على طمأنة الشارع المصرى على مقدراته الوطنية وبالفعل حدث ما كانت تطمح فيه الدولة المصرية من استقرار سعر الصرف واستقرار الاسعار رغم ارتفاعها الملحوظ الذى يشعر به جميع المواطنين مما دفع الدولة الى التصريح بوجود نيه لفك الارتباط بصندوق النقد الدولى .
"الجمهورية أون لاين" قامت باستطلاع آراء الخبراء فى المجال الاقتصادى حول طرق واليات وتأثير فك هذا الارتباط على الاقتصاد المصري وبالتالى انعكاساته على الشارع المصري .
تقول الدكتورة أمنية حلمي استاذ بقسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ان صندوق النقد الدولي يركز على مساعدة الدول في أوقات الأزمات المالية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وقروضه عادة ما تكون مرتبطة بإصلاحات سريعة وموجهة لمعالجة اختلالات الاقتصاد مثل سعر الصرف وعجز الموازنة ومن أبرز الإشكاليات المرتبطة بتعامل الدول مع صندوق النقد الدولي أن الحصول على قرض بقيمة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار غالبًا ما يكون مشروطًا بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية يأتي في مقدمتها تحرير سعر الصرف (التعويم) وطبعا ده يترتب عليه الارتفاع الحاد في الأسعار وما ينجم عنه من أعباء معيشية قاسية على المواطنين وبالتالي تراجع الثقة في العملة المحلية مما يدفع العديد من المصريين في الخارج إلى الإحجام عن تحويل مدخراتهم بالدولار عبر القنوات الرسمية وهو ما يؤدي إلى فقدان الدولة لعشرات المليارات من الدولارات من النقد الأجنبي طبعا بجانب الضغوط السياسية المعروفة .
أضافت أن هناك حديث يدور حول أن الحكومة تخطط لموازنة السنوات المقبلة بدون الاعتماد على قروض جديدة من الصندوق بعد انتهاء البرنامج الحالي في 2026/2027 إلا أن هذا لا يعني فك الارتباط نهائيًا أو إلغاء الاتفاقات القائمة.
قالت : لابد من اتخاذ اجراءات طويلة ومعقدة من أجل تنفيذ هذا الفك منها الحفاظ على مستوى الاستقرار الاقتصادى وزيادة الاستثمارات المحلية والاجنبية وسداد اقساط الدين بشكل مستمر واعتقد ان الحكومة جاده فى تنفيذ هذه الاجراءات جميعها .
القدرة على المنافسة
د . عمرو صالح :
يقول الدكتور عمرو صالح أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق أن صندوق النقد الدولي وضع الاقتصاد المصري كثاني أكبر اقتصاد على مستوى الدول العربية وأسرع اقتصاد ينمو في منطقة الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم لاسيما وأن الاقتصاد المصري لديه القدرة على المنافسة والتصدي للكثير من الأزمات ورأينا هذا جليا أمام جائحة كورونا.
واضاف أن الاقتصاد المصري لديه الإمكانيات التي تجعله يسير بشكل قوي رغم الأزمات والمشكلات والحروب التي يتعرض لها العالم بالكامل لكى تكون لدينا استقلالية اقتصادية تحتاج مصر إلى زيادة الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات لحدوث وفرة في العملة الأجنبية تمكن من سداد الديون وجذب استثمارات حقيقية فى قطاع الإنتاج
قال : كل المعطيات تقول إن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي وصلت لطريق مسدود وأنه لن يكون هناك تدخلات ولا شروط لصندوق النقد الدولي ولان يكون في رفع دعم ولا امور مفروضة علي الحكومة لابد ان تنفذها من اجل ان تأخذ شرائح القرض.
ارجع ان سبب إنتهاء العلاقة بين صندوق النقد الدولي والحكومة الي تأخر مصر في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية والتخارج من بعض الشركات والقطاعات المملوكة للدولة وهذا حدث عندما زار وفد صندوق النقد الدولي مصر منذ شهرين وقاموا بعمل مراجعته الدورية للاقتصاد المصري وعلي الرغم من تنفيذ الحكومة كل الشروط التي اتفقت عليها مع الصندوق الا ان الصندوق لم يسلم الحكومة الشريحة الخامسة من قرض الصندوق بسبب بند الطروحات الحكومية ووقتها قال الصندوق انه سيؤخرالمراجعة الخامسة من أجل ان تكون مع المراجعة السادسة .
أكد أن هذه الاجراءات جعلت الدولة تفكر في وقف التعامل مع الصندوق وبدأت الحكومة تقوم بعمل روشته لإصلاح الاقتصاد المصري سيتم الإعلان عنها قريبا والتى ستتضمن خطوات الاستمرار في تحسين إيرادات الاقتصاد المصري والاستمرار في المسار التصاعدي.
د. اسلام شاهين:
يقول الدكتور إسلام شاهين أستاذ الاقتصاد السياسى بكلية التجارة جامعة حلوان :رغم أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد خلال السنوات الماضية كانت قائمة على المشورة الفنية في المسائل الاقتصادية عبر برنامج تعاون يستهدف توفير أجواء مناسبة لإصلاحات هيكلية تدعم الاقتصاد الوطني إلا أن إعلان الحكومة عن استعداداتها لوضع رؤية لما بعد انتهاء علاقة التعاون مع صندوق النقد يمثل في حد ذاته إشارة قوية على تعافي مكونات الاقتصاد المصري وتجاوزه الأزمات التي كانت سببًا في التوقيع على اتفاق مع صندوق النقد.
أضاف : لا شك أن ما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري خلال السنوات الماضية كان محل إشادة وتقدير من كل المؤسسات الدولية في العالم يمكن البناء عليه عبر إستراتيجية جديدة تحافظ على ما تحقق من مكتسبات كبرى ونتائج إيجابية وتضع أسس انطلاقة تنموية جديدة تعتمد على مرتكزات ذاتية باتت قادرة لأن تكون قوة دفع للاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة دون الاعتماد على برامج وسياسات صندوق النقد التي غالبًا لا تراعى محددات معينة في الإصلاح الاقتصادي خصوصًا التداعيات الاجتماعية وزيادة الأعباء على محدودي الدخل.
أضاف :من هذا المنطلق تكتسب رؤية ما بعد صندوق النقد التي تعتزم الحكومة إعدادها لتحقيق انطلاقة تنموية خلال السنوات المقبلة أهمية كبيرة في تعظيم المكتسبات وتحقيق مستهدفات التنمية الشاملة. والحقيقة أن تجارب جميع الدول الناجحة في تحقيق النهضة يؤكد أن الإنتاج والتصدير هو فرس الرهان في سباق التقدم والنجاح ومصر لديها من الموارد والإمكانيات ما يؤهلها لتحقيق هذه المستهدفات خصوصًا بعد أن تخلص الاقتصاد من الخلل الهيكلي الذي كان مكبلًا لحركة التنمية الاقتصادية ولعل أبرزها عدم استقرار سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم.
قال أن الاحتياطي من النقد الأجنبي وصل إلى 49 مليار دولار كما انخفض معدل التضخم السنوي إلى 13.1% مقارنة بـ14.4% في الشهر السابق كما انخفض العجز في الميزان التجاري السلعي بنسبة 25% ليسجل 11 مليار دولار فقط في فترة 5 أشهر من يناير إلى مايو وهذا تطور كبير للغاية وقد تم تحقيق هذا الرقم ليس بسبب تقليل الواردات بل من خلال زيادة الصادرات المصرية.
أضاف: لقد بات واضحًا أن ما تحقق من مكتسبات اقتصادية جاء من خلال تحقيق قفزات كبيرة في بعض القطاعات التي أصبحت تشكل رافعة مهمة في الاقتصاد الوطني وهنا أشير إلى قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ولعل البناء على هذه النتائج في الرؤية الجديدة يمكن أن يساهم في تحقيق قفزات كبيرة خاصة في ظل تراجع سعر الفائدة بالبنوك وما يتوقع من انخفاضات متتالية خلال الشهور المقبلة إذ أن وجود سعر فائدة منخفض يعني تنشيط القطاعات الاستثمارية وخفض تكلفة الإنتاج مما يدعم القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية وبالتالي زيادة الصادرات وعوائدها الدولارية.
أضاف إن وجود رؤية واضحة وشاملة لمرحلة ما بعد فك الارتباط وضرب الفوضى التسعيرية في العديد من السلع الضرورية فلا يعقل أن يتراجع سعر الصرف ولا تتراجع الأسعار.. مشيراً الي إن وجود ظهير شعبي داعم للرؤية الجديدة للدولة لما بعد صندوق النقد يضمن لها النجاح والاستمرار وهذا الظهير لن يتشكل إلا حين يشعر المواطن أن الدولة تقوم بدورها في الرقابة على الأسواق وتوفر له احتياجاته بلا مغالاة. .
إن مصر عليها أن تنفذ برنامجاً يتجاوز مسألة التثبيت والتعامل مع الصدمات المباشرة مثل سعر الصرف والتضخم إلى مشكلات جذرية مثل استمرار عجز الموازنة أو أزمة الديون.
يقول الدكتور أحمد غنيم قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في تحول لافت في الخطاب الاقتصادي الرسمي أعلنت الحكومة المصرية "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية" كخريطة طريق بديلة لما بعد انتهاء اتفاقها مع صندوق النقد الدولي في 2026.
وبينما لا تعتزم مصر طلب قرض جديد تطرح هذه السردية تساؤلات حول جدية التوجه لفك الارتباط التدرجي مع سياسات وشروط الصندوق الدولي فهل تمثل هذه الإستراتيجية بداية لاستقلال اقتصادي فعلي أم مجرد إعادة تموضع تكتيكي في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية والتوترات الخارجية المتزايدة .
أن برامج صندوق النقد الدولي نجحت في معالجة بعض أعراض الأزمة الاقتصادية المصرية مثل استقرار سعر الصرف والانخفاض التدريجي في معدلات التضخم ومع ذلك وصف هذه النجاحات بأنها "مسكنات" لم تصل إلى الجذور الحقيقية للأزمة.
أن هناك سببين رئيسيين للأزمة الاقتصادية في مصر الأول ضعف دور القطاع الخاص والذي لم يتمكن من النمو بشكل كافٍ رغم المبادرات الحكومية مثل وثيقة ملكية الدولة وبرامج الطروحات والثاني ضعف الصادرات التي تعد أهم مصدر للعملة الأجنبية مما يترك الاقتصاد المصري معتمدًا على مصادر دخل ريعية مثل عائدات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج.
واكد على أن التحول إلى اقتصاد منتج يعتمد على التشغيل ثم الإنتاج ثم التصدير هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المستدام.
وعن كيفية وضع برنامج وطني شامل للإصلاح قال الدكتور السعيد بضرورة التركيز على السياسات التي عجز الصندوق عن تحقيقها وأكد على أهمية تحويل الدعم من عيني إلى نقدي لضمان وصوله إلى مستحقيه.
ودعا إلى ضرورة توفير حوافز للمستثمرين مثل تسهيل الحصول على الأراضي الصناعية وتطبيق مبادئ الحوكمة لتقليل البيروقراطية كما اقترح دعم الصناعات التنافسية التي تمتلك ميزات تصديرية مثل صناعات البتروكيماويات.
وفيما يتعلق بالسياسات الضريبية أكدعلى أهمية تحقيق الانضباط المالي دون إثقال كاهل المواطن من خلال دعم الصناعات الإنتاجية وتخفيف العبء الضريبي عليها مما يشجع على التوسع في الإنتاج والتصدير ويوفر بيئة استثمارية جاذبة.
اما عن مخاطر فك الارتباط مع صندوق النقد فقد قال أن أبرز هذه المخاطر هي احتمالية ظهور فجوة تمويلية خاصة مع التحديات الجيوسياسية الحالية التي تؤثر على الاستثمارات والسياحة. كما حذر من أن التراجع عن السياسات الإصلاحية التي تم تنفيذها بالتعاون مع الصندوق مثل سياسة سعر الصرف قد يؤدي إلى أزمة جديدة.. ومع ذلك أكد على أن استمرار مصر في هذه السياسات قد يجنبها الحاجة إلى برامج جديدة مع الصندوق.
ولإثبات قدرة مصر على الاستقرار في الأسواق الدولية دون دعم الصندوق قدم السعيد عدة مقترحات منها الاستمرار في السياسات التي أدت إلى الاستقرار وخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي وتوسيع قاعدة الصادرات المصرية. كما شدد على أهمية توجيه الاستثمارات الأجنبية خاصة الخليجية نحو المشروعات الإنتاجية بدلًا من الاقتصار على المشروعات العقارية.
اترك تعليق