أثبتت الدراسات العلمية وجود علاقة وثيقة بين الأنماط الغذائية ومستويات الالتهاب المزمن في الجسم، حيث يلعب الغذاء دوراً محورياً في تنظيم الاستجابة الالتهابية. رغم انتشار النصائح المتطرفة على منصات التواصل الاجتماعي تحت مسمى "الأنظمة المضادة للالتهابات"، إلا أن التعميم بتجنب مجموعات غذائية كاملة دون أساس طبي قد يضر أكثر مما ينفع. يبرز النظام الغذائي المتوسطي كنموذج مثالي يوازن بين المكونات الغذائية الصحية التي تساهم في تقليل الالتهاب المزمن، مع التأكيد على أهمية نمط الحياة المتكامل الذي يشمل التنوع الغذائي والنشاط البدني والنوم الجيد.
لفهم الأمر بشكل صحيح، يجب أولا إدراك أن الالتهاب ليس ضارا دائما، بل هو آلية دفاع طبيعية وحاسمة في الجسم. فعند التعرض لإصابة أو عدوى، يحدث الالتهاب الحاد الذي يوجّه الخلايا المناعية والعناصر الغذائية إلى مكان المشكلة لتسريع الشفاء. بينما الخطر الحقيقي يكمن في الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، الذي يستمر لفترات طويلة دون أعراض واضحة، ويرتبط بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري.
وأشارت الأبحاث إلى أن النمط الغذائي العام هو ما يحدث الفرق، وليس تجنب أطعمة معينة بمعزل عن غيرها. ويُعد النظام الغذائي المتوسطي نموذجا مثاليا لمقاومة الالتهابات، إذ يجمع بين الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات وزيت الزيتون، مع تقليل الأطعمة فائقة المعالجة. فهذه المكونات توفر الألياف ومضادات الأكسدة والدهون الصحية التي تعمل معا على تهدئة الالتهاب المزمن.
أما بالنسبة للنصائح المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، فبعضها له أساس علمي والبعض الآخر مبالغ فيه. على سبيل المثال، البروبيوتيك الموجود في اللبن الزبادي والكفير قد يساعد في تحقيق توازن بكتيريا الأمعاء وتقليل الالتهاب، لكن فعالية المكملات الغذائية ما تزال قيد الدراسة. أما الدعوة لتجنب الجلوتين ومنتجات الألبان لجميع الأشخاص دون سبب طبي، مثل الحساسية أو الداء البطني، فهي غير مدعومة بالأدلة العلمية. بل قد تحرم الجسم من عناصر غذائية مهمة، فمنتجات الألبان قد تكون مفيدة أو محايدة فيما يتعلق بالالتهاب.
الرسالة الأساسية هي أن الصحة تُبنى من خلال نمط حياة متكامل، لا عبر قوائم صارمة من "الممنوعات". التركيز يجب أن يكون على تنويع الأطعمة الطبيعية الملونة، تناول الأطعمة الكاملة، ممارسة النشاط البدني، النوم الجيد، وإدارة التوتر. هذه العادات مجتمعة هي أقوى وسيلة دفاعية ضد الالتهاب المزمن، دون الحاجة لاتباع نصائح متطرفة قد تكون مضرة أكثر مما تنفع.
اترك تعليق