تحل علينا الذكري الـ 26 لوفاة الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا، والتي رحلت عام 1999، عن عمر يناهز 84 عامًا.
تحية كاريوكا إحدي أبرز نجمات الفن المصري، ولدت تحية محمد علي النيداني عام 1915 في محافظة الإسماعيلية، انتقلت إلي القاهرة بحثًا عن فرصة فنية، وهناك اكتشفتها بديعة مصابني. التي ضمّتها إلي فرقتها عام 1935.
كانت بداية دخولها عالم السينما من خلال معرفتها بالفنان الكبير سليمان نجيب، الذي لعب دورًا مهمًا في حياتها، حيث ساعدها علي استكمال تعليمها في مدرسة فرنسية بعد أن لاحظ قدرتها الكبيرة علي نطق اللغة الفرنسية، رغم تركها الدراسة من أجل مساعدة أسرتها، كما علمها فن السولفاج الموسيقي، وكان سببًا في تعرفها علي الفنان نجيب الريحاني، الذي قدمت معه لاحقًا فيلمها الشهير "لعبة الست".
روت تحية كاريوكا في أكثر من مناسبة عن مدي الدعم الذي تلقته من الفنانة ماري منيب، التي اعتبرتها والدتها الثانية، وكذلك عن احتواء نجيب الريحاني لموهبتها، والذي ساعدها علي تجاوز توترها في أولي تجاربها التمثيلية، ورفع أجرها إلي 2500 جنيه، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت، رغم ترددها في البداية في الوقوف أمام الريحاني بسبب كونها راقصة ناشئة، إلا أن اليوم الأول من التصوير غيّر نظرتها إليه، فقد لمست فيه تواضعًا وتشجيعًا كبيرين، بعيدًا عن غرور النجوم الكبار.
كانت تحية كاريوكا ممثلة بارعة صاحبة حضور قوي، وقد وقفت أمام كبار النجوم مثل يوسف وهبي ونجيب الريحاني، كما عملت مع نجوم جيلها مثل شكري سرحان وعماد حمدي وغيرهم.
أول علامة فارقة في مسيرتها السينمائية جاءت من خلال فيلم "بنت الهوي" مع يوسف وهبي، كما كانت تري أن المسرح هو الفن الأقرب إلي قلبها، حيث تميز بالحضور اللحظي والتفاعل المباشر مع الجمهور، مؤكدة أن جميع من يعملون به يشبهون فريق كرة القدم في روح التعاون.
قدّمت تحية كاريوكا خلال مسيرتها نحو 200 عمل فني تنوّعت بين السينما والمسرح والتلفزيون، وتميّزت فيها بأدوار قوية تركت بصمة واضحة في تاريخ الفن المصري.
ففي السينما، بدأت كراقصة ثم برزت كممثلة بارعة في أفلام مثل: لعبة الست، شباب امرأة، شاطئ الغرام، إسكندرية كمان وكمان، السقا مات، سمارة، أم العروسة، الفتوة، ومع تقدمها في العمر، تألّقت في تقديم شخصية الأم باسلوب إنساني مؤثر، في أعمال بارزة مثل: خلي بالك من زوزو، أم العروسة، صباح الخير يا زوجتي العزيزة، الجراج، يا تحب يا تقب، وقد أسهمت هذه الأدوار في ترسيخ صورتها كفنانة متعددة المواهب قادرة علي التجديد والتنوع طوال مسيرتها الفنية.
قدمت أيضًا مجموعة من المسرحيات المهمة، بدأت مع الفنان إسماعيل ياسين، ثم أسست مع زوجها السابق فايز حلاوة فرقة "تحية كاريوكا المسرحية"، وقدمت من خلالها 18 مسرحية، من أبرزها: كل الرجالة كده، يا الدفع يا الحبس، حضرة صاحب العمارة، روبابيكيا، المعلمة، يحيا الوفد.
أكملت تحية كاريوكا مسيرتها الفنية بالمشاركة في عدد من الأعمال التلفزيونية، من بينها: سر الأرض، المنزل الخلفي، مخلوق اسمه المرأة، صابر يا عم صابر، حكايات هو وهي. القلوب عند بعضها وغيرها.
في خمسينيات القرن الماضي، قررت تحية كاريوكا اعتزال الرقص، والتفرغ للمسرح والأعمال الدرامية وبرحيلها، فقد الوسط الفني شخصية استثنائية أثرت وجدان الجمهور العربي علي مدي عقود، لكن إرثها الفني ما زال حيًا، يجعل من اسمها حكاية لا تنتهي.
كما تحل الذكري الثالثة لرحيل الفنان الكبير هشام سليم، الذي غاب عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2022، لكن حضوره لا يزال حيًّا في قلوب محبيه، وتبقي أعماله الفنية ومواقفه الإنسانية خالدة، تُروي وتُستعاد بكل حب وتقدير.
وُلد الفنان هشام صالح سليم في 27 يناير عام 1958 بمدينة القاهرة. وهو نجل رئيس النادي الأهلي الأسبق، صالح سليم، ونشأ في بيئة تجمع بين الفن والرياضة، الأمر الذي ساعده علي دخول عالم التمثيل في سن مبكرة.
تخرج في معهد السياحة والفنادق عام 1981، ثم أكمل دراسته الفنية في المعهد الملكي للفنون المسرحية بلندن، وهو ما منحه خلفية أكاديمية قوية دعم بها موهبته وساهم في تشكيل مسيرته الفنية المتميزة.
بدأ هشام سليم مسيرته الفنية في سني صغيرة، حيث كانت انطلاقته من خلال فيلم "إمبراطورية ميم" عام 1972، أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وقد حقق من خلال هذا العمل شهرة واسعة رغم صغر سنه، ونال أداءه إعجاب الجمهور والنقاد علي حد سواء.
وتوالت أعمال هشام سليم بعد انطلاقته المبكرة. متنقلاً بين السينما والتلفزيون والمسرح، حيث شارك في عدد من الأفلام البارزة مثل "الناظر" 2000. "أنت عمري" 2005، "خيانة مشروعة" 2006، وصولًا إلي فيلمه الأخير "موسي" عام 2021.
وبرز اسمه في العديد من المسلسلات التي شكّلت جزءًا من ذاكرة الدراما المصرية، من أبرزها تجسيده لشخصية "عادل سليم البدري" في مسلسل "ليالي الحلمية"، إلي جانب مشاركاته في "أرابيسك"، "هوانم جاردن سيتي"، "بين عالمين" 2017. "اختفاء" 2018، "كلابش 3" 2019، وأخيرًا مسلسل "هجمة مرتدة" 2021.
كما خاض تجربة الإعلام من خلال تقديمه برنامج "حوار القاهرة" عام 2012 علي قناة سكاي نيوز عربية، مما عكس تنوع مواهبه بين التمثيل والإعلام.
وكان له بصمة مميزة أيضًا علي خشبة المسرح، خاصة في مسرحية "شارع محمد علي"، حيث تألق في أداء شخصية "حمودة"، وكون ثنائيًا ناجحًا مع الفنانة شيريهان.
تزوّج الفنان هشام سليم مرتين.. الأولي من ميرفت النحاس وأنجب منها ثلاثة أبناء قبل انفصالهما، أما الثانية فكانت من السعودية نادية الغالب، بعد تعارف بدأ برسالة تعزية وتطور إلي زواج عند زيارتها لمصر.
رحل هشام سليم في 22 سبتمبر 2022 بعد صراع مع مرض سرطان الرئة، عن عمر ناهز 64 عامًا، ومنذ رحيله، حظي بتكريمات عدة أبرزها إطلاق اسمه علي دورة مهرجان الفضائيات العربية، فيما يبقي حاضرًا في وجدان جمهوره بما قدّمه من أعمال خالدة ومواقف إنسانية.
وتحل الذكري الـ 11 لوفاة الفنان الكوميدي يوسف عيد، أحد أبرز النجوم الذي رسم البهجة علي وجوه الجمهور رغم اقتصار أدواره علي مشاهد قصيرة في معظم أعماله.
استطاع عيد، بخفة ظله وموهبته الفطرية، أن يحجز لنفسه مكانة فريدة في قلوب المشاهدين، ليصبح واحدًا من علامات الكوميديا المصرية التي لا تُنسي.
ولد يوسف عيد في حي الجمالية بالقاهرة في نوفمبر عام 1948، التحق بالمعهد الأزهري وحصل علي الثانوية الأزهرية، لكنه لم يُكمل دراسته الجامعية، إذ جذبه شغفه بالفن والتمثيل منذ الصغر، بحث طويلًا عن فرصة لتحقيق حلمه، حتي جاءت انطلاقته الفنية وهو في السابعة والعشرين من عمره، من خلال مسرحية "نحن لا نحب الكوسة" عام 1975، ضمن فرقة "المسرح الجديد".
منذ تلك اللحظة، بدأ مشواره الفني يتخذ مسارًا ثابتًا، إذ شارك في عدد من الأعمال المسرحية، منها "انتهي الدرس يا غبي" و"حاول تفهم يا زكي"، ثم انتقل للعمل مع فرقة الفنانين المتحدين حيث شارك في مسرحيات "شارع محمد علي" و"علشان خاطر عيونك"، ونجح في أن يفرض وجوده رغم الوقوف إلي جوار نجوم كبار مثل فريد شوقي وشريهان وفؤاد المهندس.
وفي السينما، لم يكن يوسف عيد بطلًا أول، لكنه كان نجمًا من نوع خاص، كل ظهور له كان كافيًا لإشعال الضحك ولفت الأنظار، شارك في أكثر من 214 عملًا فنيًا، من أبرزها "الناظر"، "جعلتني مجرمًا"، "أضحك الصورة تطلع حلوة"، "بوبوس"، "اللمبي 8 جيجا"، "الحرب العالمية الثالثة"، "السفارة في العمارة"، "عصابة حمادة وتوتو". "ناس تجنن"، و"التجربة الدنماركية"، وغيرها من الأفلام التي حقق فيها حضورًا لا يُنسي.
في الدراما التليفزيونية، قدم يوسف عيد عددًا كبيرًا من الأدوار التي أحبها الجمهور، منها "تامر وشوقية"، "الكبير أوي"، "لحظات حرجة"، "ابن موت"، "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، "بكيزة وزغلول"، "الراجل العناب"، "إمبراطورية مين"، و"رأفت الهجان"، ورغم أن أدواره كانت محدودة، فإن تأثيرها كان مضاعفًا بسبب تلقائيته وقدرته علي الوصول إلي قلب المشاهد دون تكلّف.
وواحدة من أبرز سماته الفنية كانت موهبته في إلقاء المواويل والتواشيح، وهي موهبة صقلها منذ طفولته من خلال تلاوة القرآن وتعلمه علي يد الفقهاء خلال دراسته الأزهرية، قدّم عددًا من المواويل المميزة في أعماله، أبرزها "السلام بالأيد" في مسرحية شارع محمد علي، و"يا حلو يا اللي العسل" في فيلم التجربة الدنماركية، و"قلبي انشبك" في فيلم بوبوس، وموال "بوب مارلي" في فيلم الحرب العالمية الثالثة.
كما اشتهر يوسف عيد بإطلاق عدد من الإفيهات الساخرة التي أصبحت علامات كوميدية شهيرة في تاريخ السينما المصرية، منها: "أستاذ زكريا الدرديري مدرس رياضيات وفرنساوي لغاية ما يجيبوا مدرس فرنساوي "الناظر"، و"أضربك فين؟ "مفيش في وشك مكان"جعلتني مجرمًا.
في 21 سبتمبر عام 2014، توفي يوسف عيد عن عمر ناهز 66 عامًا إثر أزمة قلبية مفاجئة داخل منزله.
يوسف عيد كان نجمًا من نوع خاص، لا يبحث عن البطولة المطلقة، بل يصنع حضوره من الهامش، ويؤثر في الجمهور بما لا تفعله مشاهد طويلة أو أدوار رئيسية، في زمن كان فيه الضحك صناعة صعبة، كان هو ضحكة خفيفة تدخل القلوب دون استئذان.
اترك تعليق