شهدت سوق العمل المصرية خلال الربع الثاني من عام 2025، تغيرات ملحوظة في مؤشرات التشغيل والبطالة، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتعكس الأرقام صورة أكثر تفصيلا عن واقع القوى العاملة سواء من حيث معدلات التوظيف أو نسب البطالة بين مختلف الفئات العمرية والجغرافية والتعليمية، في الوقت الذى يسعى فيه الاقتصاد المصري إلى تعزيز فرص العمل وتحسين كفاءة سوق العمل وسط تحديات اقتصادية محلية وعالمية.
واستقر معدل البطالة خلال الربع الثانى من عام 2025 عند 6.1% المسجل خلال الربع السابق في حين تراجع بواقع 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالربع الأول، مقابل 6.6% في عام 2024، بحسب بيانات حكومية، وهو ما أرجعه الخبراء إلى استيعاب المشروعات القومية للعمالة، إذ بلغت قوة العمل في مصر حوالى 33.614 مليون فرد، وهي مقسمة ما بين 26.508 مليون بالنسبة للذكور و7.106 مليون للإناث، فيما سجل عدد المتعطلين 2.054 مليون متعطل بنسبة 6.1% من إجمالي قوة العمل بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
قال د. عطا عيد عطا عبدالرحمن، مدرس التمويل والاستثمار بكلية الإدارة والاقتصاد الدولي جامعة الصالحية الجديدة: دوما ما تشغل قضية البطالة أهمية كبيرة لدى صانع القرار الاقتصادي بل ولدى غالبية الشعب المصري، حيث إنها أحد أهم التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد المصري منذ فترات طويلة وإلى الآن لا سيما في ظل الارتفاع المتوالي في عدد السكان ومن ثم تزايد حجم قوة العمل القادرة والراغبة في العمل، حيث تعانى معظم دول العالم سواء المتقدمة والنامية من تلك المشكلة وذلك نظراً لما تعكسه من آثار عدة سلبية على أبعاد وجوانب عدة فى حياة الأفراد والمجتمعات من أخطرها انخفاض مستوى المعيشة وزيادة معدلات الجريمة وارتفاع نسبة الإعالة وتأخر سن الزواج فهي مشكلة مجتمعية عالمية لا يخلو منها أى مجتمع بشرى بصورة أو بأخرى، ومن ثم كان القرار الاستراتيجي من قبل القيادة السياسية بطرح وتنفيذ الدولة للمشروعات القومية التي استوعبت عددا كبيرا من العمالة سببا في انخفاض معدلات البطالة رغم الأزمة الاقتصادية العالمية القائمة ومن المتوقع استمرار معدل البطالة في الانخفاض متزامناً مع الازدياد في معدلات تنفيذ المشروعات.
أضاف: مع التأكيد على الحرفية المتميزة في اختيارات تلك المشروعات حيث لا يتم التركيز على قطاع اقتصادي بعينه دون باقي القطاعات وذلك باختيار حزمة القطاعات كثيفة العمالة ذات التأثير الأعلى على معدلات توفير فرص العمل كالنقل والمواصلات والزراعة والصناعة والبنية التحتية، فضلاً عن أن تلك الحزمة تتميز بأن كل قطاع منها يخدم قطاعاً آخر وذلك بهدف تحقيق والمحافظة على النمو المستهدف من قبل الدولة المصرية.
أوضح أنه رغم استيعاب تلك المشروعات لأعداد كبيرة من العمالة إلا أنها وحدها ليست كافية الأمر الذي يتطلب توفير حزمة من الإجراءات المتكاملة المساندة ومن أهمها تنشيط القطاع الخاص ليعمل بدوره لطرح المزيد من فرص العمل المتنوعة وكذا تعديل ثقافة التعليم من خلال إنشاء جامعات وكليات بتخصصات جديدة تتناسب مع سوق العمل الحديث فضلاً عن وضع آليات تشريعية مستقرة بشأن التشريعات والقرارات المتعلقة بالاستثمار لطمأنة المستثمرين بشأن الاستقرار التشريعي مع توفير تخطيط فاعل للقوى العاملة يتمثل في حصر وتقدير للقوى البشرية ثم تصنيفها واستغلالها وفقاً لخطة ممنهجة وتوجيهها بين القطاعات الاقتصادية المختلفة بقصد تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة فى أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة ممكنة.
أكد د. عمرو يوسف، خبير الاقتصاد والتشريعات المالية والضريبية، أن الدولة المصرية أطلقت مجموعة من المشروعات القومية استطاعت عبر سنوات مضت امتصاص عدد كبير من الأيادى العاملة داخل سوق العمل المحلية والتى تقدر بالآف في قطاع التشييد والبناء والمقاولات بجميع أطيافه، فرغم تعرض العالم لشبه ركود اقتصادي أدى إلى تزايد أعداد العاطلين عن العمل نتيجة الأحداث الاقتصادية والسياسية والتى أثرت على وتيرة الأعمال بالسلب إلا أن مصر رغم تأثر العالم الشديد بتلك المشكلات المتشابكة منذ أزمة كورونا ما زالت عجلة التنمية الاقتصادية تعمل وبكامل طاقتها، ما أدى إلى ازدياد فرص العمل للشباب في تلك القطاعات.
أضاف: من ناحية أخرى تقوم الدولة على فكرة تشجيع وتنمية العمل الحر من خلال عدة قوانين أهمها قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة والذي منح العديد من المزايا والفرص أمام الراغبين فى الدخول إلى سوق العمل الحر ففى سياق تلك المشروعات تعمل الدولة على خطة موزونة من خلال تقديم الدعم الفني والمالي للشباب عن طريق جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيمانا من الدولة بأهمية تلك الصناعات فى دعم النشاط الاقتصادي بمصر خاصة فيما يتعلق بحل جذري لمشكلة البطالة إضافة إلى ذلك تقوم الدولة بافتتاح العديد من المجمعات الصناعية الحديثة والتى تقوم وفق أحدث النظم لتتماشي مع تخطيط مدروس حيث يتم توفير عدة مصانع مصغرة لأصحاب الحرف والصناعات فضلا عن إيجاد فرص لخطط تسويقية لمنتجاتهم على غرار الأسر المنتجة والمشروعات الحرفية وغيرها لما تمتلكه مصر من مقومات عدة فى هذا الشأن.
أشار إلى أن الدولة تهتم في الوقت الحالى بتنمية الكوادر الشابة داخل المؤسسات والهيئات إيمانا منها بأهمية تنمية العنصر البشري ودعم جوانبه المعرفية من خلال تقديم العديد من الدورات التأهيلية والتدريبية لجعله أكثر قدرة للتعامل مع بيئات العمل المختلفة ودعمهم في إمكانية تقلدهم مناصب قيادية فى أماكنهم.
أوضح أنه يمكن دراسة مدى إمكانية وضع مادة علمية تدرس فى نهاية الدراسة بجميع أنواع التعليم الجامعى لإدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل مبسط حتى يكون للخريج اختيار أحد مسارين إما الطريق التقليدى أو اختيار طريق العمل الحر من خلال تملكه لمشروع ضمن المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
أوضح النائب إيهاب منصور وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، ان استقرار معدل البطالة رغم الأزمات التي تواجه الاقتصاد إلى ثقافة المواطن المصري للإقبال على شغل أي وظيفة حتى ولو خارج مجال دراسته العلمية بهدف توفير عائد يعينه على المعيشة وهو ما يساعد على استقرار معدلات التوظيف بصفة عامة.
أضاف أن إقبال الشباب المصري على شغل وظائف خارج تخصصهم الدراسي يتطلب ضرورة تعديل ثقافة التعليم من خلال إنشاء جامعات وكليات بتخصصات جديدة تتناسب مع سوق العمل الحديث وفي الوقت نفسه تعديل إجراءات التنسيق الخاصة بدخول الجامعات لتشجيع الشباب للإقبال على هذه التخصصات الحديثة لتشغيل المزيد من الشباب وخفض معدلات البطالة.
لفت إلى ضرورة تعديل آلية تحديد الأعداد المقبولة بالكليات وربطها بالاحتياجات الحقيقة لسوق العمل مستدلا على حديثه بأن أعداد القبول بكليات الهندسة تصل إلى 35 ألف طالب ويحتاج سوق العمل نحو 25 ألف مهندس فقط ما يتطلب ضرورة النظر في إعادة توزيع الطلاب على الكليات والمعاهد المناسبة من أجل العمل على خفض البطالة والقضاء على الفجوة بين التعليم وسوق العمل.
أشار إلى أنه رغم استيعاب المشروعات القومية لأعداد كبيرة من العمالة إلا أنها وحدها ليست كافية لاستيعاب الخريجين سنويا ما يتطلب ضرورة تنشيط القطاع الخاص ليعمل بدوره لطرح المزيد من فرص العمل المتنوعة، لافتا إلى أن الحكومة تولي أهمية في الوقت الحالي بتوسيع مشاركة القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد.
وتستهدف الحكومة زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد ليصبح 60% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في الوقت الحالي بحسب تصريحات سابقة للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
قال د. حسين عيسى رئيس جامعة عين شمس ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب سابقا، ومنسق المجلس التخصصي الرئاسي للتنمية الاقتصادية، إن استقرار معدل البطالة في مصر يأتي نتيجة استيعاب المشروعات القومية أعداد ضخمة من العمالة وكذلك العمالة المسرحة من قطاعات أخرى إضافة إلى ارتفاع صادرات مصر السلعية غير البترولية وكذلك الصناعات التحويلية ما يعد مؤشرا على نشاط الإنتاج الصناعي ومن ثم استيعاب المزيد من العمالة وارتفعت صادرات مصر غير البترولية لتصل إلى 29.1 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025 مقابل 24.4 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضى.
أشار إلى أن جائحة فيروس كورونا تسببت في وضع حلول مؤقتة لتخفيض تكلفة العمالة بدلا من تسريحها مثل العمل لساعات محددة وهو ما يؤثر على انخفاض الأجور ولكنه لا يؤثر على معدل البطالة، مشيرا إلى أن القطاع غير الرسمي يستوعب أعدادا كبيرة من العمالة من الصعب حصرها ولكن جهاز الإحصاء يرتكز على البيانات الرسمية المتاحة من القطاعين العام والخاص.
لفت إلى أن هناك عامل مهم آخر وراء استقرار معدل البطالة في مصر وهو عملية الإفصاح عن بيانات العمالة والتي يشوبها عدم الدقة في الأجل القصير بخلاف أن هناك بطالة لا يتم رصدها وهي الممتدة خلال فترة تغيير الوظائف.
وشدد على ضرورة أن تعمل الحكومة على زيادة معدلات التشغيل من خلال القطاع الخاص عبر استيعاب القطاع غير الرسمي وتقديم تسهيلات وحوافز للقطاع الخاص الرسمي وتوفير التمويل للمشروعات من خلال تقليل الجهاز المصرفي من عمليات شراء الدين الحكومي في سبيل تقديم ائتمان للقطاع الخاص الإنتاجي والخدمي لاستيعاب أكبر عدد من العمالة.
قالت د. يمن الحماقى، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد الاسبق بجامعة عين شمس، إن السبب الرئيسى فى تراجع نسبة البطالة أو استقرارها يرجع إلى منح فرص عمل في المشروعات القومية الكبرى خاصة فى الفترة الأخيرة إذ ركزت الدولة على الاستثمارات بشكل رئيسي ومشروعات البنية الأساسية ومشروعات البناء والنقل والتعليم وغيرها، وهذه مشروعات جيدة جدا لكن فرص العمل التي توفرها لا تحقق التنويع في هيكل القوى العاملة، بمعني اننا سوف نجد بطاله هيكلية ما زالت عالية واذا خفضنا معدل البطالة ولكن ما زالت بطالة الشباب والمرأة مرتفعة فهذا يعني اننا مازال امامنا الكثير من الجهد حيث توجد مشكلة فى مؤشر التنافسية العالمية يضعنا في وضع متأخر جدا في مرونة سوق العمل بمعنى ان الخريجيين ما زال لا يتوفر لهم المهارات المطلوبة لمواكبة احتياجات سوق العمل رغم أن مصر تشهد حاليا طفرة كبيرة في مجال المدارس التكنولوجيا والتطبيقية و النوعية بالتعاون مع المصنعين في المجالات المهمة مثل مجال الذهب تكنولوجيا المعلومات.. حيث انه مجال واعد جدا لايجاد فرص عمل للشباب ولكن بشرط تهيئة المهارات لانه لازالت المهارات لدينا مستواها ضعيف اقل مما يجب.
أضافت أنه لا بد من إعادة هيكلة الإنفاق العام وإعادة هيكلة التوجه الاستثماري وبناء البشر فلدينا فرصه ذهبية كبيرة في حياة كريمة ولكن نحتاج إلى توجيه الاستثمارات بشكل مختلف بعدم وضعها في البنية التحتية أو الأساسية فقط رغم أهميتهما ولكن عند وضعها في بناء قدرات وإتاحة فرص عمل وإعادة هيكلة المناطق الصناعية في المحافظات والمناطق الفقيرة ستكون له أهمية أكبر بكثير لأن لدينا عجز كبير في الإنفاق العام وذلك بسبب الدين الداخلي وبالتالي لا يوجد حل في المرحلة القادمة إلا تزويد الطاقات الإنتاجية ومواجهة مشكلة البطالة تكون أساسها بناء القدرات فمن المهم التركيز عليه في المرحلة القادمة هو بناء قدرات الشباب والمرأة.
اترك تعليق