لم يكن يعلم الحاج أحمد عبدالصبور أن لحظة الوداع الأخيرة لابنه النقيب محمود عبدالصبور الشكلي، ستكون الوداع الحقيقي للحياة نفسها. ففي ذلك اليوم، لم يُغلق الباب على ابنٍ ذاهب لمأمورية أمنية فقط، بل أُغلق على آخر ما تبقى من الروح في جسد أبٍ فقد كل شيء، ولم يتبق له سوى الدعاء والدموع.
محمود لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان آخر فرحة في منزل مكلوم؛ الابن الأصغر الذي احتمل الأب لأجله مصاب فقدان الابن الأكبر في حادث مأساوي، ثم الابن الأوسط بعد صراع مع المرض.. ليبقى "محمود" النور الأخير الذي اختطفه رصاص الغدر في لحظة غدر أثناء أداء الواجب.
في القضية رقم 1274 / 2025 جنح مركز شرطة طيبة، والمقيدة برقم 765 لسنة 2025 كلي الأقصر، قرر المستشار أحمد صلاح الدين الخازندار محامٍ عام الأقصر الكلية، إحالة المتهمين في واقعة استشهاد النقيب محمود عبدالصبور سعد الشكلي، إلى محكمة جنايات الأقصر، بعدما اتهمتهم النيابة العامة وهم: صبحي رضا توفيق صابر - محبوس، السن 44 سنة، المهنة عامل أجري، مقيم بالزينية قبلي مركز طيبة محافظة الأقصر؛ و نادر رضا توفيق صابر - هارب، السن 27 سنة، لا يعمل، مقيم الزينية قبلي؛ و أحمد رفعت عبد الهادي أحمد - محبوس، السن 24 سنة، لا يعمل، مقيم الزينية قبلي؛ و رشاد ربيع رضا توفيق - هارب، السن 16 سنة، طالب، مقيم الزينية قبلي؛ و نجلاء عبد القادر أحمد إبراهيم - هاربة، السن 33 سنة، لا تعمل، مقيمة الزينية قبلي.
والمتهمون جميعًا، وحال كون الرابع منهم طفلاً، في 28-3-2025، حينما قاوموا، واثنين آخرين ثبت وفاتهما بعد مقتلهما على يد قوات الشرطة، وآخرون مجهولون، بالقوة والعنف الموظفين العموميين المجني عليهم، وهم: النقيب محمود أحمد عبدالصبور سعد الشكلي المقيم بناحية نجع أبو عديل بقرية دنفيق مركز نقادة محافظة قنا، والنقيب عمر أسامة علي علي عفيفي، والملازم أول مايكل رفيق رفعت، وأمين شرطة محي أحمد حساني، والخفير محمد فتحي الدندراوي، والخفير عاطف عبد الرسول حسين، والخفير حساني عمار محمود، حال قيامهم على تنفيذ قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960، وذلك بقصد حملهم، بغير حق، على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم، وهو ضبط المتهم الأول متلبسًا بجريمته محل الوصف التالي: بأن قام المتهم ربيع صبحي رضا - ثبت وفاته - بجذب السلاح الناري الأميري الخاص بالمجني عليه النقيب محمود عبدالصبور الشكلي وأطلق صوبه عيارًا ناريا أحدث إصابته التي أودت بحياته، وكان ذلك حال قيام المتهمين جميعًا بالتعدي على المجني عليهم من الثاني إلى السابع بالضرب، حال حمل المتهمين من الثاني للرابع أسلحة بيضاء عصي شوم، وقد بلغوا مقصدهم بأن تمكن المتهم الأول بالهرب، وذلك على النحو المبين بأوراق القضية.
المتهم الأول أيضًا أحرز جوهراً مخدراً "حشيشًا" بقصد الاتجار، وفي غير الأحوال المصرح بها قانونًا، كما أحرز بغير ترخيص سلاحين ناريين غير مششخنين (فرد خرطوش، بندقية خرطوش بغير ترخيص) وأحرز ذخائر عشر طلقات مما تستعمل على السلاحين الناريين آنفي البيان، دون أن يكون مرخصًا لهما في حيازته أو احرازه، وأحرز سلاحًا أبيض – سكين – دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورتين المهنية والحرفية. كما أحرز بواسطة المتهمين من الثاني للرابع أسلحة بيضاء عصي شوم مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورتين المهنية والحرفية.
وتضمنت قائمة أدلة الثبوت أقوال الشاهد الأول عمر أسامة علي علي عفيفي (30 سنة، نقيب شرطة، معاون مباحث مركز شرطة طيبة)، الذي شهد بأنه على إثر ما ورد إليه من معلومات من مصدره السري مفادها قيام المتهم الأول بالاتجار في المواد المخدرة، وحال كونه مطلوب ضبطه وإحضاره في الجناية رقم 949 لسنة 2024 جنايات مركز شرطة طيبة، انتقل رفقة الشهود من الثاني إلى الثامن والمجني عليه الأول النقيب محمود عبدالصبور الشكلي إلى حيث أخبره مصدره السري، وبالوصول أبصر المتهم محرزًا المواد المخدرة المضبوطة، فتمكنوا من ضبطه وأياها، وبتفتيشه عثروا على الهاتف المحمول المضبوط، وحال اقتياده إلى سيارة الشرطة، قام المتهمون من الثاني إلى الخامس باعتراضهم، حال إحرازهم أسلحة بيضاء – عصي شوم – وقاوموهم بالقوة والعنف لحملهم على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهم، ألا وهو ضبط المتهم الأول متلبسًا بجريمته، بأن تعدوا عليهم ضربًا مستخدمين في ذلك تلك الأسلحة البيضاء، وحال ذلك قام آخر – ثبت وفاته على يد قوات الشرطة – بمغافلة الضابط المجني عليه الأول، وانتزع سلاحه الناري الأميري وأطلق منه عيارًا ناريًا صوبه أستقر برأسه، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي، والتي أدت إلى استشهاده، وذلك حال تواجد باقي المتهمين على مسرح الجريمة للشد من أزر بعضهم البعض ومنع المجني عليهم من أداء عملهم بالقوة والعنف، وقد بلغوا من ذلك مقصدهم بأن تمكن المتهم الأول من الهرب.
وأضاف أن تلك الأفعال السابقة أدت إلى استشهاد الضابط المجني عليه الأوّل، وأضاف بأنه نفاذًا لقرار الضبط والإحضار الصادر بشأن المتهم الأوّل رافق الشاهد التاسع حال ضبطه له، وبتفتيشه عثر بحوزته على المضبوطات، وعزا قصده منها إلى الدفاع عن النفس.
وتضمنت أدلة الثبوت أيضًا أقوال الشاهد الثاني مايكل رفيق رفعت عبد المسيح (25 سنة، ملازم أول شرطة، معاون مباحث مركز شرطة طيبة)، الذي شهد بذات ما شهد به سلفه، وكذلك أقوال الشاهد الثالث المعتصم رمضان بغدادي عبد القادر (33 سنة، رائد شرطة، رئيس مباحث مركز شرطة طيبة)، وشهد بذات مضمون ما شهده سابقاه، وكذلك أقوال الشاهد الرابع محمد فتحي الدندراوي عبد المالك (32 سنة، خفير نظامي بمركز شرطة طيبة)، مقيم الصعايدة، الش المدرسة القديمة مركز الأقصر، وشهد بذات مضمون ما شهده سابقوه، والشاهد الخامس عاطف عبد الرسول عبد الباسط حسين (50 سنة، خفير نظامي بمركز شرطة طيبة، مقيم الزينية قبلي مركز طيبة – الأقصر)، وشهد بذات مضمون ما شهده سابقوه، والشاهد السادس حساني عمار محمود أحمد (32 سنة، خفير نظامي بمركز شرطة طيبة مقيم الزينية بحري – طيبة الأقصر)، وشهد بذات مضمون ما شهده سابقوه، والشاهد السابع محي أحمد حساني أحمد (45 سنة، أمين شرطة بمركز شرطة طيبة مقيم الخرائقة غرب مركز قوص قنا) وشهد بذات مضمون ما شهده سابقوه، والشاهد السابع عنتر عبده حامد عرابي (46 سنة، خفير نظامي بمركز شرطة طيبة مقيم الزينية قبلي – طيبة – الأقصر)، شهد بذات مضمون ما شهده سابقوه، والشاهد التاسع علي طاهر علي محمود (48 سنة، عميد شرطة مفتش مباحث بمديرية أمن الأقصر)، وشهد بأن تحرياته السرية حول الواقعة توصلت إلى صحة ما شهد به سالفا، معزياً قصد المتهمين مما ارتكبوه من أفعال مقاومة الضباط والأفراد المجني عليهم بالقوة والعنف واستخدام الأسلحة البيضاء لمنعهم من القبض على المتهم الأول متلبسًا حال احرازه للمواد المخدرة المضبوطة، مما نتج عنه وفاة المجني عليه الأول النقيب محمود عبدالصبور الشكلي، وقد بلغوا من ذلك مقصدهم بأن تمكن المتهم الأول من الهرب. وأضاف بقيام أحد ضباط مركز شرطة طيبة بضبط المتهم الثالث نفاذًا لأمر الضبط والإحضار الصادر من النيابة العامة بالواقعة محل التحقيقات.
من ملاحظات النيابة العامة أنه ثبت بتقرير المعمل الكيماوي أن المضبوطات عبارة عن عدد ٧ سبعة قطع وزنت جميعًا باللاصق 708 جرامًا وعشرون سنتيجرام؛ ثبت أن مادة القطع جميعًا حشيش، وبتقرير الأدلة الجنائية أن المضبوطات عبارة عن بندقية خرطوش أجنبية الصنع وجدّت كاملة وسليمة وصالحة للاستخدام، وسلاح ناري يدوي محلي الصنع وجد كامل وسليم وصالح للاستعمال، وعدد خمس طلقات كلاً منها كاملة الأجزاء غير مطرقة الكبسولة مما تستخدم على الأسلحة النارية الخرطوش عيار 12 وكلا منها سليمة وصالحة للاستخدام وتستخدم على السلاح الناري – البندقية الخرطوش – آنفي البيان.
كما ثبت بتقرير الطب الشرعي إصابة المجني عليه الأول النقيب محمود عبدالصبور الشكلي بالوجه، هي إصابة نارية حيوية حديثة، حدثت من مقذوف ناري مفرد، تعذر تحديد عياره لعدم استقراره بالجثة، وقد أُطلق من مسافة قريبة تقدر بحوالي أقل من نصف متر، وفي اتجاه من الأمام، مع الأخذ في الاعتبار أن الرأس جزء متحرك حول محور الجزع الثابت، مع جواز حدوث إصابة المجني عليه الأوّل النارية بالوجه والنافذة بالرأس من السلاح النّاري محل الحرز المرسل، الطبنجة الأميري ماركة “9 مم” والتي وجدت سليمة وصالحة للاستخدام ومسبق إطلاق بها في زمن معاصر لتاريخ الواقعة، كما يجوز حدوث إصابته من مثل الأعيرة النارية عيار 9 مم.
وتضمنت ملاحظات النيابة العامة بفحص الذخيرة المرسلة عدد 14 طلقة تبين أنها صالحة وسليمة وتستخدم على السلاح الناري الأميري آنفي البيان، كما تبين جواز حدوث إصابة المجني عليه الأوّل وفق ما جاء على لسان الشاهد الأول بتحقيقات النيابة العامة الواردة بمذكرة النيابة العامة في تاريخ معاصر تاريخ الواقعة المثبت، هذا، وتعزى الوفاة إلى العيار الناري بالوجه والنافذ بالرأس وما أحدثه من كسور فقديه متفتته بعظام الجمجمة والوجه وتهتكات بالمخ ونزيف دموي إصابي بالمخ أدى إلى حدوث توقف بالمراكز الحيوية والوفاة.
وتضمنت ملاحظات النيابة العامة ما أقر به المتهم الأول حال استجوابه بالتحقيقات بإحرازه للسلاح الناري المضبوط – فرد يدوي محلي الصنع – وعدد ثلاث طلقات خرطوش، وكذلك قيام كلا من المتهم الثاني والمتهمين الآخرين – الذين ثبت وفاتهم وآخرين من أهالي البلدة لا يتذكر أشخاصهم – بمقاومة المجني عليهم بالقوة والعنف، وقيام أحدهم بجذب السلاح الأميري للمجني عليه الأول إذ أعطاه للآخر، والذي أطلق منه عيارًا ناريًا قبله أودى بحياته، وذلك لمنعهم من ضبطه، وتمكنوا من بلوغ مقصدهم بأن تمكن من الهرب، كما أقر بإحرازه للسلاح الأبيض المضبوط – سكين.
وبعد تداول القضية بمحكمة جنايات الأقصر، قضت المحكمة حضورياً للأول والثالث وغيابياً للثاني والرابع والخامس، وبإجماع آراء أعضائها بمعاقبة كل من صبحي رضا توفيق صابر و نادر رضا توفيق صابر و أحمد رفعت عبد الهادي أحمد و نجلاء عبد القادر أحمد إبراهيم بالإعدام شنقًا، لما أسند إليهم، ومصادرة المضبوطات، وألزمتهم بالمصاريف الجنائية. كما قضت بمعاقبة الطفل المتهم رشاد ربيع رضا توفيق بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليه.
أصدر الحكم المستشار باسم عبد المنعم دسوقي رئيس محكمة جنايات الأقصر، بعضوية كل من المستشار محمد سمير الطماوي والمستشار محمد فتحي بدر، وبحضور زياد عبد الغني وكيل النائب العام، وأمانة سرّ مصطفى العمدة وحسن عبد الراضي.
ترجع تفاصيل الواقعة إلى 28 مارس الماضي حينما قامت قوة أمنية بشن حملة مكبرة لضبط المتهم صبحي رضا توفيق صابر المقيم بناحية الزينية قبلي مركز طيبة؛ لقيامه بالاتجار في المواد المخدرة، إلا أن المتهم الأول وباقي المتهمين قاموا بالتعدي على القوات لمنعها من ضبط المتهم الأول، الذي قام بالاستيلاء على سلاح النقيب محمود عبدالصبور الشكلي وأعطاؤه لمتهم آخر، وحال قيام الضابط بمواجهة المتهمين أطلق أحدهم طلقة نارية أصابت النقيب محمود عبدالصبور، ما أدى إلى استشهاده. وقامت القوات بمطاردة المتهمين ونجحت في تصفية العنصرين الإجراميين الذين تسببا في استشهاد الضابط، كما تمكنت من ضبط اثنين من المتهمين الذين قاموا بالاعتداء على القوات وتحديد هوية ثلاثة متهمين آخرين لا يزالون هاربين. وبعد التحقيقات أمر المحامي العام لنيابة الأقصر الكلية بإحالة القضية إلى محكمة جنايات الأقصر، والتي أصدرت حكمها المتقدم برئاسة المستشار باسم عبد المنعم دسوقي، الذي عرف عنه أحكامه الرادعة التي تهتز لها أروقة المحكمة.
جدير بالذكر أن خبر استشهاد النقيب محمود عبدالصبور الشكلي كان يمثل سقوط آخر أعمدة البيت الوحيد المتبقي للحاج أحمد عبدالصبور، والد الشهيد. في ذلك المنزل بقرية دنفيق، كان يجلس رجل ستيني، متهالك الجسد، متجمد النظرات، كأن الحياة توقفت عنده منذ زمن طويل. لم يكن فقد محمود هو الصدمة الأولى، بل كانت الضربة الثالثة.
قبل سنوات، كان منزل الحاج أحمد عبدالصبور الشكلي، يعج بالحياة، بالأبناء الثلاثة الذين كانوا زينة عمره، الابن الأكبر، شاب قوي، طموح، يعشق المغامرة، كان يرى العالم بعيون مفعمة بالأمل. لكن القدر كان أسرع منه، ففي أحد الأيام، انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، حيث رحل الابن الأكبر في حادث سير مروع.
تلقى الأب الخبر كالصاعقة، لم يصدق، ظل يردد: "لا يمكن.. ابني بخير، كان معي قبل ساعات!". وحين رأى جثمانه، شعر أن قلبه يُسحب من صدره، لكنه، كأي أب صابر، احتسبه عند الله.
بعد أن حاول أن يعيد ترتيب حياته، وأن يحمي ولديه الآخرين من غدر الزمن، جاءت المصيبة الثانية، ابنه الأوسط، كان شابًا طيب القلب، مليئًا بالحياة، لكنه بدأ يشعر بآلام غريبة في صدره، زار الأطباء، خضع للعلاج، لكن المرض لم يكن يرحم، كان يخطفه ببطء.
في تلك الليلة المشؤومة، في أحد مستشفيات القاهرة، كان الحاج أحمد جالسًا بجانب سرير ابنه، يمسك بيده، يهمس له بآيات القرآن، يعده بأنه سيعود معه إلى المنزل، لكنه لم يكن يعلم أن هذا الوعد لن يتحقق أبدًا، فجأة، توقفت الأجهزة عن إصدار أصواتها، توقف القلب النابض، وتوقف كل شيء.
مرة أخرى، وقف الأب أمام جثمان ولده، لكن هذه المرة، لم يكن هناك دموع.. كان هناك فقط صمت طويل، كأنه أدرك أن هذه الحياة لم تترك له سوى الألم.
لم يكن محمود مجرد الابن الأصغر، بل كان كل ما تبقى من الأمل، كان ضابط الشرطة الشجاع، الرجل الذي كان يمسح عن والده دموع الحزن، ويخبره أن العدالة ستنتصر دائمًا.
لكن الحياة لم تمنحه فرصة ليكمل وعوده.. ففي ليلة الهجوم المسلح، جاء الخبر كالنصل القاطع: "النقيب محمود استشهد".
عندما رأى الأب جثمان ولده ملفوفًا بعلم مصر، شعر بأن شيئًا ما قد انكسر داخله، شيئًا لن يُصلحه الزمن.
لم يكن يوم جنازة محمود يومًا عاديًا، بل كان يومًا اهتزت له القلوب، خرجت الآلاف من قريته ومن القرى المجاورة ومن كافة أنحاء محافظتي قنا والأقصر، رجالًا ونساءً، شيوخًا وأطفالًا، ليودعوا الشهيد، مشهد مهيب، جثمان ملفوف بعلم مصر، يسير في جنازة عسكرية رسمية، تتقدمها قيادات أمنية وزملاء الشهيد، فيما كانت الهتافات تملأ الأجواء: "لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله!"
في مقدمة الجنازة، كان الأب يسير بلا دموع، بلا صوت، فقط خطوات ثقيلة، كأنه يحمل على كتفيه جبالًا من الألم.
كانت العيون تغرق في الدموع، والأيادي مرفوعة بالدعاء، والأصوات تهتف باسم البطل الذي لن يُنسى، زملاؤه الذين قاتلوا إلى جانبه، وقفوا في صمت، أعينهم مليئة بالحزن، وقلوبهم تضج بالقسم: "سنكمل الطريق يا محمود، لن ننسى دمك الطاهر."
وعلى وقع التكبيرات، وري جثمان الشهيد الثرى، لكن اسمه لم يدفن معه، بل بقي خالدًا، محفورًا في قلوب الجميع، رمزًا للفداء، ورجلًا لن يطويه النسيان، وتحول سرادق العزاء إلى ساحة مفتوحة تستقبل المعزين الذين كان في مقدمتهم محافظي قنا والأقصر ونوابهم، ومدير أمن قنا ومدير أمن الأقصر والعديد من القيادات التنفيذية والأمنية وأهالي محافظة قنا والمحافظات المجاورة.
يقول والد الشهيد: "ابني محمود كان قلب هذا البيت، كان كل ما تبقى لي بعد أن فقدت أولادي الآخرين. كان دائماً يكرر لي: 'يا أبي، سأجعلك تفتخر بي.' وها هو اليوم قد رحل، لكنه ترك لي فخراً لا يموت. كنت أظن أنني أصبحت قوياً بعد فقدان ولدي الأكبر والأوسط، لكنني أدركت الآن أنني لم أكن مستعداً لهذه الضربة الأخيرة. لقد فقدت كل شيء، لكنني فخور لأن ابني مات واقفاً، بشرف، من أجل وطنه. كان محمود رجلاً لم يعرف الخوف يوماً، عاش بشرف ومات بشرف. كان حلمه الوحيد أن يرى وطنه آمناً، وها هو الآن في جوار ربه، لكنه لن يغيب عن قلوبنا أبداً، سيظل حياً في كل ذرة من تراب هذا الوطن."
وأشاد والد الشهيد بحكم المحكمة الرادع، معبراً عن أمله في أن يكون ذلك درساً لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن أو الاعتداء على رجال الشرطة الشجعان.
ويقول عم الشهيد، العمدة شحات مختار:
"محمود لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رجلاً لا يعرف الخوف. كان يضحك دائماً ويقول: 'إذا كان الموت مكتوباً، فليكن في سبيل الله.' اليوم، رحل محمود، لكن صوته لا يزال في أذني، وضحكته لا تزال محفورة في ذاكرتي. هذا الوطن لن ينسى أبطاله، ونحن لن ننسى محمود أبداً."
وأشاد عم الشهيد بحكم المحكمة الرادع، مؤكداً أن العدالة هي السلاح الحقيقي في مواجهة الجريمة وأن مثل هذه الأحكام تعزز الثقة في نظام العدالة وتعطي رجال الأمن دفعة قوية للاستمرار في عملهم البطولي.
اترك تعليق