يأتي الحكم بمعني القضاء. ومنه الحكم بين المتخاصمين. ويأتي بمعني الفقه والعلم. وقد جاء في القرآن بهذين المعنيين. قال تعالي: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ "الممتحنة: 10" وقال تعالي: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ "النمل: 78" وهذا بمعني القضاء.
وقال تعالي: يَا يَحْيَي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا "مريم: 12". وقال تعالي: وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا "الأنبياء: 74".. وهذا بمعني الفقه والعلم.
أما الحكمة فهي توفيق العلم بالعمل ووضع الشيء في محله.. جاء في لسان العرب الحكم عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.. قال تعالي: ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وقال أيضاً: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ.
وقد يأتي الحكم محتملاً المعنيين معا: القضاء والحكمة. ولا يمنع أن يكون المعنيان مرادين معاً. ضمن ما يسمي بالتوسع في المعني كما في قوله تعالي: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا فهذا يحتمل معنيي القضاء والحكمة: أي فاصبر لقضاء ربك فإن ذلك لحكمة أرادها» ومنه قوله تعالي: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا» فقد آتاهما القضاء والحكمة.
والحكمة تأتي عن طريقين: التعليم وإيتاء الله إياها لعبد من عباده.
أما الحكم فقد ذكر أنه مما يؤتي ولم يذكر أن مما يُعَلَّم.. قال تعالي: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وقال: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.. وسمي القرآن حكمة. قال تعالي: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَي إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وعطف الحكمة علي الكتاب. وذكر أنه سبحانه أنزلهما علي رسوله فقال: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَم.. وقال تعالي: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ فقد ذكر أن الحكمة مما يُتلي. والذي يتلي هو القرآن وليس شيئاً آخر وسماه حكما أيضاً قال تعالي: وَكَذَ?لِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا "الرعد: 37". ولم يذكر أنه علّم أحدًا الحكم. وإنما يذكر أنه آتاه الحكم أو وهب له ذلك قال تعالي: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَي آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا.. فالحكم أوسع دلالة من حيث إنه يجمع بين معنيين "القضاء والفقه".
والحكمة أوسع من حيث إنها تُعلَّم وتُؤتي فهي مما يحتاج إلي "التلبث والتعلم" فزاد في بنائها لذلك،
والله تعالى أعلى وأعلم.
اترك تعليق