تستعد المملكة المتحدة لاستقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام، تبدأ في 17 سبتمبر الجاري، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة وتحضيرات بروتوكولية دقيقة، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي والمعارضة السياسية لوجوده على الأراضي البريطانية.
الزيارة تأتي بعد عام من محاولة اغتيال ترامب وفاجعة اغتيال الناشط اليميني الأمريكي تشارلي كيرك، ما دفع أجهزة الأمن البريطانية إلى وضع خطة مشددة بالتنسيق مع جهاز الخدمة السرية الأمريكي، تركز على أماكن مغلقة وبعيدة عن التجمعات الكبرى.
وبحسب ما أورده موقع Firstpost، فإن جدول الزيارة يشمل لقاءً مع الملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور، إلى جانب محادثات ثنائية مع رئيس الوزراء كير ستارمر في مقر رئاسة الوزراء الريفي "تشيكرز".
كما يتضمن البرنامج مأدبة ملكية وعرضًا لأرشيف الزعيم الراحل ونستون تشرشل، بينما ترافق ميلانيا ترامب زوجها في أنشطة ثقافية وخيرية.
وقد أفادت الصحف الأمريكية ومن أبرزها واشنطن بوست ببيان عن الحكومة البريطانية توضح فيه أن بريطانيا والولايات المتحدة ستوقعان اتفاقا للتعاون في تعزيز الطاقة النووية خلال زيارة الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع، مما يساعد على تأمين الاستثمار لتمويل محطات جديدة.
وأشارت أيضا الصحيفة الأمريكية إلى نوايا الحكومة البريطانية حول اطلاق حملة كبيرة لتوسيع قطاع الطاقة النووية في الشهور القليلة الماضية، التى تعهدت باستثمار 14 مليار جنيه إسترليني (19 مليار دولار) في محطة سيزويل سي الجديدة والمضي قدما في خطط تدشين وحدة تابعة لرولز رويس لبناء أول مفاعلات نمطية صغيرة في البلاد.
أمن مشدد وجدول محدود
على غير عادة الزيارات الرسمية الأمريكية، لن يلقي ترامب كلمة أمام البرلمان البريطاني، ولن يشارك في فعاليات جماهيرية بوسط لندن، وهو ما يعكس الحساسية السياسية المحيطة بالزيارة.
وبحسب الصحف البريطانية، فإن الحكومة اختارت أن تظل الفعاليات الرسمية محصورة في وندسور وتشيكرز لتقليل فرص الاحتكاك مع المتظاهرين.
احتجاجات ومعارضة سياسية
في المقابل، أعلنت حركات احتجاجية مثل تحالف "أوقفوا ترامب" تنظيم تظاهرات واسعة تحت شعار "ترامب غير مرحب به"، تركز على انتقاد سياساته تجاه أزمة غزة، وقضايا المناخ، وعلاقاته مع روسيا.
كما أعلن زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي إد ديفي مقاطعته لمأدبة وندسور، احتجاجًا على ما وصفه بـ"نهج ترامب المثير للانقسام في الشرق الأوسط".
خلفية تاريخية
الاحتجاجات ليست جديدة على زيارات ترامب؛ ففي عام 2018، خلال عهد رئيسة الوزراء تيريزا ماي، شهدت لندن تظاهرات ضخمة كان أبرزها إطلاق منطاد "ترامب الرضيع" فوق ساحة البرلمان، في مشهد أصبح رمزًا للاعتراض الشعبي على سياساته.
العلاقات الاستراتيجية رغم التوتر
ورغم الأجواء المشحونة، تبقى العلاقات الأمريكية – البريطانية محورية في ملفات الدفاع والأمن والتجارة. وتشير تقارير واشنطن بوست والجارديان إلى أن محادثات ترامب وستارمر ستتناول قضايا استراتيجية مثل تعزيز دفاعات الناتو في أوروبا الشرقية، واستقرار الشرق الأوسط، والتقدم في مفاوضات التجارة الحرة عبر الأطلسي.
بين القصر والشارع
الزيارة تحمل أبعادًا رمزية وسياسية مزدوجة: فهي بالنسبة للملك تشارلز الثالث فرصة لإبراز العائلة المالكة كرمز للاستقرار والاستمرارية، بينما تشكل لستارمر اختبارًا حقيقيًا في قدرته على الموازنة بين متطلبات الشراكة مع واشنطن وضغوط الشارع البريطاني. أما ترامب، فظهوره سيظل محفوفًا بالتناقضات: احتفاء رسمي داخل القصور الملكية، وغضب شعبي في الشوارع.
انعكاسات على موقع بريطانيا بعد "البريكست"
منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، تحاول بريطانيا إعادة صياغة دورها العالمي وتأكيد مكانتها كقوة مستقلة في الساحة الدولية، وتُعد العلاقة مع الولايات المتحدة ركيزة أساسية في هذا المسعى.
وتأتي زيارة ترامب في لحظة حساسة، إذ يسعى رئيس الوزراء ستارمر لإثبات أن لندن قادرة على لعب دور محوري في صياغة الاستراتيجيات الأمنية والتجارية عبر الأطلسي، حتى في ظل الانقسامات داخل أوروبا وتراجع النفوذ البريطاني داخل المؤسسات الأوروبية.
ويرى مراقبون أن التحدي الحقيقي يتمثل في قدرة بريطانيا على الموازنة بين علاقاتها الخاصة بواشنطن، وضرورة الحفاظ على شراكات متينة مع العواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس وبرلين.
فالاحتفاء بترامب قد يعزز صورة لندن كحليف لا غنى عنه للولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه قد يفاقم المخاوف الأوروبية من انحياز بريطانيا المفرط إلى السياسات الأمريكية المثيرة للجدل.
اترك تعليق