شهد إعلان وزارة الصناعة أنها تدرس إعادة تشغيل جزء من مصنع الحديد والصلب بحلوان لإنتاج بلاطات الصلب، والاستفادة من خام الحديد المصري الموجود في الواحات، ردود أفعال متباينة يغلب عليها الترحيب، مشيرة إلى أنها لا تمتلك شركة الحديد والصلب بحلوان ولا أراضيها.
شددت الوزارة على أنها هي من أوقفت هدم مصنع الحديد والصلب، بعد العرض على السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبناءً على دراسات وزيارات ميدانية عدة قام بها الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، والمهندس محمد الشيمي، وزير قطاع الأعمال، وغرفة الصناعات المعدنية.
أشارت الوزارة، في بيان، إلى أن باقي المساحة الفضاء يمكن الاستفادة منها، سواء في إقامة مصانع منسوجات وملابس جاهزة أو صناعات أخرى.
قال الباحث والخبير الاقتصادي عماد كرم، إن إعلان الحكومة دراسة إعادة تشغيل مصنع الحديد والصلب في حلوان بعد نحو خمس سنوات من قرار التصفية، يُعد خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز قدرات الاقتصاد المصري.
وأضاف كرم أن المصنع يمثل أحد أبرز الصروح الصناعية في مصر والمنطقة، وأن إعادة إحياء وحداته الحيوية تعكس توجه الدولة للاستفادة من الأصول الإنتاجية الضخمة بدلًا من تركها خارج الخدمة، وهو ما يعزز من مكانة مصر الصناعية إقليميًا ودوليًا.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن صناعة الحديد والصلب تُعد من الصناعات الأم، والتي ترتبط بها عشرات الصناعات الأخرى مثل التشييد والبناء، ووسائل النقل، والصناعات الهندسية الثقيلة، وبالتالي فإن أي خطوة لإعادة تشغيل المصنع سيكون لها انعكاسات إيجابية واسعة على الاقتصاد ككل.
وأوضح أن مصر تستورد كميات كبيرة من الحديد والبليت، وأن إعادة تشغيل المصنع جزئيًا سيسهم في تقليل هذه الفجوة، وخفض فاتورة الاستيراد، وتوفير عملة صعبة يحتاجها الاقتصاد الوطني في ظل الظروف العالمية الراهنة.
وشدد عماد كرم على أن التوجه للتشغيل الجزئي يعكس نهجًا مدروسًا من الحكومة، يقوم على إعادة تشغيل الوحدات ذات الجدوى الاقتصادية والفنية أولًا، ثم تقييم النتائج قبل التوسع، وهو ما يقلل المخاطر المالية ويضمن استدامة التشغيل.
ولفت إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة طمأنة مهمة للمستثمرين المحليين والأجانب، بأن الدولة تدرك قيمة الأصول الصناعية وتسعى لإعادة توظيفها بما يخدم خطط التنمية، ويعزز الثقة في مناخ الاستثمار الصناعي.
خطة التشغيل الجزئي
تضمن الخطة الحكومية إعادة تشغيل وحدة الصب المستمر في "مصنع 7" مع إضافة فرن جديد، إضافة إلى إنشاء وحدة لإنتاج أعواد الصلب المكعب (بليت)، وإقامة مصنع جديد للحديد على مساحة 300 فدان من أصل 3000 فدان تابعة للشركة. كما تشمل الخطة التوسع في الصناعات كثيفة العمالة مثل الملابس الجاهزة والأدوية والكيماويات.
قال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن فكرة إعادة تشغيل مصنع الحديد والصلب بحلوان "غير واقعية"، موضحًا أن خطوط الإنتاج والأفران قد توقفت بالفعل منذ سنوات، وأُخرجت معداتها وخردتها، وهو ما يجعل تشغيلها مرة أخرى "أمرًا شبه مستحيل".
أضاف النحاس أن إعادة تشغيل المصنع – حتى لو جزئيًا – تتطلب «إعادة إنشاء كاملة من البداية»، بتكلفة تضاهي بناء مصنع جديد، مشيرًا إلى أن إنتاج الشركة في السابق كان يتركز على الزهر المستخدم في مواسير الصرف الصحي وغطاءات البلاعات، وهي منتجات تراجع الطلب عليها مع ظهور بدائل حديثة مثل البوليمرات.
وكانت الحكومة قد أعلنت في يناير 2020 تصفية شركة الحديد والصلب بعد سنوات من الخسائر، التي بلغت حتى 30 يونيو 2019 نحو 8.5 مليار جنيه، فيما سجلت المديونيات مبلغًا مماثلًا، وفق بيانات وزارة قطاع الأعمال العام. وفي نهاية عام 2024، وافقت الجمعية العامة العادية للشركة على مد فترة التصفية لمدة عام جديد اعتبارًا من يناير 2025.
أكد النحاس أن القرار السابق بتصفية الشركة كان يستند إلى حجم مديونياتها الضخمة، التي تجاوزت عدة مليارات، مقابل الاعتماد على بيع أصولها وأراضيها لتغطية الالتزامات. وقد شكّل هذا الملف محور مضاربة على السهم في البورصة، مع اعتقاد بعض المستثمرين أن نصيب السهم من الأرض سيحقق عوائد كبيرة. واستشهد معلقًا على إمكانية تحقيق أصول المصنع عوائد ضخمة، قائلًا: "لكن تصريحات رسمية في ذلك الوقت – خلال ولاية وزير قطاع الأعمال الأسبق هشام توفيق – أوضحت أن المديونيات ستلتهم جانبًا كبيرًا من تلك العوائد".
وأشار النحاس إلى أن ما يمكن التفكير فيه هو تحويل جزء من مساحة المصنع إلى مشروع رمزي أو متحف صناعي يوثق تاريخ الشركة ودورها في دعم الاقتصاد المصري خلال عقود سابقة، لكنه استبعد تمامًا عودة نشاطها الصناعي الأساسي.
ولفت إلى أن مشكلات تصفية شركات قطاع الأعمال العام لا تتوقف عند الحديد والصلب، بل تمتد إلى مصانع أخرى مثل القومية للأسمنت، حيث لم تستطع الدولة الاستفادة حتى من خردة هذه المصانع بالشكل الأمثل، نتيجة غياب البنية التحتية والمعدات اللازمة لقطع وتدوير الخردة، مؤكدًا أن قطاع الخردة وحده يمثل «ثروة ضائعة» بمليارات الجنيهات.
وأشار إلى أن المعلومة المؤكدة التي ترددت في الوقت السابق أن المصنع لن يعاد تشغيله ككيان لإنتاج الحديد مرة أخرى، وإنما يتم التوجه لتحويله إلى مجمع للغزل والنسيج، لافتًا إلى أن خطوط الإنتاج والأفران الخاصة بالحديد تم تفكيكها وإخراجها بالفعل عن العمل.
فى المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعي أن مصنع الحديد والصلب أحد روافد الصناعة المصرية، وأن استمرار إغلاقه سيكون خسارة لن يعوضها إتاحة القطاع الخاص، مشيرًا إلى أن الأمر كان يتطلب مزيدًا من الجهد لوضع استراتيجية لإرجاعه إلى عصور قوته، وأيًا كانت أسباب الخسارة كان من الممكن تداركها.
أكد الشافعي وجود أدوات بديلة عن الإغلاق، منها إعادة هيكلة الأجور بشكل عام، والاتفاق مع مستثمرين لتطوير المصنع وإعطائه قبلة الحياة مرة أخرى، أو تشكيل إدارة فنية للتعاطي مع الأزمة القائمة، فالأمر كان يتطلب قدرًا من الإنفاق بدلًا من قرار الإغلاق.
وعن استبدال منتجات المصنع بغيرها وتأثيره على قدرته الإنتاجية، عقب الشافعي في تصريحات قائلًا: “ما كان ينتجه العالم بالأمس ليس بالضرورة هو ما يحتاجه اليوم أو غدًا”. مؤكدًا أنه لا غنى عن الحديد باعتباره المادة الخام الأساسية في مختلف الصناعات، وأن الإغلاق ليس أفضل الطرق.
اترك تعليق