كتبت: دينا يحيى الأدغم
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتشكيل سياسة تجارية جديدة تعتمد على الإجراءات الحمائية، وعلى رأسها فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الواردات من شركاء تجاريين رئيسيين. هذه السياسات أثارت جدلاً واسعًا بين من يراها دعمًا للصناعة الأميركية، ومن يعتبرها تهديدًا للنظام التجاري العالمي.
واعتزمت إدارة ترامب تنفيذ حزمة جديدة من التعريفات الجمركية اعتبارًا من الأول من أغسطس، وفقًا لما نشرته مجلة Foreign Policy، وذلك بعد تعثر مفاوضات إعادة صياغة الاتفاقيات الثنائية، مما دفع بالإدارة نحو التصعيد.
وقد أبرمت ست اتفاقيات — سبع إذا احتُسب الاتفاق المؤقت مع الصين — كان الاتحاد الأوروبي آخر من وقّعها في لقاء أعلن عنه ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اسكتلندا بتاريخ 27 يوليو. وعلى الرغم من الإعلان من جانب البيت الأبيض أو مباشرة عبر منصة Truth Social، فإن الاتفاقيات لا تحمل الطابع الرسمي الملزم، بخلاف اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التي صادقت عليها الدول الثلاث.
الاتحاد الأوروبي وصف اتفاقه بـ"السياسي"، وأشارت دول مثل المملكة المتحدة والفلبين إلى استمرار المفاوضات بشأن قطاعات محددة، ما يترك مجالًا لنزاعات مستقبلية.
لا تزال معظم دول العالم تواجه التعريفات الشاملة التي أعلن عنها ترامب في 2 أبريل، حيث استخدمت معدلات تلك الرسوم للمقارنة، رغم التهديدات بفرض نسب أعلى. وعلى سبيل المثال، ستُفرض رسوم بنسبة 15% على معظم سلع الاتحاد الأوروبي، وهي أقل من الـ20% السابقة، ونصف نسبة الـ30% الواردة في رسالة إلى فون دير لاين، وأقل بكثير من نسبة الـ50% التي طُرحت لفترة وجيزة في مايو.
وستتبادل واشنطن وبروكسل إعفاءات جمركية كاملة على سلع تشمل مكونات الطائرات، معدات أشباه الموصلات، وبعض المنتجات الزراعية والأدوية العامة. كما يشتري الاتحاد الأوروبي منتجات طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار خلال ثلاث سنوات. وتشير ورقة البيت الأبيض إلى استثمارات أوروبية بقيمة 600 مليار دولار بحلول عام 2028، بينما تفيد ورقة الاتحاد الأوروبي أن شركاته تبدي "اهتمامًا" باستثمار ذلك المبلغ بحلول عام 2029.
تستمر الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب بنسبة 50%، رغم اقتراح فون دير لاين لنظام حصص ما يزال قيد المناقشة.
الاتفاق الأميركي مع اليابان يشبه الاتفاق الأوروبي، برسوم بنسبة 15% بدلًا من 24%، مع تعهد ياباني بضخ استثمارات بقيمة 550 مليار دولار في قطاعات حيوية كالطاقة والأدوية وبناء السفن، دون جدول زمني واضح، على أن تحتفظ الولايات المتحدة بنسبة 90% من الأرباح.
كما فرضت واشنطن رسومًا بنسبة 19% على صادرات الفلبين، مع إعفاء السيارات الأميركية من الرسوم وزيادة مشتريات المنتجات الزراعية والطبية الأميركية. وتكرر النموذج ذاته مع إندونيسيا، التي وافقت على إزالة "الحواجز غير الجمركية" وفرض رسوم بنسبة 19% فقط.
اتفاقية ترامب مع فيتنام تضمنت إزالة جميع الحواجز أمام المنتجات الأميركية، مع الإشادة بسيارات الدفع الرباعي الأميركية.
وفي مايو، أبرمت واشنطن اتفاقًا مع المملكة المتحدة يشمل فتح السوق أمام اللحوم والإيثانول الأميركي، مع الحفاظ على تعرفة جمركية بنسبة 10% على معظم المنتجات البريطانية، وزيادتها إلى 25% بعد أول 100,000 سيارة مستوردة.
الصين كانت الأكثر تعرضًا لتعريفات مرتفعة، بلغت 145% ثم خُفضت إلى 55% بعد اتفاق مؤقت شمل رفع قيود صينية على المعادن النادرة. وتستمر المفاوضات بين الجانبين في السويد بشأن اتفاق دائم.
أما الهند، فقد فرضت واشنطن رسومًا بنسبة 25% وسط خلافات تتعلق بشراء الهند لمعدات روسية، مع تهديد ترامب بعقوبات إضافية في منشور على منصة Truth Social.
فبراير 2025: فرض ترامب ،رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات المكسيكية والكندية، و10% على السلع الصينية، مطالبًا بكبح تهريب الفنتانيل والهجرة غير الشرعية.
أبريل 2025: فرض رسومًا ،عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات، مع رسوم إضافية تصل إلى 50% على 57 دولة، قبل أن يعلّقها مؤقتًا لمدة 90 يومًا بعد اضطرابات في الأسواق المالية.
يوليو 2025: أعلن ترامب أن الرسوم الإضافية ستدخل حيز التنفيذ في 1 أغسطس، مستهدفًا الاتحاد الأوروبي، المكسيك، كندا، اليابان، كوريا الجنوبية، وصربيا، برسوم تتراوح بين 25% و40%.
- من المتوقع أن تشمل الرسوم واردات من دول كبرى بينها الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والصين واليابان.
و ستتراوح التعريفات بين 25% و40%، ما يشكل ضغطًا على سلاسل الإمداد العالمية.
وهذا يعكس خطوة عزم واشنطن على فرض شروط تجارية أكثر صرامة لاستعادة ما تسميه الإدارة "الإنصاف التجاري".
منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، تبنّى ترامب سياسة تجارية تقوم على شعار "أميركا أولًا"، وتتلخص في:
ويسعى إلى تقليص العجز التجاري مع الصين والدول الأوروبية.
وتعزيز التصنيع المحلي في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والمعادن.
واستخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط لدفع الدول الأخرى نحو اتفاقيات جديدة تحقق مصالح واشنطن.
ارتفعت تكاليف المعيشة نتيجة زيادة أسعار السلع المستوردة، مما يضغط على المستهلك الأميركي.
وأدى ذلك إلى تراجع النمو الاقتصادي واحتمال دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، وفقًا لتقديرات بنك ING.
وزيادة الضغوط التضخمية وتعقيد إدارة السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
وأيضاً تكلفة إضافية على الأسر الأميركية تصل إلى 1350 دولارًا سنويًا بسبب نقل أعباء الرسوم من الشركات إلى المستهلكين.
- تقويض النظام التجاري العالمي وتراجع دور منظمة التجارة العالمية.
تقديرات شركة Allianzأشارت Trade
إلى إمكانية إنخفاض التجارة العالمية إلى 1% وارتفاع التضخم العالمي بين 0.7 و1.5 نقطة مئوية.
وأيضاً إلى تراجع صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، مما يؤثر على الاقتصاد الآسيوي.
وتذبذب الأسواق المالية العالمية وخسائر سوقية تجاوزت 5 تريليون دولار في أول يومين بعد إعلان الرسوم.
وقد تواجه منظمة التجارة العالمية اختبارًا جديدًا لشرعيتها ودورها في فضّ النزاعات التجارية.
وفي سياق متصل، الصين والاتحاد الأوروبي يدرسان اتخاذ تدابير مضادة، تشمل فرض رسوم مضادة وإعادة تقييم الاتفاقيات القائمة.
خلفيات سياسات ترامب التجارية: من المذهب التجاري إلى الحمائية الحديثة
ارتكزت سياسات ترامب على مفاهيم تشبه المذهب التجاري (Mercantilism) الذي ساد في أوروبا بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، حيث كانت الدول تسعى لزيادة صادراتها وتقليل وارداتها لحماية ثرواتها الوطنية.
هذا النهج يتعارض مع الليبرالية الاقتصادية الحديثة التي تدعو إلى حرية التجارة وتقليل الحواجز الجمركية، كما تنص عليها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وتأتي هذه السياسات في وقت يعاني فيه العالم من:
أزمة ديون سيادية خانقة في أوروبا والصين والدول النامية،
وضغوط تضخمية عالمية مستمرة منذ جائحة كوفيد-19.
واضطراب في سلاسل الإمداد العالمية نتيجة الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية.
وبحسب الصحف الأمريكية ،يشير خبراء في السياسة الدولية إلى أن التوقيت المحدد لتنفيذ الرسوم ، الأول من أغسطس ، يعكس رغبة ترامب في فرض ضغط زمني على الدول المتفاوضة. ويرى مراقبون أن الإدارة الأميركية تستخدم التعريفات كآلية تفاوضية، أكثر منها كخيار اقتصادي دائم، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات متباينة من التراجع أو التصعيد.
يرى الخبراء أيضا أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى:
إضعاف دور منظمة التجارة العالمية كمظلة لتنظيم العلاقات التجارية الدولية.
وتشجيع النزعة الحمائية لدى دول أخرى، مما يهدد بانكماش التجارة العالمية.
وتراجع الثقة في الولايات المتحدة كشريك تجاري موثوق، خاصة مع تقلب السياسات الجمركية.
سياسات ترامب التجارية ليست مجرد إجراءات اقتصادية، بل تعكس تحولًا في الرؤية الأميركية تجاه النظام العالمي، من الانخراط إلى الانعزال، ومن التعاون إلى الضغط. وهي بذلك تفتح الباب أمام إعادة تشكيل قواعد التجارة الدولية، في ظل عالم يعاني من هشاشة اقتصادية وتوترات سياسية متزايدة.
وفي ظل تصاعد الخطاب الحمائي في واشنطن، تبدو التجارة العالمية مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، مع إمكانية أن تعيد إدارة ترامب تشكيل قواعد اللعبة بما يتلاءم مع رؤيتها "الأميركية الصرفة". وبين المكاسب السياسية والاقتصادية المحتملة، تبقى آثار هذا المسار على النظام العالمي غير واضحة المعالم حتى الساعة.
اترك تعليق