هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

سيدات سيوة يكتبن التاريخ بالإبرة والملح والخيط

منتجات واحة الذهب اليدوي والتراث الحي تغزو العالم.. النول والفضة.. أسرار الجمال

رغم عزلتها الجغرافية في قلب الصحراء الغربية، إلا أن واحة سيوة أصبحت علامة مميزة في عالم الحِرف التراثية والمنتجات اليدوية، تحمل عبق الماضي وعبقرية الحاضر. هنا، لا تُروى الحكايات فقط على جدران المعابد أو بين كثبان الرمال، بل تنسجها الأيادي الناعمة في الخرز والتطريز والحلي والمنسوجات، لترسم هوية فريدة لواحة تنبض بالتراث وتتمسك بأصالتها في مواجهة كل موجات الحداثة.


ولم تعد هذه المشغولات حكرًا على أسواق سيوة المحدودة، بل بدأت تغزو الأسواق المحلية والعربية، وتحجز لنفسها مكانًا في معارض عالمية، بفضل جهود أبناء الواحة ورواد الحرف اليدوية الذين آمنوا أن "التراث قوة ناعمة"، يمكنها أن تكون مصدر رزق وفخر في آن واحد.

تتمتع واحة سيوة، إحدى جواهر محافظة مطروح، بخصوصية استثنائية في الحفاظ على موروثها الثقافي والحرفي، حيث لا تزال النساء والفتيات في هذه الواحة الساحرة يمارسن بإبداع واحترافية صناعة الحلي، والإكسسوارات النسائية، والسجاد، والكليم، والملابس المطرزة، ومنحوتات الملح الفريدة، التي تحاكي بيئة الواحة وتقاليدها الضاربة بجذورها في عمق التاريخ.

 مشغولات من قلب المنازل إلى قلب المدن

انتقلت هذه الحرف من داخل بيوت الطين في سيوة إلى واجهات المحلات والبازارات في مدن كبرى مثل مرسى مطروح والإسكندرية والقاهرة، بعدما بدأ عدد من شباب سيوة في التوسع بتجارة هذه المنتجات اليدوية، مدفوعين بإقبال السياح والزوار المصريين والعرب والأجانب على اقتنائها لجمالها وتميزها وبساطتها.

ويحرص التجار من أبناء سيوة على شراء هذه المشغولات مباشرة من النساء اللواتي يعملن داخل منازلهن أو من مجمع الحرف البيئية بالواحة، سواء كن ممن تلقين تدريبًا حديثًا أو ورثن هذه الحرفة من الأمهات والجدات.

ملح سيوة يتحول إلى فن نادر

ومن أبرز ما يميز منتجات سيوة، منحوتات الملح الصخري، التي تصنع منها "الأباجورات" وغيرها من القطع الفنية، ما يعكس براعة الصناع المحليين في توظيف خامات البيئة في خلق فن راقٍ وجاذب.

يقول عبدالله موسى، أحد أصحاب البازارات المهتمة ببيع منتجات سيوة، إن الفتيات يعملن داخل بيوتهن في هدوء ويقدمن مشغولات تعكس تقاليد وعادات الواحة، مضيفًا: "نشتري الشنط المصنوعة من السجاد، والميداليات المصممة بحروف اللغة الأمازيغية، ونبيعها في مرسى مطروح وعدد من المحافظات، والطلب عليها يتزايد باستمرار".

من التدريب إلى الإنتاج والتسويق

تُعد وحدة الصناعات الحرفية بمجمع الحرف البيئية في سيوة أحد أبرز المشروعات التنموية التي أطلقتها محافظة مطروح منذ عام 2006، بهدف الحفاظ على التراث السيوي وتمكين النساء اقتصاديًا. وتضم الوحدة عدة أقسام متخصصة منها: الحلي والمشغولات الفضية والنحاسية، صناعة الكليم والسجاد، تفصيل وتطريز الملابس، وجميعها تعتمد على التدريب العملي المتقن.

تنتج المتدربات ما بين 7 أمتار من الكليم شهريًا، وقطعتين من الحلي يوميًا، ويقمن بتسويق منتجاتهن عبر المعرض الدائم داخل مجمع الحرف أو من خلال التعاون مع التجار المحليين.

يؤكد محمد عمران جيري، عضو مجلس إدارة جمعية الخدمات السياحية والحفاظ على التراث، أن "مشغولات سيوة لم تعد مجرد منتجات تراثية، بل أصبحت سفيرة لهوية الواحة في الداخل والخارج"، مشيرًا إلى أن البازارات التي تبيعها أصبحت منتشرة من سيوة إلى مطروح والإسكندرية، بل وتحملها حقائب المسافرين إلى خارج البلاد.

وأضاف: مركز الصناعات الحرفية في سيوة لعب دورًا محوريًا في تمكين النساء من العمل داخل بيوتهن، بما يتماشى مع تقاليد الواحة، ويعزز في الوقت ذاته استقلالهن الاقتصادي"

سيوة لم تكتفِ بأن تكون مزارًا سياحيًا فحسب، بل تحولت إلى مدرسة للتراث الحي.. تنسج الأمل بخيوط الصوف، وتحوّل حبات الخرز والملح إلى قطع فن تعانق العالمية.

ووسط هذا النجاح المتنامي، تبقى واحة سيوة نموذجًا فريدًا في كيفية تحويل الأصالة إلى مستقبل اقتصادي مشرق، بأيدي نسائها، ومن قلب صحرائها.

 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق