هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

ثورة يوليو.. من الاستعمار والاحتكار إلى العدالة الاجتماعية واستقلال القرار

فتحت أبواب الأمل أمام أبناء الشعب..
بمجانية التعليم وتملك الأراضي وتقلد الوظائف المرموقة

د.هيثم عمران:
ميلاد حقيقي لدولة وطنية حديثة ذات سيادة
في مواجهة الهيمنة الخارجية
تمصير الاقتصاد..توسيع القطاع العام..
وإعادة توزيع الثروة لصالح الأغلبية

د.شريفة فاضل:
نجحت في تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي
وامتلاك حق تقرير المصير
تحديد ساعات العمل
وإنشاء نقابات تحمي حقوق العمال

د. رشدي فتحي:
القضاء على التخلف والتبعية
والسيطرة الأجنبية بتشريعات إصلاحية

تحديد الأسعار..تقديم الدعم..
واستخدام السياسة الجمركية لحماية الإنتاج القومي

د. عمرو عرفة:
تحويل مصر من دولة زراعية تعتمد
على محصول القطن إلي دولة صناعية قوية

تأميم قناة السويس وإنشاء السد العالي
لتوليد الكهرباء وتعظيم الرقعة الزراعية

في مثل هذا اليوم قبل نحو 73 عامًا وتحديدًا في 23 يوليو 1952، استيقظ المصريون على بيانٍ قصير أذاعه محمد أنور السادات، ليُعلن عن ميلاد ثورة لا تشبه ما سبقها، ولا تشبه ما تلاها، ثورة قادها الضباط الأحرار، لكنها ما لبثت أن تحوّلت إلى ثورة شعبٍ بأكمله، خرج من عباءة الاحتلال والإقطاع والاحتكار، ليدخل عهد الجمهورية ومجانية التعليم واستقلال القرار الوطني.


ثورة يوليو كانت محطة فارقة في حياة المصريين، إذ نقلتهم من عصر الاستعمار والإقطاع والاحتكار إلى عصر الجمهورية واستقلال القرار السياسي ومجانية التعليم وتخفيف الفوارق الطبقية وتمكين أبناء الفقراء والطبقة الوسطى من التعليم والترقي الاجتماعي وتولى مناصب ما كانوا ليحلموا يوماً بالوصول إليها في عصور الملكية.

اليوم يقف التاريخ شاهداً على تحولات كبرى أحدثتها ثورة 23 يوليو في بنية الدولة والمجتمع، حين وضعت حداً لعصور التمييز الطبقي، ومكّنت أبناء الفلاحين والعمال من تملك الأرض، وتقلد المناصب، والدخول إلى الجامعات التي كانت لقرون حكرًا على طبقة الصفوة.

أكد خبراء السياسة والاقتصاد والتعليم أن ثورة يوليو حققت للمصريين مكاسب عديدة في مختلف المجالات؛ إذ أحدثت تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية بمصادرة أراضي الإقطاع وتحديد الملكية وتمكين الفلاحين من تملك الأراضى الزراعية لأول مرة، كما أتاحت مجانية التعليم للفقراء وتوسعت في المدارس وأنشأت القطاع العام الذي وفر العمل للمصريين وأنشأت النقابات التي تحمي حقوق العمال والطبقة الكادحة وأتاحت لهم المشاركة في عضوية مجالس إدارات الشركات ومؤسسات الأعمال.

أكدوا أن ثورة يوليو أعادت تشكيل الوعي والمجتمع، والاقتصاد بما يخدم الطبقة العريضة من الفقراء ومتوسطي الحال.

يقول د. هيثم عمران أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس إن ذكري ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م تحل علينا هذا اليوم بوصفها واحدة من أبرز المحطات الفارقة في تاريخ مصر الحديث؛ إذ لم تكن الثورة مجرد تغيير سياسي أو انتقال للسلطة، بل كانت ميلادا حقيقياً للدولة الوطنية الحديثة التي استردت من خلالها مصر سيادتها، وشقت طريقها نحو الاستقلال الفعلي والعدالة الاجتماعية، فقد كانت مصر قبلها دولة فاقدة للقرار، يهيمن على سياستها الاحتلال البريطاني والقصر الملكي والطبقة الإقطاعية، بينما كانت الأغلبية من الشعب تعيش على هامش الحياة، محرومة من التعليم ومن التملك ومن أبسط حقوق المشاركة، فجاءت الثورة لتكسر هذه المعادلة، وتعيد صياغة دور الدولة والمواطن في آن واحد.

أشار د.عمران إلى أن أولي ثمار الاستقلال السياسي ظهرت في قرار تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦م الذي لم يكن مجرد تحرك اقتصادي، بل كان إعلانا صريحاً بأن القرار المصرى بات ملكاً للإرادة الوطنية لا للهيمنة الخارجية؛ وهو القرار الذي واجهت مصر بسببه العدوان الثلاثي، لكنها خرجت منه أكثر قوة واعتدادا.

أضاف إنه استكمالاً لهذا المسار التحرري، أقرت الثورة مجانية التعليم على جميع مستوياته، لتفتح أبواب الأمل أمام أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة، وتضع حجر الأساس لصعود أجيال جديدة من الكفاءات في مجالات الطب والهندسة والثقافة والعلم، ولم يكن هذا القرار مجرد سياسة تعليمية، بل كان تعبيراً عن فلسفة الثورة التي جعلت من المواطن شريكاً في بناء الدولة.

أوضح أن الثورة تبنت سياسة الإصلاح الزراعي ومصادرة أراضي الإقطاع وتمكين الفلاح من تملك الأرض التي يزرعها، وحرصت على تمصير الاقتصاد وتوسيع القطاع العام، لتضع التنمية في قلب المشروع الوطني وتعيد توزيع الثروة لصالح الأغلبية، أيضا لم تكن ثورة يوليو بلا تحديات أو إخفاقات، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أنها أسست لفكرة أن مصر دولة ذات سيادة حقيقية، وأن المواطن المصري يستحق العدالة والتعليم والكرامة، وفي ظل ما يشهده العالم من تغيرات تظل مبادئ يوليو مهمة لأي مشروع وطني يطمح إلى تحقيق التوازن بين الاستقلال والتنمية.

ترى د.شريفة فاضل أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد أن ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م كانت بمثابة طوق نجاة للشعب المصري الذي كان يرزح تحت نير الاستعمار والنظام الإقطاعي، مما زاد الهوة بين طبقات الشعب المصري، فقد مثلت طبقة الملاك للأراضي الزراعية أقل من ٦% وتمتلك ما يقرب من ٧٠ % من الأراضي الزراعية، في حين كان يمثل الفلاحون أكثر من ٧٠% من الشعب المصري، وأغلبهم مستأجرون وعمال في الأرض الزراعية، وكذلك بالنسبة للعمال في المجال الصناعي، والذين وقعوا تحت سيطرة أصحاب رءوس الأموال والرأسماليين.

أوضحت أن ثورة يوليو قامت لتحقيق عدة أهداف، أهمها القضاء على الاستعمار وأعوانه، وذلك حتي يمتلك الشعب المصري حق تقرير مصيره، واختيار النظام السياسي الملائم له، وقد تحقق  ذلك عن طريق إلغاء النظام الملكي وإقامة الجمهورية في يوليو ١٩٥٣م، وتولي أحد أبناء الشعب المصري وهو الرئيس محمد نجيب رئاسة الجمهورية، ثم توقيع اتفاقية الجلاء مع سلطات الاحتلال الإنجليزي عام ١٩٥٤م، ومن ثم كان الهدف الثاني وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة قائمة على مشاركة الشعب عن طريق الانتخابات الحرة، وتداول السلطة بشكل سلمي، وذلك من خلال دستور ١٩٥٦م كأول دستور لمصر بعد ثورة يوليو، وتم اعتماده بعد استفتاء شعبي.

أشارت د. شريفة فاضل إلى أن الهدف الثالث للثورة تمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية؛ فصدر قانون قانون الإصلاح الزراعي الأول في سبتمبر ١٩٥٢م والذي حدد الحد الأقصى لملكية الأراضي الزراعية ب ٢٠٠ فدان، ثم خفض بعد ذلك إلى ٥٠ فدانًا، وتم توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء وأنشئت جمعيات تعاونية وزراعية لدعمهم بالتمويل والبذور والأسمدة، كما صدرت قوانين التأمينات الاجتماعية للعمال، وتم تحديد ساعات العمل بما لا يتجاوز ٨ ساعات يومياً، ونشأت نقابات عمالية، وأتيحت للعمال فرص المشاركة في مجالس إدارات الشركات.

اضافت إن ثورة يوليو استطاعت إلغاء الفوارق الطبقية بإعلانها أن التعليم حق لكل مواطن، وجعلته مجانياً في جميع مراحله، مما أتاح الفرصة لتعليم أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، كما تم توجيه التعليم لخدمة خطط التنمية، وعلى الرغم من العديد من العثرات التي واجهت ثورة يوليو وحالت دون تحقيق أهدافها كاملة فإننا يمكننا القول إن ثورة يوليو ١٩٥٢م استطاعت تحقيق هدف حق تقرير المصير واستقلال القرار السياسي المصري كاملاً ووضعت أسس إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وتحقيق بعض من العدالة الاجتماعية، وبينما لا تزال بعض من تلك الأهداف تحتاج لمزيد الجهد والمراجعة لتحقيقها.

أكد د. رشدي فتحي رئيس قسم الاقتصاد كلية التجارة جامعة دمياط أنه لم يكن لدي الضباط الأحرار منهجية اقتصادية محددة، ولكنهم وضعوا مبادئ ستة للثورة في مواجهة الاحتلال والاحتكار والاقطاع والاستغلال والفساد وبناء قوة اقتصادية وسياسية فاعلة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، وهذه المبادئ لا تشكل نظرية اقتصادية وإنما هي دليل عمل وطني لخلق ظروف أكثر ملاءمة لدعم القدرة الاقتصادية والسياسية لمصر وعلاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من خلال إجراء تعديلات جذرية في أسلوب الإدارة السياسية والاقتصادية.

أوضح أنه في بداية تولي حكومة الثورة الإدارة الاقتصادية للدولة المصرية سعت الحكومة لتحقيق التنمية الاقتصادية في إطار من الحرية الاقتصادية والاعتماد على المبادرة الفردية والحوافز الاقتصادية كأساس لتحقيق النمو المستمر ودعم الصناعة وتشجيع الرأسمالية الوطنية والاهتمام بالتنمية الزراعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي، ومن ثم واصلت حكومة الثورة مسيرة التنمية في بعض مجالات السياسة الاقتصادية، ولكن بقوة أشد وحيوية أكبر من خلال التشريعات الاقتصادية التي استهدفت القضاء على التخلف والتبعية والسيطرة الأجنبية وجاءت متدرجة بما يتفق مع تطور البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لضغوط وحصار اقتصادي أجنبي وعدم استقرار سياسي.

قال إن تطورًا ملموسًا حدث في الإدارة الاقتصادية بالاتجاه نحو الأخذ بمبدأ التخطيط المركزي الشامل وتضاؤل قناعة الحكومة بأهمية المبادرات الخاصة لعملية التنمية، ومن ثم الاعتماد على الاستثمار العام بشكل أساسي، وسعت الحكومة إلي توجيه الإنتاج القومي من خلال عدد من أدوات السياسة الاقتصادية، مثل سياسة تحديد الأسعار وتقديم الدعم وتحديد المساحات المخصصة لبعض المحاصيل الزراعية للتأثير على أسعارها، كم استخدمت السياسة الجمركية لحماية الإنتاج القومي والسياسة الائتمانية للتأثير في حجم الاستثمار واتجاهاته من خلال تمصير الجهاز المصرفي بالكامل.

نوه إلى أن الدولة تدخلت في التجارة الخارجية بغرض التحكم في الواردات والصادرات وتم وضع خطط خمسية لذلك، كما أن القطاع العام هو القطاع القادر على قيادة عملية التنمية، ومع هذا لم تنجح الإدارة الاقتصادية في تحقيق معدل نمو مرتفع للاقتصاد القومي رغم اتباع التخطيط المركزي الشامل وقيادة القطاع العام لعملية الإنماء وواجهت مشاكل حادة وعميقة لم تمكنها من تحقيق أسباب الانطلاق الذاتي للاقتصاد المصري علي مسار التقدم والنمو، وتتعلق هذه المشاكل بضعف إنجازات الخطة الاقتصادية والصعوبات التي واجهت الحكومة في علاج مشاكل التنمية، وأهمها عدم الاستقرار السياسي وحرب ١٩٦٧م، وعدم وجود استراتيجية سياسية طويلة الأجل وعدم السيطرة على معدل النمو السكاني المرتفع.

يقول د. عمرو عرفة مدرس التمويل والاستثمار بأكاديمية وادي العلوم إنه بعد مرور أكثر من سبعة عقود على ثورة يوليو يظل تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي محوراً هاماً؛ فما تبنته الثورة من سياسات اقتصادية طموحة لم تهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد المصري فقط بل تركت بصمات واضحة لا تزال الأجيال الحالية تتعايش معها سواء كانت إيجابية أم سلبية، ومنها العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وما ترتب عليه من تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع، وكذلك التوسع في مجانية التعليم بفتح أبواب التعليم العالي أمام أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة مما أدى إلى وجود النخبة والعلماء في التاريخ الحديث لمصر، أيضا من مكتسبات الثورة بناء الدولة الصناعية الحديثة اعتماداً على تحويل مصر من دولة زراعية تعتمد على محصول واحد القطن إلي دولة صناعية قوية حيث ساهمت في إنشاء شركات القطاع العام مثل الحديد والصلب والالومنيوم والصناعات الكيماوية، وكان تأميم قناة السويس التي تمثل شريانًا اقتصاديًّا هامًّا يسهم في التنمية الاقتصادية الحديثة لمصر، وكذلك إنشاء السد العالي، مشروع الأجيال فقد حمى مصر من مخاطر الفيضانات والجفاف وساهم في استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ووفر طاقة كهربائية.

أوضح أن ثورة يوليو أسهمت في تعظيم الإرث الاقتصادي عبر الأجيال وعلى الرغم من تغير الظروف وتطور التحديات فإن المبادئ التي أرستها الثورة لا تزال تلهم السياسات الوطنية بحق الشعب في التمتع بالجمهورية الحديثة.

أكد د.مجدي حمزة (الخبير التربوي) أنه كان لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م في مصر تأثيرات عميقة وجذرية على مجانية التعليم ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:

 أولا: كان لثورة ٢٣ يوليو تأثير كبير على توسيع مجانية التعليم التي تعد أحد أهم إنجازات ثورة يوليو في المجال الاجتماعي؛ إذ كان التعليم قبل الثورة متاحاً بشكل رئيسي للطبقات الغنية أو الاقطاعيين، وكانت هناك قيود كبيرة على التعليم الثانوي والعالي، وهو ما تغير بعد الثورة بصدور قرار بمجانية التعليم في جميع المراحل العام والعالي، مما أتاح الفرصة لملايين المصريين من الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل للحصول على التعليم.

أشار إلى أن ميزانية التعليم تضاعفت بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م وخصوصًا ميزانية التعليم العالي مما أسهم في تطوير مؤسسات التعليم الجامعى وقبل الجامعي من خلال إنشاء جامعات جديدة، إذ زاد عدد الجامعات في مصر بشكل كبير بعد الثورة حيث تم إنشاء ١٠ جامعات جديدة في أنحاء البلاد بعد أن كانت تقتصر على ٣ جامعات فقط قبل الثورة.

أضاف إنه جرى إنشاء مراكز البحث العلمي، حيث اهتمت الثورة بإنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية مما عكس اهتمامها بالنهوض بالبحث العلمي والتطوير وأيضا تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع المصري حيث أسهمت مجانية التعليم في تمكين أبناء الفقراء من أن يصبحوا قضاة وأساتذة جامعات وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين مما أدى إلى إلغاء الفوارق الطبقية بشكل كبير في المجتمع المصري.

أوضح أن مجانية التعليم أدت إلى نهضة ثقافية واسعة وبروز عدد كبير من الكتاب والمفكرين في ظل الثورة، كما تم وضع أسس لأكاديمية الفنون وهيئة قصور الثقافة التي أسهمت، بشكل كبير، في تشكيل العقل المصري كأحد أدوات القوى الناعمة للدولة المصرية، وأسهمت ثورة ١٩٥٢م في تطوير مجال الفن السينمائي والمسرحي وإنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات والبرامج الفنية حتى أصبحت لمصر الريادة في مختلف الفنون، مما ساهم في نشر اللهجة والثقافة المصرية في مختلف الدول العربية.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق