ثبت بالنص الصريح تبشير بعض النساء بالجنة. ومنهنَّ: فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين في زمانها. رابعة بنات النبي صلي الله عليه وسلم. أمها خديجة رضي الله عنها.
ولدت فاطمة -رضي الله عنها - في مكة. وقريش تجدد بناء الكعبة. قبل النبوة بخمس سنين. واستبشر النبي صلي الله عليه وسلم بمولدها. وسماها فاطمة. ولقبها بالزهراء. وكانت تكني أم أبيها. وهي شديدة الشبه برسول الله صلي الله عليه وسلم.. وما كادت تبلغ الخامسة من عمرها حتي بدأ التحول الكبير في حياة أبيها. بنزول الوحي عليه. وأحست بأعباء الدعوة. وشاهدت والدتها تقف إلي جانب أبيها وتشاركه ما يواجهه من أحداث عظام.
وشاهدت العديد من مكائد الكفار لأبيها صلي الله عليه وسلم. وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد في شعب أبي طالب. حيث أثر الحصار والجوع علي صحتها. وما كادت تخرج من محنة الحصار حتي توفيت والدتها خديجة رضي الله عنها فأحست بالحزن والأسي.
وفي السنة الثانية من الهجرة تزوج علي بن أبي طالب فاطمة - رضي الله عنها - وبني بها. وذلك عقب غزوة بدر الكبري. وانتقلت إلي بيت الزوجية الذي كان في غاية التواضع.. ورزقت منه الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
ومن منزلة فاطمة - رضي الله عنها - العالية عند رسول صلي الله عليه وسلم أنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها. تقول عائشة - رضي الله عنها -: ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله صلي الله عليه وسلم من فاطمة. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها. فقبلها. ورحب بها. وكذلك كانت هي تصنع.
ولقد كان لها مواقف وضيئة في الجهاد. ففي غزوة أحد لما أصيب النبي صلي الله عليه وسلم في بدنه ووجهه. وتدفق الدم منه. كانت تغسله وعلي - رضي الله عنه - يسكب الماء عليه بالمجن. فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير أحرقتها حتي صارت رمادًا ألصقتها بالجرح. فاستمسك الدم.
وتابعت حياة الجهاد فشاركت في غزوة الخندق. وفي خيبر. وقسم لها النبي صلي الله عليه وسلم في هذه الغزوة خمسة وثلاثين وسقًا من قمح خيبر. وشهدت فتح مكة.
ولقد احتملت فاطمة - رضي الله عنها - حياة الفقر. وكابدت من ذلك الشيء الكثير. وقد أتت النبي صلي الله عليه وسلم تسأله خادمًا بسبب ما تلقاه من تعبي ومشقةي من أعمال بيتها. فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم: "ما ألفيته عندنا"» أي: لم تجديه فاضلًا عن حاجتنا إليه. ثم أرشدها صلي الله عليه وسلم علي ما هو خير من الخادم وهو أن تسبّح ثلاثًا وثلاثين. وتحمد ثلاثًا وثلاثين. وتكبر أربعًا وثلاثين. إذا أخذت مضجعها للنوم.
وبعد حجة الوداع. مرض النبي صلي الله عليه وسلم وأتته فاطمة - رضي الله عنها - لتطمئن عليه وهو عند أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها - فلمّا رآها هش للقائها قائلاً: مرحبًا يا بنيتي. ثم قبلها. وأجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثم سارّها فبكت بكاءً شديدًا. فلما رأي جزعها سارّها الثانية. فضحكت. فقالت لها عائشة خصّك رسول الله صلي الله عليه وسلم من بين سائر نسائه بالسّرار. ثم تبكين؟ فلما قام رسول الله صلي الله عليه وسلم سألتها: ما قال لك رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قالت: ما كنت لأفشي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم سرّه.
فلما توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت عائشة: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت: أما الآن فنعم. أما حين سارني في المرة الأولي فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنة مرّة. وإنه عارضه الآن مرتين. وإني لأري الأجل إلا قد اقترب. فاتقي الله واصبري. فإنه نعم السلف أنا لك قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت. فلما رأي جزعي سارّني الثانية. فقال: فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟ وأنك أول أهلي لحوقًا بي فضحكت» أخرجه البخاري ومسلم.
ولم تمض علي وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم ستة أشهر أو قريب منها حتي مرضت فاطمة - رضي الله عنها -. وتوفيت ليلة الثلاثاء. لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدي عشرة. وكان عمرها 28 عامًا.
اترك تعليق