ثلاثة أشخاص اتفقوا فيما بينهم على أن يُصوِّر اثنان منهم الثالثَ وهو يرمي نقودًا في الشارع، ثم يعطيها لأحد المارَّة على أنَّها وقعَت منه لينظر أيأخذها أم لا، وينشرون هذا الموقف بعد ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بغرض إظهار الأخلاق السَّيِّئة والتحذير منها، وإبداء الأخلاق الحسنة والحثِّ على امتثالها. فما الحكم؟.
سؤال أجابت عنه الإفتاء المصرية مؤكدة نَهَي الشريعةُ عن التَّطَفُّل بالبحث والتفتيش عمَّا خفي من أمور الآخرين وانتهاك ما استَتَرَ من أحوالهم، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
ونهت كذلك عن التَّجَسُّس بتتبُّع عورات الآخرين وما أخفوه من معايب، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُواْ﴾ [الحجرات: 12].
أشارت الإفتاء إلى أن البحث عن سلوك الناس وأخلاقهم على النحو المُبَيَّن في السؤال، سواء كان ذلك استظهارًا للخُلُق الحسن بهدف الحَثِّ على امتثاله، أو الخُلُق السيء بهدف التحذير منه -يدخل في عموم النهي عن الاقتفاء المذموم؛ لما فيها من تتبع المرء ما لا يعلمه ولا يعنيه ممَّا خَفِيَ عليه من شؤون الخَلْق، كما يدخل ذلك في عموم النهي عن التَّجسُّس؛ لما فيه من البحث والتفتيش عن بواطن الخَلْق السُّلوكية، والاطلاع على ما خفي من عوراتهم الأخلاقِيَّة.
فإذا نُشرت تلك المادة وأُذِيعت -مع ما اشتملت عليه من مَعَايِبَ- فقد انضمَّ إلى ذلك محظورٌ آخر وهو هتك الستر وإبداء العيب، بنشر عورات الناس السلوكية على العامة، وقد أوجب الشرع الشريف ستر المَعَايِبِ وحَرَّم هَتْكَهَا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
أشارت الإفتاء إلى أنَّ الحرمة لا تزول بأخذ إذن أصحاب تلك المواد المصورة قبل إذاعتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنَّه وإن زالت حرمة هتك الستر وإبداء العيب، فإنَّ حرمة تتبع العورات والتجسس لمعرفة ما كَمُنَ من أحوال الناس وأخلاقهم باقية.
ولا يصِحُّ أن يُبَرَّر ذلك التصرف بأنَّ الغرض من عمله وإذاعته هو إبداء الخُلُق الذَّميم للتحذير منه وتوعية الناس بشأنه؛ إذ يشترط لإنكار المنكر ظهورُه من غير تجسُّس ولا تتبُّع، أمَّا التَّتَبُّع بُغيَة إظهاره فقد ثبتت حرمته بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُواْ﴾ [الحجرات: 12].
كما لا يصِحُّ الاستناد إلى أنَّ تلك المواد المصورة قد تكون مُظهرة لخُلُقٍ حَسَنٍ فتكون إذاعتها داعيةً لامتثاله، وأن الوسيلة تأخذ حكم مقصدها؛ لأنَّها وإن كانت مُبدِيَةً لخُلُقٍ حَسَنٍ تحث عليه -أحيانًا-، فقد اشتملت على جملة من الآثام من نحو اشتمالها على التَّجسُّس والاقتفاء المذموم كما بيَّنَّا ذلك آنفًا، والقاعدة المقرَّرة أنَّه "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام".
اترك تعليق