شارع اليوم هو شارع الخليفة المأمون، ولد عبد الله المأمون بن هارون الرشيد في 15 ربيع الأول 170ه الموافق 6 سبتمبر 786م، وهو الابن الأكبر للخليفة هارون الرشيد، وعلي الرغم من ذلك وما كان يتميز به المأمون من نجابة وذكاء وعلو همة، وما حظي به من ثقة أبيه فيه، فإن الرشيد آثر أن يجعل البيعة بولاية العهد لابنه الأمين، وقد كان الأمين ومكانتهم لدي زوجها الرشيد في حثه علي إعلان ولاية العهد لابنها الأمين وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره. ولكن الرشيد عاد فأشرك المأمون مع أخيه في ولاية العهد سنة "183هـ/ 799م".
وقد أراد الرشيد بذلك أن تستقر الأمور بين الأخوين من بعده. فلا يثور الخلاف بينهما ولا يحدث ما كان يحدث عادة من صراع حول الحكم بعد كل خليفة. فاستوثق لكل منهما من أخيه. وأشهد علي ذلك كبار رجال دولته.
توفي الخليفة هارون الرشيد وتولي الأمين الخلافة من بعده، وبدأ الخلاف يدب بين الأخوين، خاصة بعد تراجع الأمين عما قطعه لأبيه من عهود ومواثيقن حيث جعل ابنه موسي وليًا للعهد بدلاً من أخويه المأمون والمؤتمن، وسرعان ما تطور الخلاف بين الأخوين إلي صراع وقتال، ودارت حرب عنيفة بين الجانبين، وقامت جيوش المأمون بمحاصرة بغداد وانتهي الأمر بمقتل الأمين عام "198هـ/ 813م"، وتولي المأمون علي إثر ذلك الخلافة من بعده في 25 محرم 198ه الموافق 25 سبتمبر 813م، ليصبح بذلك سابع خلفاء الدولة العباسية.
وقد كان المأمون من أفاضل خلفاء العباسيين وعلمائهم وحكمائهم، وكان فطنًا، شديدًا، كريمًا، شهد عهده ازدهارًا بالنهضة العلمية والفكرية في العصر العباسي الأول".. وذلك لأنه شارك فيها بنفسه.
كما اتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، فكان يميل إلي الفرس تارة، ثم إلي العلويين تارة أخري، ثم يميل إلي أهل السنة والجماعة تارة ثالثة، فاستطاع بتلك السياسة المرنة أن يجمع بين المواقف المتناقضة وأن يرضي جميع الأحزاب ويتغلب علي معظم الصعاب.
عمل المأمون علي استقرار أمور الخلافة والقضاء علي الفتن والثورات، فتصدي بحزم وقوة لثورات الشيعة، وواجه بحسم وعنف حركات التمرد ومحاولات الخروج علي سلطة الخلافة، مثل حركة ابن طباطبا العلوي سنة 199ه/814م. وغيرها.
النهضة العلمية في عهد المأمون
شهد عصر المأمون نهضة حضارية كبيرة، فقد كان المأمون محبًا للعلم والأدب وكان شاعرًا وعالمًا وأديبًا، يحب الشعر ويجالس الشعراء ويشجعهم، وكان يعجب بالبلاغة والأدب، كما كان للفقه نصيب كبير من اهتمامه، وكان العلماء والأدباء والفقهاء لا يفارقونه في حضر أو سفر، وقد أدي تشجيعه للشعراء في أيامه إلي إعطاء الشعر دفعة قوية، وكان تشجيعه للعلوم والفنون والآداب والفلسفة ذا أثر عظيم في رقيها وتقدمها، وانبعاث حركة أدبية وعلمية زاهرة، ونهضة فكرية عظيمة امتدت أصداؤها من بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومركز الخلافة العباسية إلي جميع أرجاء المعمورة، فقد استطاع المأمون أن يشيد صرحًا حضاريًا عظيمًا، وأن يعطي للعلم دفعة قوية ظلت آثارها واضحة لقرون عديدة.
لقد أرسل المأمون البعوث للحصول علي مؤلفات علماء اليونان، وأجري الأرزاق علي طائفة من المترجمين لنقل هذه الكتب إلي اللغة العربية، وأنشأ مجمعًا علميًا في بغداد، ومرصدين أحدهما في بغداد والآخر في تدمر، وأمر الفلكيين برصد حركات الكواكب، كما أمر برسم خريطة جغرافية كبيرة للعالم.
وكان لتشجيع المأمون لحركة الترجمة أكبر الأثر في ازدهارها في عهده، فظهر عدد كبير من العلماء ممن قاموا بدور مهم في نقل العلوم والفنون والآداب والفلسفة إلي العربية، والإفادة منها وتطويرها، ومن هؤلاء: حنين بن إسحاق الطبيب البارع الذي ألف العديد من المؤلفات الطبية، كما ترجم عددًا من كتب أرسطو وأفلاطون إلي العربية.
ويحيي بن ماسويه الذي كان يشرف علي "بيت الحكمة" في بغداد وكان يؤلف بالسريانية والعربية، كما كان متمكنًا من اليونانية، وله كتاب طبي عن الحميات اشتهر زمنًا طويلاً، ثم ترجم بعد ذلك إلي العبرية واللاتينية.
وميخائيل بن ماسويه وكان طبيب المأمون الخاص، وكان يثق بعلمه فلا يشرب دواءً إلا من تركيبه.
علاقة المأمون بالدولة البيزنطية "الروم":
لعل من أبرز الأسباب التي أدت إلي ظهور تلك النهضة الحضارية والعلمية في عصر المأمون ذلك الهدوء الذي ساد الأجواء بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، والذي استمر لأكثر من عشرة أعوام.
ولكن ما لبث أن تبدد ذلك الهدوء حينما بدأ المأمون حملاته ضد الدولة البيزنطية عام "215هـ/830م"، ففتح عددًا من الحصون القريبة من حدود دولته. مثل حصن قرة وحصن ماجدة، وحصن سندس، وحصن سنان ثم عاد إلي الشام. ولكن الروم أغاروا علي طرسوس وقتلوا نحو ألف وستمائة من أهلها، فعاد إليهم المأمون مرة أخري، واستطاع أخوه المعتصم أن يفتح نحو ثلاثين حصنًا من حصون الروم.
وفي العام التالي أغار عليهم المأمون مرة أخري، حتي طلب منه ملك الدولة البيزنطية الصلح، وعرض دفع الفدية مقابل السلام.
وبينما كان المأمون في أراضي الدولة البيزنطية في آخر غزواته، حتي توفي في البندون قريبًا من طرسوس في 18 رجب 218هـ، الموافق 10 أغسطس 833م، عن عمر بلغ ثمانية وأربعين عامًا، قضي منها في الخلافة عشرين عامًا.
اترك تعليق