انتشر في هذه الأوقات على مواقع التواصل الاجتماعي تصوير وبث فيديوهات وصور على شَكْل "كوميكس" تَسْخَر مِن الأشخاص، وتتنمر عليهم ويُعَلِّلون مَنْ يفعل ذلك بأنَّ هذا جزءٌ من حرية التعبير؛ فهل هذا صحيح، وما الحكم الشرعي فيمَنْ يفعل ذلك؟

حرية التعبير في الإسلام

أوضحت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية قد كَفَلت حرية التعبير وأَقرَّتها، ولكن هذه الحرية ليست مُطْلَقة، بل المساحة المتاحة للتعبير عن الرأي لا بد أن تكون منضبطة بالضوابط الشرعية؛ ذلك أَنَّ تقييد حرية الفرد من مقتضيات قيام المجتمع الإنساني.

فحرية التعبير عند المسلمين حرية مُلْتَزَمة منضبطة؛ يُحْتَرَز فيها عن عدة أشياء:

عدم خوض الإنسان فيما يَجْهله أو لا يُحْسِنه من أمر العامة؛ ولذا روى أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ». فالضمان والغُرْم ما كان إلا لتَصدُّرِه في أمرٍ لا يُحْسِنه من غير أهلية لذلك.

ألا يشتمل القول أو الرأي على الشائعات، والتي هي في حقيقتها: خبرٌ مجهول المصدر يحتوي على معلومات مضلِّلة تنتشر بسرعة بين الناس، وهذا الخبر في الغالب يكون ذا طابعٍ يُثير الفتنة ويُحْدِث البلبلة بين الناس.

الـمَنْع من التَّهَكُّم وازدراء الغير على سبيل السخرية، ولو بصورةٍ أو تعليقٍ، وقد قال تعالى في الآية الجامعة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11]. وقال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».

حكم السخرية من الأشخاص عن طريق الكوميكس

"الكوميكس Comics": هو رسم توضيحي للتعبير عن الأفكار باستخدام صورةٍ أو عدة صور يَظْهَر فيها إشارة لنصٍّ أو حَدَثٍ أو شخصٍ يفهمه الناظر لهذه الصور. والسُّخْرية مِن الأشخاص عن طريق استخدام مِثْل هذا النوع من التعبير عن الرأي؛ أمرٌ مذمومٌ شرعًا؛ وذلك لأنَّ فيها تَهَكُّمًا وازدراءً لا يليقان بأخلاق المسلم؛ وقد بَيَّن الله تعالى أَنَّ مِن صفات المنافقين: السخرية مِن المؤمنين وأفعالهم؛ قال تعالى: ﴿الذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: 79].

تأثير التنمر الالكتروني والسخرية بالكوميكس

السخرية قد تؤدي إلى انتشار التنمر الالكتروني، وتسبب أذى نفسيًا ومعنويًا للأشخاص الذين يتم السخرية منهم. وقد تؤدي أيضًا إلى تأجيج النزاعات بين الأفراد والجماعات، مما يضر بالنسيج الاجتماعي.

هل يجوز استخدام الكوميكس في النقد البنّاء؟

إذا كان الكوميكس يُستخدم لنقل فكرة أو نقد ظاهرة بأسلوب لا يحتوي على استهزاء أو تجريح، فقد يكون ذلك مقبولًا، بشرط أن يلتزم الأدب الإسلامي في الحوار والنقد.

احترام الآخرين واجب اسلامي

الإسلام يدعو إلى احترام الآخرين، وتجنب كل ما يسبب لهم الأذى أو الإهانة. لذا، يجب على المسلمين الانتباه إلى تأثير محتواهم عند التنمر الالكتروني واستخدام الكوميكس أو غيره من الوسائل التعبيرية، والحرص على أن يكون النقد بناءً وخاليًا من السخرية والاستهزاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.