أوبريت "أيام العز" الذي يقدم حاليا علي مسرح البالون يعد من أهم الأحداث الفنية حيث تحقق من خلاله احياء كنوزنا من المسرح الغنائي الذي شهد نهضة كبيرة في عشرينيات و وثلاثينيات القرن الماضى.. وأيام العز تأليف بديع خيري1893-1966وألحان داوود حسني 1870- 1937 وتم تقديمه عام 1928 بطولة نجيب الريحانى وبديعة مصابني.وليس هذا الإحياء الأول له بل قدمته الإذاعة المصرية في الخمسينات، وكان بطولة مجموعة كبيرة من النجوم منهم عقيلة راتب و صلاح سرحان و شفيق نور الدين، وأحمد شكري وغيرهم.
وتولي توزيع أغنيات دواد حسني الملحن والموزع علي فراج وقام بإخراج الأوبريت للإذاعة المصرية عثمان أباظة.
أما "أيام العز" 2024 أستطاع كل من الموسيقار منير الوسيمي والمخرج الأوبرالي د.عبد الله سعد أن يقدما لنا عملا متميزا يجعلك تغيب من الزمن الحاضر وتحيا مع قصة بسيطة من حكايات ألف ليلة وليلة.
تدور أحداث أوبريت "أيام العز" كما شاهدناها في منزل الشيخ بكر الذي اشتري الجارية "ليلي" من أجل تزويجها لابنه نور الدين إلا أن الشرطة تأتي إلي منزل الشيخ وتطالبه بإرسال الجارية إلي قصر السلطان لأنه كان يريدها قبل أن يشتريها الشيخ وبالفعل ذهب الشيخ إلي السلطان، وأعطاه الجارية ثم قام السلطان بإعطاء الجارية مع صندوق من الجواهر إلي قاضي القضاة وكان نور الدين مولعاً بحب حورية ابنة القاضي التي يريد أن يزوجها لابن أخيه سرحان وفي يوم كان نور يحلق ذقنه وكان الحلاق خميس في عجلة من أمره فلما سأله نور عن السبب أخبره بأنه ذاهب إلي القاضي كي يحلق له فرأي نور أن تلك فرصة ذهبية لكي يري حبيبته ابنة القاضي فاتفق مع خميس الحلاق بأن يكون صبيه في هذه الزيارة مقابل مائة دينار وذهب الاثنان إلي منزل القاضي الذي كان غير موجود فقابل نور حبيبته حورية، وقابل الحلاق حبيبته ليلي الجارية ثم يحضر القاضي فجأة ويتم القبض علي نور وخميس بتهمة وجودهما في الحرملك وسرقة صندوق المجوهرات وهذه السرقة تمت بالفعل علي يد لصوص آخرين ولم يقم بها نور وخميس وبعد مواقف كوميدية كثيرة ينجح نور وخميس في الهرب إلي الجبل حيث يختبئ اللصوص والمطاريد ويُصادف أن لصوص صندوق المجوهرات كانوا هناك وينجح نور وخميس في الحصول علي صندوق المجوهرات والعودة به إلي القاضي والسلطان، لتنتهي المسرحية بزواج نور من حورية وخميس من ليلي.
العمل تم تقديمه في فاصلين وعدة مشاهد ساهم ديكور محمد الغرباوي بأسلوبه البسيط المختزل والمرسوم أن لاتشعر عين المتفرج بالملل وراعي سرعة تغيير المناظر التي جاءت معبرة عن العصر ومناسبة للأحداث وهذا ليس غريبا علي الغرباوي الذي له تاريخ طويل في تصميم ديكور معظم اوبرات وباليهات دار الأوبرا ساعدت ايضا إضاءة رضا إبراهيم علي إضفاء البهجة في المشاهد المرحة والتوظيف الجيد خاصة في مشهد اللصوص.
ونأتي للموسيقي والألحان ونجد أن الفنان منير الوسيمي أعدها بأصول المسرح الغنائي حيث كانت الإفتتاحية باللحن الرئيسي المشهور من هذا العمل "ياحليلة ياحليلة" مع التأكيد علي بعض ألحان من أغاني العمل في تناول موسيقي متطور به هارمونية وانسجام وتعدد محسوب بدقة للأصوات مع محافظة علي الألحان تحسب له وتعود لخبرته الطويلة في مجال المسرح الغنائي ورغم أن موسيقي العمل بلاي باك إلا ان الإحساس بأن هناك أوركسترا أتضح تماما في تناول الوسيمي للألحان التي حافظ عليها رغم أستخدامه الكتابة الموسيقية الحديثة للمجموعات الأوركسترالية السيمفونية وللأصوات البشرية بأنواعها المختلفة.. يحسب للوسيمي ايضا إختيار الأصوات وتدريبهم حيث تضمن العمل مجموعة من الأغنيات تنوعت بين الأغاني الفردية والدويتو والكورال الذي استثمره الوسيمي تماما من حيث تنوع الألحان وتركيب الأصوات المتعددة والتناول الموسيقي وقد تفوقوا جميعا البطلة تعد مفاجاة العرض ندي ماهر في دور ليلي صوت جميل مدرب ايضا فنانة شاملة رقص وحركة بخفة علي المسرح مع تمثيل معبر وشاركها في هذا مطرب الأوبرا عزت غانم المغني الأوبرالي درجة الباص الذي ادي دور خميس الحلاق الذي لأول مرة نراه بعيدا عن مسارح دار الأوبرا وعزت لعب كثير من الأدوار ويشتهر بخفة الدم والتعبير التمثيلي المرح وقد كان واضحا هنا واستغل المخرج إمكانياته في هذا الإطار وقد تفوق باقي الطاقم محمد صلاح في دور نور الدين وعبير عبدالوهاب في دور حورية وبالتبادل ريم علي وريهام مصطفي في دور كهرمانة وشريف قاسم في دور رئيس الخدم ومحمد زينهم في دور الضابط، وحسام العمدة في دور صبي الحلاق وومع هؤلاء الفنانون الكبار أحمد صادق والفنان الكبير رضا الجمال احد نجوم المسرح الغنائي المصري.
والفنان سيد الشرويدي القدير حقاً في دور القاضي والفنان ماهر عيد في دور سرحان.. وإذا كانت الموسيقي لعبت دورا في الغناء نجدها أيضا أنعكست تماما علي الإستعرضات التي أستثمرت الموسيقي وأكدت ان مصمم الاستعراضات حسن شحاتة ذات فكر تصميمي واعي وساعده الراقصين الذي اتضح تماماتدريبهم الجيد، كما لاننكر ان تصميم ملابس مروة عودة ساعد ايضا علي الإبهار بجانب الإبداع في كل عناصر العمل الذي امسك د. عبد الله سعد بكل خيوطها بخبرته الطويلة والجادة في الإخراج الأوبرالي حيث وجدنا حركة مدروسة علي المسرح وتحريك متميز للمجاميع سواء حركتهم علي المسرح أو في الدخول والخروج أيضا أستطاع بتوجيهاته ومعرفته الجيدة بالطاقات التي معه ان يكون كل من وقف علي المسرح بطل أستحق التصفيق الذي ناله من الجمهور أيضا الحرص أن تكون هناك أغنية في الختام "ياليالي الهنا" ولاتقفل الستارة بل يصفق الجمهور مع اللحن البديع لداوود حسني والتناول الموسيقي لمنير الوسيمي و وكلمات بديع خيري وكأن الجميع يصفق لفترة هامة من تاريخنا الإبداعي في مجال المسرح الغنائي.
وأخيرا أن يتمكن مسرح الدولة فى كل ظروفه القاسية ويقدم لنا عملا بهذا الجمال والحرفية يستحق كل من ساعد على تقديمه التحية والتقدير فرقة الشباب ومديرها الفني ماهر عبيد والفنان احمد الشافعي رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والإستعراضية والمطلوب من وزارة الثقافة ان يتجول هذا العرض فى المحافظات أما الأمنية الكبري أن تعود الفرقة الموسيقية الحية لهذا المسرح الاستعراضي الغنائي.
اترك تعليق