القواعد الأساسية لمفاوضات ناجحة بين الدول والشركات والأفراد
أطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه.. وإياك أن تطرح عبارة " نقسم البلد نصين"
افتعل طريقا مسدودا لتجبر الطرف الآخر على المرونة .. وكن دائما مستعدا للانسحاب
لا توافق أبداً على العرض الأول .. وتجهم عند سماعه
استخدم اسلوب "اللجوء للسلطة الأعلى" للحصول على مزيد من التنازل
اجمع معلومات عن الآخر قبل بداية التفاوض.. واعتمد على قاعدة "20/80"
تجنب المواجهة.. وهكذا ترد على "سياسة الأمر الواقع"
تظاهر بالحماقة.. واقرأ العقد بعد التعديل.. وواجه الموقف المتأزم بذكاء
بقلم / أحمد سليمان
هذا الكتاب من أروع الكتب التى يمكن أن تصادفها فى حياتك ، لأنه يحتوى على خلاصة خبرات علماء وتجارب حياتية لخبراء فى الموضوع الذى يطرحه الكتاب .. وموضوع هذا الكتاب هو "التفاوض" .. أى نوع من أنواع التفاوض .. التفاوض بين الدول، التفاوض بين الشركات ، التفاوض بين الوزارات، الأشخاص، الأزواج، البائع والمشترى ،أياً كانت البضاعة محل البيع والشراء والتى قد تكون سيارة، شقة ، منزلاً، قطعة أرض ، وظيفة ، أوغير ذلك من أشياء يتم التفاوض بشأنها.
هذا الكتاب " أسرار قوة التفاوض" لمؤلفه أستاذ التفاوض الأمريكى "روجر داوسون" ، الذى ترجمته وأصدرته مكتبة "جرير" يقع فى 430 صفحة من القطع المتوسط ويمثل موسوعة وذخيرة معلومات يحتاج إليها كل شخص ، فجميعنا خضع أو سوف يخضع فى وقت من الأوقات لوضع التفاوض مع طرف آخر حول شئ ما ، ووقتها سنشعر باحتياجنا لتجارب الآخرين ممن مروا بأوضاع التفاوض للاستفادة منها فى حالتنا .
يسوق المؤلف مثالاً معتاداً كنا نعلمه أولادنا ليمهد لكتابه .. فيقول : إذا أردنا تقسيم برتقالة بين شخصين فإنه لأول وهلة نقول إنه يجب تقسيمها بسكين إلى نصفين ويحصل كل واحد على نصف ، وللتأكد من عدالة التقسيم نطلب من أحد الشخصين تقسيم البرتقالة على أن يتولى الشخص الآخر اختيار النصف الذى يرغب فى الحصول عليه، ولكن إذا طلبنا من كل طرف الإفصاح عن الهدف الحقيقى من رغبته فى الحصول على البرتقاله فإننا قد نصل إلى أن أحد الطرفين يريد عمل عصير برتقال ، بينما يرغب الطرف الثانى أن يعد كيكة البرتقال باستخدام القشر ، وهنا نصل إلى حل سحرى يجعل الطرفين فائزين بما يريدانه من البرتقالة بكاملها دون أدنى خسارة.
يقول المؤلف : إنك عندما تجلس إلى مائدة المفاوضات فإنك ترغب فى الحصول على نفس ما يريده الطرف الآخر، فإذا كنت مشترياً فإنك تريد الحصول على الشئ محل البيع بأقل سعر ، بينما يرغب الطرف الآخر فى البيع بأعلى سعر، وهنا يظهر معنى مصطلح "قوة التفاوض" الذى يعنى كيف تفوز على مائدة التفاوض بينما تُشعر الطرف الآخر بأنه هو الذى فاز فى المفاوضات.
يشير المؤلف إلى أن المفاوض القوى هو الذى يترك شعوراً بالفوز لدى الطرف الآخر بينما الحقيقة عكس ذلك ، أما المفاوض الضعيف فهو الذى يترك لدى الطرف الآخر شعوراً بالخسارة والهزيمة فى نهاية التفاوض ، لذلك فإن تطبيق أسرار التفاوض التى سيتم شرحها بالتفصيل الآن يجعل المفاوض يترك مائدة المفاوضات وهو يعلم أنه رابح ، وقد عزز علاقته أيضاً بالطرف الآخر.
يقول المؤلف : يجب أن تعلم أن التفاوض القوى يعتمد على مجموعة من القواعد شأنها فى ذلك شأن لعبة الشطرنج ، أما الفارق الكبير بين التفاوض والشطرنج أنه فى حالة التفاوض لا يجب أن يكون الشخص الآخر على دراية بقواعد اللعبة ،لأنه إذا كان على دراية بها فسوف يقوم بالرد على ما تتخذه أنت من خطوات وعلى نحو متوقع.
حيل بداية التفاوض
هناك عدة حيل يتم تطبيقها عند التفاوض :
ــ أولاً: (أطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه)
وبخصوص هذه القاعدة استرشد المؤلف بما قاله هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق : "إن الفاعلية على مائدة التفاوض تعتمد على المبالغة فى عرض الطلبات" ، وهناك بعض الأسباب التى تفرض عليك اتباع هذه الطريقة منها: ما الذى يدفعك إلى طلب تخفيض يفوق ما تتوقع الحصول عليه؟ وما الذى يدفعك إلى طلب أحد المناصب المهمة من مديرك بينما تدرك أنك سوف تكون من المحظوظين لمجرد حصولك على مكتب خاص؟ وحينما تتقدم لوظيفة فما الذى يدفعك للمطالبة بما يفوق توقعك من المال والامتيازات؟
إذا كنت قد فكرت فى مثل هذه الأمور فربما بإمكانك الآن أن تصل إلى بعض الأسباب التى تحتم عليك المطالبة بأكثر مما هو متوقع، والإجابة هى أن هذا الأسلوب سوف يمنحك مزيداً من المساحة التفاوضية .
فإذا كنت بائعاً فسوف يعطيك هذا الأسلوب فرصة للنزول بالسعر لأنك بالطبع لن تستطيع أن تعلو به ، أما إذا كنت مشترياً فيمكنك أن ترفع السعر ولكنك لن تتمكن من النزول به.
بالغ فى مطالبك
يقول المؤلف: يجب أن تبالغ فى مطالبك المبدئية إن كنت لا تملك ما يكفى من معلومات عن الطرف الآخر ، أى أن قدر المبالغة يجب أن يتماشى مع قدر جهلك بالطرف الآخر وهذا يرجع لسببين:
ـ قد تخطئ فى افتراضاتك إن كنت تجهل الطرف الآخر وتجهل احتياجاته الحقيقية ، فقد يكون على استعداد لدفع مبلغ يفوق ما تفكر فيه ، أما إن كان بائعاً فقد يكون على استعداد لقبول سعر أقل بكثير من تصورك.
ـ إن كنت بصدد علاقة جديدة فسوف تبدو فى شكل أكثر تعاوناً إذا كان بوسعك تقديم المزيد من التنازلات ، لذا فإن قدرتك على تعديل موقفك تعتمد على مدى معرفتك بالطرف الآخر وإطلاعك على درجة احتياجه، أما إن كان الطرف الآخر يجهلك فسوف تبدو مطالبه المبدئية أكثر مبالغة.
ينصح المؤلف أى شخص مقبل على التفاوض بشأن شئ ما أن يبدى بعض المرونة إذا كان يطالب بما هو أكثر من الحد الأقصى المتوقع ، وذلك لأنه إذا كان وضعك المبدئى يبدو للطرف الآخر مبالغاً فيه فإن هذا يعنى أنك تقتل المفاوضات فى مهدها ، فاتباع سياسة "لك أن تقبل أو ترفض" سوف يدفع الطرف الآخر إلى أن يجيبك قائلاً "لا جدوى من التفاوض إذاً".
يضاف إلى ذلك أن المطالبة بأكثر مما تتوقع الحصول عليه يعمل على تعزيز قيمة السلعة المعروضة ، فأنت إن كنت بصدد التقدم لوظيفة ما وطالبت بأجر يفوق توقعك بالنسبة لما يمكنك الحصول عليه فسوف تعطى انطباعاً للآخرين بأنك بالفعل تستحق هذا الأجر ، وإن كنت تبيع سيارة وطالبت بسعر أعلى فسوف يعتقد المشترى أن السيارة ربما تستحق بالفعل هذا السعر المرتفع.
الطريق المسدود
ـ قد تكون بحاجة إلى افتعال طريق مسدود حتى يشعر الطرف الآخر بأن الصفقة فى طريقها للفشل فيضطر لإبداء بعض المرونة من جديد لإكمال العملية محل التفاوض وربما يرضى ببعض التنازل الجديد.
أما السؤال التالى فهو : إذا كنت تطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه فإلى أى مدى يمكنك أن تطلب؟.. والإجابة هى أنك يجب أن تقوم بحصر هدفك ، ويجب أن يكون عرضك المبدئى وسطاً بين العرض والهدف الذى تسعى لبلوغه ، كما يجب أن يكون كذلك بالنسبة للطرف الآخر أى أن يكون وسطاً بين عرضه المبدئى والهدف الذى يسعى لتحقيقه.
فمثلاً إذا كان هناك شخص يريد بيع سيارته بسعر خمسة عشر ألف دولار بينما ترغب أنت فى شرائها بثلاثة عشر ألف دولار فمعنى ذلك أن عرضك المبدئى يجب أن يكون أحد عشر ألف دولار لكى تصل للسعر الذى حددته أنت سلفاً وهو ثلاثة عشر ألف دولار.
هذا لايعنى بالطبع أنك يجب أن تعقد الصفقة دوماً فى منتصف المسافة بين الطرفين ، ولكن يمكنك دائماً أن تعمد إلى هذا الافتراض إن لم تكن تملك من المعلومات ما يكفى لتغيير موقفك المبدئى ، وافترض دائماً أنك ستصل إلى منتصف المسافة بين الوضع المبدئى لكلا العرضين ، وراقب الأمر وسوف تدهشك النتائج من صحة هذا المبدأ.
ومع ذلك تجنب دائماً أن تعرض أنت عبارة" نقسم المسافة نصفين" لأن ذلك يجعل الطرف الآخر يرفض ذلك فى محاولة لإثنائك عن هذا المبدأ ، والعكس صحيح ، فإذا عرض الطرف الآخر هذا المبدأ"نقسم المسافة نصفين" يجعلك تتمسك بعرضك الأول الذى أفصحت عنه قبل أن يطرح هو هذا المبدأ وربما فزت بأكثر مما توقعت قبل عرضه الأخير.
احذر دائماً أن تكون إجابتك متوقعة للطرف الآخر لأن ذلك سوف يمنحه فرصة لتتبع أسلوبك فى التفاوض والتعرف على قدر ما سوف تمنحه من تنازلات .
ـ ثانياً: (لا توافق أبداً على العرض الأول):
يقول المؤلف: دعنا نفترض أنك تفكر فى شراء سيارة مستعملة وأنك سمعت أن أحد الجيران يبيع سيارته ويطلب فيها مبلغ عشرة آلاف دولار ، وأنك ترى أن هذا سعر رائع لدرجة أنك لا تطيق صبراً وتود أن تهبط على البائع وتخطف السيارة قبل أن يسبقك إليها غيرك ، وبينما تتوجه إلى البائع انتبهت إلى أنه ربما من الخطأ الموافقة مباشرة على هذا السعر ، لذلك قررت أن تعرض سعراً متدنياً عن هذا السعر وليكن ثمانية آلاف دولار لمعرفة رد فعل البائع ، وبينما تقود السيارة لتختبرها تقول لصاحبها إن هذه السيارة ليست التى كنت أرغب فى شرائها ولكننى من الممكن أن اشتريها بثمانية آلاف دولار.
أنت بالطبع تتوقع أن يثور البائع غضباً لمثل هذا السعر المتدنى ولكن ذلك لن يحدث خاصة إذا نظر البائع لزوجته التى بجواره ويسألها: "ما رأيك يا عزيزتى فى هذا السعر؟" وتكون إجابتها : "لا مانع .. دعنا نتخلص من هذه السيارة".
ـ ثالثاً: (تجهم عند سماع العرض) :
يدرك المفاوض المحنك أنه يجب أن يقابل عرض الطرف الآخر بتجهم وبإظهار حالة من الصدمة والمفاجأة ، دعنا نفترض أنك فى أحد المنتجعات وبينما تسير توقفت لتشاهد أحد الفنانين الذين يقومون بالرسم بالفحم ، وأنه لم يعلق لافتة تشير إلى الأجر الذى يتقاضاه فتقوم أنت بسؤاله عن قيمة هذا الأجر فيجيبك بأنه خمسة عشر دولاراً ، فإذا لم تظهر صدمتك عند سماع هذا السعر فسوف يبادرك قائلاً: "وخمسة دولارات للألوان" فإن لم تبد هنا أيضاً إحساساً بالصدمة فسوف يضيف : "ولدينا هنا صناديق من الكرتون ويجب أن تحصل على واحد منها".
يقول المؤلف: وربما تكون متزوجاً من إحدى السيدات اللاتى لا يظهرن تجهماً أبداً لأن هذا ينال من كرامتهن ، وقد كانت زوجتى واحدة من هؤلاء ، فبينما كنا نسير داخل محل تجارى توقفت لتسأل البائع عن سعر أحد المعاطف فأجابها بأنه بسعر ألفى دولار فأجابته زوجتى: "ليس سيئاً" ، وقد كانت مثل هذه الردود تكاد تصيبنى بأزمة قلبية ، لأنه فى حقيقة الأمر حينما يقوم أحد الأشخاص بتقديم عرض فهو ينتظر أن يرى أثر هذا العرض على وجهك، وقد يكون الشخص على يقين من أنك لن تقبل هذا العرض ولكنه ألقاه ليراقب رد فعلك.
إن كل تجهم يتبعه تنازل من الطرف الآخر ، وإذا لم تلتزم بذلك فسوف يتحول الطرف الآخر إلى مفاوض شرس ، وحتى إذا لم يكن المفاوض أمامك وجهاً لوجه كأن يكون يتحدث معك عبر الهاتف فإنه يصبح بوسعك أن تصيح بصوت يعبر عن الصدمة والدهشة ، وتذكر أن قوة الصوت عبر التليفون تمتلك قوة تأثير عالية.
ـ رابعاً: (تجنب المواجهة أثناء التفاوض):
إن ما تقوله فى اللحظات القليلة الأولى من بدء التفاوض هو الذى يهيئ المناخ للتفاوض حيث يستشعر الطرف الآخر على الفور ما إذا كنت بصدد الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف أم أنك مفاوض شرس يسعى للحصول على ما يريد فقط، فأسلوب المفاوض الشرس هو ما يتبعه عادة المحامون ـ كما يقول المؤلف.
ـ كن حريصاً على كل ما تقوله فى بداية التفاوض ، فإذا اتخذ الطرف الآخر موقفاً معارضاً لك فلا تجادل لأن المجادلة تشعل رغبة الطرف الآخر فى أن يدافع عن وجهة نظره ،لذلك فإنه من الأفضل أن توافق الطرف الآخر مبدئياً ثم تسعى لإقناعه بعكس ما يقول ، وهذه تسمى نظرية"إننى أتفهم وجهة نظرك لأن الكثيرين كانوا يشعرون بالإحساس نفسه مثلك" ووقتها تكون قد استبعدت روح المنافسة من الطرف الآخر.
لنفترض أنك تقوم ببيع شئ ما فوجدت الطرف الآخر يقول لك "إن هذا السعر الذى تعرضه يفوق كثيراً ما يمكن دفعه" فإن لجأت إلى المجادلة فسوف يتخذ موقفاً شخصياً ويحاول ان يثبت أنك أنت المخطئ وأنه هو المصيب ، أما إن قلت له:"أنا أتفهم تماماً ما تشعر به حيال هذا الأمر ، فالكثيرون قبلك كانوا يشعرون بمثل هذا الإحساس بمجرد أن علموا بالسعر ولكنهم حينما ألقوا نظرة أكثر تفحصاً للمنتج خلصوا ـ على الرغم من ذلك ـ إلى أننا نقدم أفضل سعر فى السوق.
ولنفترض أنك تقدمت لشغل وظيفة ما فوجدت مدير الموارد البشرية يقول لك : "لا أعتقد أنك تمتلك الخبرة الكافية اللازمة لهذه الوظيفة" ،فإذا أجبته قائلاً: "لقد كنت أتولى مهام أصعب من ذلك فى الماضى " فكأنك تقول له أنا على صواب وأنت على خطأ مما سيدفع المدير إلى الدفاع عن وجهة نظره، فبدلاً من هذا الرد يمكنك أن تجيبه قائلاً: "أنا أتفهم تماماً ما تشعر به الآن إذ أن هذا هو ما شعر به كثيرون حيال هذا الأمر ومع ذلك يبقى هناك بعض أوجه التشابه بين العمل الذى كنت أؤديه من قبل وما تبحث عنه حتى وإن لم تكن هذه الأوجه ظاهرة".
إن حفظ نظرية" إننى أتفهم شعورك" فى عقلك تمنحك وقتاً للتفكير حينما تفاجأ بموقف عدائى من قبل الطرف الآخر............
ـ خامساً: (استخدام الأسلوب الملزم):
يعد الأسلوب الملزم أحد اكثر الحيل الفعالة ،إذ أنه سوف يذهلك عند تطبيقه وهو مجرد ذكر هذه العبارة: "يمكن أن يكون عرضك أفضل من ذلك"، وهنا سيضطر الطرف الآخر للنزول بالعرض وتحديد رقم ، ولكن المفاوض المحنك ذا الخبرة سوف يجيبك على الفور باستخدام الحيلة المقابلة:"إلى أى مدى بالضبط تريدنى أن أحسن مستوى العرض؟" ويحاول المفاوض هنا أن يجبرك على تحديد طلبك ، ومع ذلك فإن ما يحدث عادة هو وقوع المفاوض غير المحنك فى الفخ بل وتنازله عن المساحة الاكبر فى رقعته التفاوضية فقط للرد على هذه العبارة.
ماهى الخطوة التالية إذا فاجأك الطرف الآخر بعبارة:"ألا يمكنك أن تقدم عرضاً أفضل؟" .. هنا لا تقل شيئاً ..اصمت ولا تنطق بكلمة ووقتها سوف يبادر الطرف الآخر بتقديم تنازل وهو ما يطلق عليه رجال المبيعات "العبارة الساكنة" وهم يتعلمونها فى الأسبوع الاول من التحاقهم بالعمل ، فما عليك إلا أن تقدم العرض ثم تصمت ولا تنطق قبل أن يأتيك رد الطرف الآخر على العرض إما بالقبول أو الرفض ، ووقتها يتم التصرف بناء على الرد.
ـ سادساً: (سلطة اتخاذ القرار):
إن التعامل مع المفاوض الذى لا يملك سلطة اتخاذ القرار النهائى هو أحد المواقف المثيرة للإحباط إلا إذا أدركت أنه مجرد إحدى حيل التفاوض،فقد تدخل جولة طويلة من التفاوض مع أحد الأشخاص ثم بعد التوصل إلى ما يشبه الاتفاق النهائى تفاجأ به يخبرك بأنه سوف يحمل نتيجة التفاوض إلى السلطة الأعلى التى قد تكون مجلس الادارة أو لجنة المواصفات ليحصل على موافقتها، هنا سوف تصاب بالاحباط لكونك بذلت مجهودا كبيرا مع شخص كنت تعتقد انه بيده اتخاذ قرار بحسم الصفقة بينما هو ليس صاحب قرار.
لذلك يمكنك مواجهة هذا الموقف المحبط قبل البدء فى أى تفاوض مع أى طرف بأن تبادره فى البداية بقولك :" يمكنك بالطبع حسم الصفقة إذا نالت رضاءك أليس كذلك؟" ، وقتها تكون قد قطعت عليه الطريق إذا كان يحاول اتباع أسلوب السلطة الأعلى لاتخاذ القرار.
يؤكد المؤلف إنك إذا اتبعت "أسلوب السلطة الاعلى " فيجب أن تجعل هذه السلطة الأعلى مشوشة ومبهمة وليست شخصاً محددا ، لأنك إن قلت للمفاوض بعد تقديمه اقصى التنازلات حسناً سوف أعرض الأمر على السيد المدير فإنه سوف يفاجئك بقوله: هيا بنا إلى السيد المدير للحصول على موافقته.
إن اتباع "أسلوب السلطة الأعلى" سيجبر الطرف الآخر على تقديم تنازلات أكثر لمحاولة إرضاء من بيده سلطة اتخاذ القرار بحسم الصفقة إما بالبيع أو الشراء أو أى شئ آخر.
سابعاً: (إياك أن تقترح اقتسام الفارق):
يسيطر علينا بشكل مخيف فكرة "نقسم البلد نصين" أو نقسم الفارق بينا" ونعتقد بأن التنازل المتساوى من الجانبين يكون منصفاً للطرفين ولكن الحقيقة أن هذه الفكرة غير صحيحة ، فمثلاً إذا كان هناك شخص يسمى فريد عرض منزله للبيع بسعر 200 ألف دولار وأن سيدة تسمى سوزان عرضت شراءه ب 190 الف دولار فهنا يسعى الطرفان لاتمام الصفقة بمبلغ 195 ألف دولار وان هذا سيكون سعرا منصفاً لانه تنازل متعادل من الطرفين بينما الحقيقة أن درجة الانصاف تختلف وتعتمد على الوضع المبدئى للتفاوض لفريد وسوزان بمعنى أنه ان كان منزل فريد يساوى 190 ألف دولار بينما يصر فريد على التمسك بعرضه المغالى فيه بسبب ما ابدته سوزان من تهافت على شراء البيت فان الاقتسام هنا لا يكون منصفا، أما إن كان البيت يساوى بالفعل 200 ألف دولار وتستطيع سوزان ان تدفع هذه القيمة بالفعل الا انها تستغل حاجة فريد للمال نظرا لوقوعه فى بعض المشاكل المادية فيكون الاقتسام هنا ايضا غير منصف.
وبناء على ذلك لا تعتقد ان اقتسام الفارق يكون دائما حلا منصفا حينما يصل التنفاوض حول السعر الى طريق مسدود، فالمفاوض المحنك يعى ان اقتسام الفارق لايعنى بالضرورة اقتسامه فى منتصف الطريق بين البائع والمشترى بل يمكن ان يقسم الفارق مرتين لتصل القسمة إلى نسبة ثلاثة ارباع إلى الربع.
فلا تبادر مطلقا بعرض اقتسام الفارق ولكن احمل الطرف الاخر على ذلك وهو ان فعل ذلك يكون فى موقف الطرف الذى يسعى للتسوية بتقديم حل وسط بينما تقوم انت بقبول عرضه على مضض لتشعره بأنه انتزع منك فوزاً.
ـ ثامنا: (كن مستعداً للانسحاب من المفاوضات):
إن استعدادك للانسحاب من المفاوضات يعد أقوى نقاط الضغط ويوحى للطرف الآخر بأنك قد تنسحب إذا لم تحصل على ما تسعى إليه، فليس هناك ما يدعوك مطلقاً إلى إتمام الصفقة بأى ثمن او الاعتقاد بأن هذه السيارة مثلا هى الوحيدة التى تلائمك او هذا المنزل هو الأفضل لك للعيش فيه.
تاسعاً: (سياسة الأمر الواقع):
هل قمت يوماً بارسال شيك لأحد الاشخاص بأقل من القيمة المطلوبة مدونا على ظهره عبارة "تم سداد القيمة بالكامل"؟ .. غن هذا ما يسمى سياسة الامر الواقع والتى تتمثل فى افتراض احد المفاوضين أن الطرف الآخر سوف يقبل هذا الحل المفروض بدلاً من تحمل عناء مفاوضات جديدة، وهذا الأمر انتشر كثيرا فى ولاية كاليفونيا حيث كان يفاجأ أصحاب السيارات بان مراكز الصيانة يرسلون لهم فواتير بمبالغ كبيرة فيضطرون للدفع لان سياراتهم مازالت متحفظ عليها بمراكز الصيانة لحين سداد القيمة فيجدون أنفسهم أمامك الامر الواقع.
أما إذا فوجئت بأن الطرف الآخر قد حرر عقداً ووضع بندا او قام بتعديل بند متفق عليه فيمكنك أن ترد العقد إليه مع تعديل ما تراه بخط يدك كدليل على عدم اعترافك بمبدأ "الأمر الواقع".
المبادئ الأساسية
ثم يتناول المؤلف المبادئ الأساسية للتفاوض ومنها مايلى:
ـ من الذكاء التظاهر بالحماقة: فالمفاوض ينظر الى الشخص الأحمق على أنه ذكى، بينما ينظر إلى الشخص الذى يتظاهر بالذكاء على أنه احمق،فحينما تتفاوض يجدر بك أن توحى للطرف الآخر بأنك تعرف أقل من غيرك وليس أكثر منهم وكلما تفوقت فى أداءدور الأحمق حصلت على مزايا أكثر، ولكن احذر إذا تقمصت هذا الدور من أن تدع ذكاءك يسقطك فى عدم المصداقية.
ـ إقرأ العقد كل مرة: ففى ظل طباعة العقود بالكمبيوتر اصبح من الممكن أن يتلاعب الطرف الآخر فى تحرير العقد بشان جزئيات كنتم قد اتفقتم عليها ، فمن الأفضل أن تقوم أنت بتحرير العقد ، وفى حالة الاتفاق على تعديل أحد بنود العقد يجب عليك مراجعة العقد كاملا مرة أخرى بعد التعديل فقد يقوم الطرف الىخر باجراء التعديل المتفق عليه فى البند محل التعديل ولكنه قام بتعديل عبارة أو كلمة فى بند آخر قد تكلفك مالا أو تضطر معها للجوء للقضاء لاثبات شئ كنتم قد اتفقتم عليه مسبقاً.
ـ إسع دائما لتهنئة الطرف الآخر: فيجب ان تحرص بعد نهاية المفاوضات على تهنئة الطرف الاخر مهما كان أداؤه ضعيفا اثناء التفاوض ولتقل له: لقد قمت بتفاوض رائع حقا فانا لم أحصل على الاتفاق الذى كنت اتمناه ولكننى تعلمت منك الكثير فيما يخص التفاوض سأراعيه فى مفاوضاتى المقبلة، فيجب أن تشعر الطرف الآخر بانه فاز حتى وإن كنت أنت الفائز.
ـ واجه الموقف المتأزم بذكاء: فعندما يصل الطرفان الى نقطة خلاف بخصوص أحد بنود التفاوض فلا يجب التوقف امامها طويلا حتى لا يشتد الخلاف وتصلا الى طريق مسدود بشأن التفاوض كلياً ، ولكن كل ما عليك فعله هو أن تقترح على الطرف الاخر ترك هذا البند للنهاية والرجوع اليه فيما بعد عقب الانتهاء من بقية البنود، وذلك حتى لا يتشبث كل طرف برايه مما ينعكس على البنود التالية التى سيتم مناقشتها.
ـ عامل الوقت وقاعدة 20/80: هناك قاعدة تسمى قاعد(20/80) وهى تقول إن20% من البشر يسيطرون على 80% من ثروات العالم وأن 20% من تلاميذ المدرسة يقومون بـ 80% من المشكلات فى الفصول، وأن 20% من رجال المبيعات هم من ينفذون 80% من عمليات البيع، وأن 20% ممن يحضرون الندوات هم من يقدمون 80% من الأسئلة للمنصة، وبناء عليه فإنه ثبت أيضاً أن 80% من التنازلات أثناء التفاوض يتم تقديمها فى الـ 20% من الوقت المتبقى من التفاوض حيث يكون كل طرف على استعداد للتنازل اكثر لمجرد طول وقت التفاوض، حيث أن طول فترة التفاوض يجعل الطرفين اكثر مرونة.
ـ قوة المعلومات: فكلما حصل أحد الأطراف على معلومات عن الطرف الآخر أصبح أكثر قوة فى التفاوض وزادت فرصته فى اقتناص النصر، لذلك تلجأ الدول للتجسس على بعضها وفرق كرة القدم لدراسة خطط الفرق المقابلة وطرق لعبها لتحقيق النصر..فالمعلومة قوة.
ـ أحذر عبارة "لك أن تقبل أو ترفض": فهذه العبارة تجعلك فظاً وتثير شعور العداء لدى الطرف الآخر ويجعله يرفض العرض ، ولكن يمكنك بدلا من ذلك أن تقول للطرف الآخر إن هذا العرض هو أقصى ما يمكن تقديمه ، ولكنك لو كنت الطرف الآخر فيمكنك مواجهة هذه العبارة " لك أن تقبل أو ترفض" بأن تقول : حسناً سوف أعرض الأمر على رؤسائى أو على شركائى أو على زوجتى إذا كان الشئ منحل التفاوض سيارة أو شقة أو قطعة أرض أو أحد الأجهزة المنزلية.
الكتاب ملئ بالمواقف التفاوضية التى قام بها المؤلف أو نقلها عن متفاوضين سواء فى مجال السياسة أو الاقتصاد أو أى مجال آخر وشرح كيف يتفاوض الأمريكان وأسلوبهم فى التفاوض وكذلك الفرنسيون والبريطانيون والآسيويون وغيرهم من شعوب العالم ومسئوليهم، ويمكن للقارئ أن يجد فيه متعة للذهن وخبرات لسنوات طويلة قد تفيده فى أى موقف تفاوضى يتعرض له مستقبلاً.
اترك تعليق