هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

ستارمر.. والتحديات الصعبة في بريطانيا..!!

الضرائب في أعلي مستوياتها.. والدين العام يعادل الناتج الاقتصادي السنوي 

انخفاض دخل الفرد بسبب التضخم.. نقص الإسكان.. ضعف الاستثمار.. تدني الإنتاجية

وضع استراتيجية للبنية التحتية.. تجذب المستثمرين علي المدي الطويل

معالجة تداعيات الخروج الفاشل من الاتحاد الأوروبي وإصلاح سياسة الباب الدوار للقيادات الكارثية 

تفاقم الانقسامات الاجتماعية.. واتساع الفجوة بين الجنوب وبقية المملكة 

تقرير يكتبه: عبدالمنعم السلموني

تعهد رئيس وزراء بريطانيا الجديد. كير ستارمر. بإعادة بناء بلاده بعد أن حقق حزب العمال الذي يتزعمه فوزا ساحقا في الانتخابات البرلمانية. منهيا 14 عاما من حكومة المحافظين التي عانت كثيرًا من الاضطرابات.


وفاز حزب العمل الذي يمثل يسار الوسط بأغلبية ساحقة في البرلمان المؤلف من 650 مقعدا. وعاني حزب المحافظين بزعامة ريشي سوناك من أسوأ أداء في تاريخ الحزب الطويل. حيث عاقبهم الناخبون بسبب أزمة تكلفة المعيشة. وفشل الخدمات العامة. وسلسلة من الفضائح.

وقال ستارمر في خطاب الفوز:   التغيير يبدأ الآن.. قلنا سننهي الفوضي. وسنفعل. قلنا سنطوي الصفحة. وقد فعلنا. اليوم. نبدأ الفصل التالي. نبدأ مهمة التغيير. مهمة التجديد الوطني والبدء في إعادة بناء بلدنا  .

وفي خطابه الأخير خارج داونينج ستريت قال سوناك:   أود أن أقول للبلاد أولاً وقبل كل شيء إنني آسف  .

لقد أعطيت هذه الوظيفة كل ما عندي. لكنكم أرسلتم إشارة واضحة بأن حكومة المملكة المتحدة يجب أن تتغير. وحكمكم هو الحكم الوحيد الذي يهم. لقد سمعت غضبكم وخيبة أملكم وأتحمل مسئولية هذه الخسارة  .

وذكرت وكالة رويترز أن الجنيه الاسترليني والأسهم البريطانية والسندات الحكومية ارتفعت. لكن ستارمر يأتي إلي السلطة في وقت تواجه فيه البلاد سلسلة من التحديات الصعبة.

والمتوقع أن يصل العبء الضريبي في بريطانيا لأعلي مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية. ويعادل صافي الدين تقريبا الناتج الاقتصادي السنوي. وانخفضت مستويات المعيشة. وتشهد الخدمات العامة تدهورا. خاصة خدمة الصحة الوطنية التي تعاني من الإضرابات.

وقد تم بالفعل تقليص بعض خطط حزب العمال الأكثر طموحا. مثل تعهداته الرئيسية بالإنفاق الأخضر. بينما وعد ستارمر بعدم زيادة الضرائب علي   العاملين  .

قال ستارمر:   لا أعدكم بأن الأمر سيكون سهلاً  .   إن تغيير بلد ما ليس مثل الضغط علي زر كهربائي. إنه مهمة شاقة تحتاج للصبر. والتخطيط الجيد والعمل. وعلينا أن نتحرك علي الفور.  

تعهد ستارمر بتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لحل القضايا المترتبة علي انفصال بريطانيا عن الكتلة. ورغم معارضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فإن العودة إلي الاتحاد ليست مطروحة.

وقد يتعين عليه أيضًا العمل مع ترامب إذا فاز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. 

وبينما وعد ستارمر بإحداث التغيير علي المستوي الداخلي. تعهد بمواصلة دعم لندن المطلق لأوكرانيا في حربها ضد روسيا. وفي العديد من القضايا الخارجية. تشبه سياساته سياسات سوناك.

وقال وزير الدفاع جرانت شابس. وهو أبرز وزير يفقد مقعده:   الواضح بالنسبة لي أن حزب العمال لم يفز بالانتخابات بقدر ما خسرها المحافظون  .

ويشير تقرير آخر لرويترز إلي أنه يتعين علي ستارمر استخدام أغلبية حزب العمال الضخمة في البرلمان لإنهاء الشعور بالتدهور. بدءًا من الخدمات العامة المتداعية ودخل الفرد المتضرر من التضخم إلي نقص الإسكان وضعف الاستثمار في الأعمال التجارية.

وقال للناخبين قبل أيام من الانتخابات:   سنضطر لاتخاذ إجراءات صعبة للغاية لدفع البلاد إلي الأمام  .   ليس هناك عصا سحرية  .

قاطرة النمو

وخلافا لما حدث عام 1997. عندما أطاح حزب العمال بقيادة توني بلير بالمحافظين مع توسع الاقتصاد بنسبة 5% تقريبا في ذلك العام. قد يناضل ستارمر لجعل النمو السنوي البريطاني أعلي من 2% في المستقبل المنظور. بما يتماشي مع الكثير من التباطؤ في أوروبا. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد البريطاني بأقل من 1% هذا العام.

لكن ستارمر ووزيرة ماليته راشيل ريفز قالا إنهما لن يستمرا في الإفراط في الاقتراض لتمويل قاطرة النمو. مع ذكريات لا تزال حاضرة فيما يتعلق بانهيار سوق السندات عام 2022 في عهد رئيسة الوزراء المحافظة السابقة ليز تروس.

وتخطط الحكومة الجديدة للتحرك بسرعة لإصلاح نظام التخطيط القديم في بريطانيا لتسريع الاستثمار في بناء المنازل والبنية التحتية. كجزء من خطة لتحسين الإنتاجية الضعيفة في البلاد. ودعم النمو وتوليد المزيد من عائدات الضرائب للاستثمار في الصحة وغيرها من الخدمات العامة المجهدة.

وقال جاك باريس. الرئيس التنفيذي لشركة InfraRed:   يجب علي حكومة المملكة المتحدة الجديدة أن توفر المزيد من الوضوح والرؤية للمستثمرين من خلال استراتيجية طويلة الأجل للبنية التحتية تمثل حافزًا لجعل المملكة المتحدة مرة أخري واحدة من أكثر الوجهات جاذبية للمستثمرين علي المدي الطويل  .

ومن بين مهام ستارمر أيضًا تخفيض عدد الذين خرجوا من سوق العمل بسبب المرض. بعد الوباء. وهو ما فعلته الاقتصادات الغنية الأخري بالفعل.

وتشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية واتحاد الخدمات الصحية الوطنية. إلي أن إعادة ثلاثة أرباع المتسربين من القوي العاملة منذ عام 2020 لسوق العمل قد يعزز عائدات الضرائب بحوالي 57 مليار جنيه إسترليني إجمالاً علي مدي السنوات الخمس المقبلة.

ويقول ستارمر - ويتفق معه العديد من قادة الأعمال - إن الاستقرار السياسي سيساعد في جذب الاستثمار إلي بريطانيا بعد ثماني سنوات مضطربة أدار فيها البلاد خمسة رؤساء وزراء مختلفين من المحافظين.

ويري فينتان أوتول. في مقال علي موقع فورين افيرز. أنه من النادر في أي ديمقراطية أن ينتقل حزب حاكم بهذه السرعة من الانتصار - فاز بوريس جونسون بأغلبية كبيرة عام 2019 - إلي الكارثة. الأسباب واضحة. وتتمثل في الخروج الفاشل من الاتحاد الأوروبي. والتدهور الاجتماعي والاقتصادي الصارخ. والانحطاط المؤسسي. والباب الدوار للقادة غير الفعالين والكارثيين في بعض الأحيان. وتصرفات جونسون الفوضوية. وتجربة تروس المشؤومة والقصيرة الأمد مع الاقتصاد النيوليبرالي المتطرف. علي مدار العقد ونصف العقد الماضيين. تجسد الشعور السائد - بأن المملكة المتحدة كانت في مراحلها الأخيرة - في تصاعد النزعة القومية الإنجليزية والنزعة الانفصالية في اسكتلندا وويلز وأيرلندا. والتي هددت بطرق مختلفة بتفكيك الاتحاد. 

وحتي رغم أن ستارمر لم يتعرض لكارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا نادرا خلال الحملة الانتخابية. فإنها حقيقة قائمة. تقيد بشدة اندفاع ستارمر المحموم لتحقيق النمو الاقتصادي. والذي بدونه سيتحول وعده بالتجديد بسرعة إلي كلمات جوفاء. إن مستويات المعيشة في انحدار صادم. الأمر الذي أدي إلي تفاقم الانقسامات الاجتماعية واتساع الفجوة بين جنوب إنجلترا وبقية المملكة المتحدة. ومن دون ضخ كميات كبيرة جديدة من الأموال. فإن الانهيار الوشيك للخدمات العامة والصحية يهدد بتدمير بعض المصادر القليلة المتبقية للهوية البريطانية الجماعية.

ولم تعد تدابير الرفاه الاجتماعي مشجعة أكثر بالنسبة لستارمر. في يونيو وصف المعهد الحكومي غير الحزبي حالة الخدمة الصحية الوطنية الحالية بأنها   كئيبة   ووجد أن   أداء المستشفيات هو الأسوأ في تاريخ الخدمة الصحية الوطنية  .   أصبح عدد الأطفال البريطانيين الذين يعيشون في فقر ثلاثة أرباع مليون طفل مقارنة بما كان عليه الحال عندما وصل المحافظون إلي السلطة في عام 2010. ويعاني 4.3 مليون طفل من الجوع. وقد أفلست العديد من الوكالات المحلية. مما أدي إلي تخفيضات كبيرة في الخدمات الأساسية مثل جمع النفايات والرعاية الاجتماعية والمكتبات. في عام 2022. وجدت لجنة مستقبل المملكة المتحدة. وهي هيئة مستقلة يرأسها رئيس الوزراء العمالي السابق جوردون براون. أنه بناءً علي مقياس بسيط لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. فإن   نصف السكان البريطانيين   - أكثر من 30 مليون شخص -   يعيشون في مناطق ليست أكثر ثراءً من الأجزاء الأكثر فقراً في ألمانيا الشرقية السابقة. وأفقر من أجزاء من وسط وشرق أوروبا. وأفقر من ولايتي ميسيسيبي ووست فرجينيا في الولايات المتحدة. 

ويتدفق الشعور بالانحدار بوجود أنهار وشواطئ ملوثة بمياه الصرف الصحي. في شهر مارس. كانت إحدي الطقوس العامة الإنجليزية العظيمة - سباق القوارب السنوي بين أكسفورد وكامبريدج علي نهر التايمز -مسبوقة لأول مرة بتحذيرات للمجدفين من أنه بسبب تركيز بكتيريا الإشريكية القولونية في الماء. يجب عليهم تغطية الجروح والقروح بضمادات مقاومة للماء وعدم ابتلاع أي رذاذ مما كان يسمي   نهر التايمز الحلو  . وجدت وكالة البيئة البريطانية أنه في عام 2023. قامت الشركات التي تدير إمدادات المياه الوطنية بسكب المزيد من النفايات السائلة البشرية الخام وغير المعالجة في أنهار وبحار البلاد أكثر من أي دولة أخري. 

كانت حجة جونسون وحلفائه للخروج من الاتحاد الأوروبي هي أن الوفرة الطبيعية للبلاد خنقها البيروقراطيون في بروكسل لمدة نصف قرن. وأن المملكة المتحدة ستزدهر إذا تحررت من هذه الأعباء. والحقيقة القاسية هي أن الخروج من الاتحاد الأوروبي أظهر فقط أن المملكة المتحدة هي وحدها المتسببة في مشاكلها. وتفاقمت المشاكل المحلية بسبب حماقة إقامة حواجز جديدة بين المصدرين البريطانيين وأسواقهم الرئيسية في أوروبا.

ومن الصعب أن نفكر في مشروع سياسي ناجح تلاشي بريقه بنفس السرعة التي تلاشي بها بريق مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في يونيو. صدر تقرير بعنوان   الحياة في الممر البطيء  . عن مؤسسة القرار غير الحزبية ووجد أنه   لو حافظت المملكة المتحدة علي حصتها في السوق قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي. لكانت صادراتها قد نمت بمقدار 64 مليار دولار بدلاً من الانكماش بمقدار 4 مليارات دولار بين عامي 2019 و2022  .

العلاقات القوية

علي نحو متزايد. يظل الاقتصاد البريطاني واقفا علي قدميه من خلال تصدير الخدمات المالية والقانونية والفنية والإعلانية. ومعظمها مدفوع من قبل الشركات الأمريكية التي تستعين بمصادر خارجية لهذا النوع من العمل لشركات بريطانية. وهذا أمر جيد للغاية للمصرفيين. والمحامين. والمديرين التنفيذيين للإعلانات. والمستشارين الإداريين. ولكنه أقل أهمية بكثير بالنسبة للمزارعين. وعمال التصنيع. والمستهلكين العاديين. عدد الخاسرين أكبر بكثير من عدد الفائزين.

ومما يجعل ستارمر غير قادر علي تجاهل الحالة الخطيرة التي تعيشها المملكة المتحدة هو العلاقة القوية بين القوة والازدهار. وأجزاء البلاد ذات السلطة السياسية الأقل ــالمنطقة الشمالية من إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية ــ هي أيضا الأكثر فقرا. لقد تم توجيه مشاعر الاستياء الوطني والإقليمي إلي أشكال مختلفة من الحركات الانفصالية - حركات الاستقلال في ما يسمي الأطراف السلتية»   الاستقلال   عن   الاتحاد الأوروبي في إنجلترا  .

يجب علي ستارمر وحكومته أن يبدأوا بالاعتراف بأن ما يعيق البلاد لم يكن حكومة أوروبية غير خاضعة للمساءلة في بروكسل. بل حكومة مفرطة المركزية في لندن. حكومة تم إنشاؤها لحكم رعايا لا صوت لهم في إمبراطورية مترامية الأطراف إلي حد كبير. ومع ذلك تحكم جزيرة صغيرة بها مواطنون يريدون أن يشعروا بالسيطرة علي حياتهم.

من المؤكد أن ستارمر سيحاول. ولو بتردد في البداية. إعادة بناء الديمقراطية الاجتماعية التي دعمت الاتحاد البريطاني في العقود التي كانت فيها الإمبراطورية تتلاشي وأعطت الناس العاديين في كل جزء من البلاد شعورا ملموسا بالانتماء المشترك. 

هل يستطيع ستارمر الذهاب إلي أبعد من ذلك وإعادة اختراع الاتحاد البريطاني؟ ليس من الواضح علي الإطلاق أنه يريد تولي هذه المهمة. ويبدو أنه يميل إلي رؤية انتصاره في أجزاء مختلفة من البلاد كدليل علي أن المملكة لا تزال موحدة وسليمة بالفعل» وأن استعادة اللياقة والكفاءة والتماسك للحكومة ستكون أيضًا بمثابة استعادة الفخر بالبريطانية نفسها.

المؤكد أن مشاعر الراحة والتجديد ستكون منتشرة علي نطاق واسع. لكنها لن تستمر ما لم تبدأ المجتمعات في رؤية تحسينات في الخدمات العامة. وانخفاض في معدلات الفقر. وارتفاع في الإنتاجية والأجور. وهذه الأمور بدورها لن تحدث من دون تغييرات بعيدة المدي في الطريقة التي تعمل بها البلاد. سواء علي المستوي الداخلي أو في علاقاتها مع أوروبا. 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق