اذا سألت إنسان عن شيء لا يستطيع الإجابة عنه أو طلبت منه طلب لا يستطيع تنفيذه ستجد إجابة قديمة جدا "في المشمش" وهو رد يعبر عن ان ما تطلبه ربما يتم تحقيقه في موسم المشمش النادر والبعيد .
يُعتبر مسلسل "أنا وانت وبابا في المشمش" من الأعمال الدرامية المصرية التي تركت بصمة واضحة في ذاكرة الجمهور المصري والعربي وكان من اطول عناوين المسلسلات وقتها .
تم إنتاج المسلسل في ثمانينات القرن الماضي واول عرض كان في عام ١٩٨٩ وهو من درر انتاج قطاع الإذاعة والتلفزيون سابقا ، واستطاع بفضل قصته المتميزة وأداء نجومه المتميز أن يحظى بمتابعة واسعة.
تدور أحداث المسلسل حول مغامرات عائلة بسيطة تواجه تحديات الحياة اليومية بطرائق كوميدية ودرامية. الأبطال الرئيسيون في المسلسل هم "الأب" الذي يُجسده الممثل الكبير حسن عابدين، و"الأبنة" التي تقوم بدورها الممثلة القديرة فردوس عبد الحميد، إلى جانب ابيها وعائلتها.
يعكس المسلسل في طياته الصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة المصرية في تلك الفترة، مقدماً صورة واقعية وحقيقية لحياة الطبقة المتوسطة ومشاكلها وآمالها وأحلامها ويكشف فساد الروتين والمال ويحاربهم .
وقدم فيه حسن عابدين اروع ادواره وهي شخصية الأب في المسلسل هي المحور الرئيسي للأحداث فهو اب يتميز بحكمته وصبره في التعامل مع مشكلات الأسرة، محاولاً دائماً الحفاظ على توازن البيت وضمان سعادة جميع أفراده.
2. **الأبنة (فردوس عبد الحميد) والتي كانت تحاول موازنة بين استقرار عائلتها من جهة وحماية ابوها من جهة رغم صدمتها في خطيبها وحبيب عمرها الذي تحول لإنسان مادي منزوع الإنسانية بسبب سفره للعمل بالخارج ، تُعتبر شخصية "وداد" قوية وعاطفية، تضحي كثيراً من أجل راحة أسرتها.
وقدم محمود الجندي دورا بارعا هو باقي طاقم العمل الذين يشكلون جزءاً كبيراً من الأحداث، حيث يعرض المسلسل مشكلاتهم الشخصية والدراسية والاجتماعية. تتنوع الشخصيات لتشمل الطموح والتمرد والخجل، مما يعكس التنوع في شخصيات الأطفال في المجتمع المصري.
المسلسل من إخراج المخرج الكبير محمد فاضل، الذي عُرف بقدرته على تقديم دراما اجتماعية تعكس الواقع المصري بدقة وبأسلوب مشوق والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة هو الذي قام بكتابة سيناريو المسلسل، حيث تميزت نصوصه بالحوار الذكي والعميق، وقدرته على التلاعب بالمواقف لتقديم جرعات من الكوميديا والدراما بشكل متوازن.
تم إنتاج المسلسل بواسطة قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، الذي كان حريصاً على تقديم أعمال درامية تتناسب مع ذوق الجمهور المصري. الموسيقى التصويرية للمسلسل كانت من تأليف فاروق الشرنوبي وتوزيع ياسر عبد الرحمن الذي اصبح اليوم من اهم الموسيقيين ، وقد اضفي الشرنوبي بألحانه جواً من الشجن والرومانسية على أحداث المسلسل وكلمات المقدمة والنهاية والاغاني الداخلية للشاعر الكبير الراحل احمد فؤاد نجم .
لا يقتصر تأثير "أنا وانت وبابا في المشمش" على مجرد كونه عملاً درامياً ترفيهياً، بل يمتد إلى كونه مرآة للمجتمع المصري في فترة الثمانينات. يناقش المسلسل قضايا مثل الفقر، البطالة، التعليم، والضغط الاجتماعي، ويقدم حلولاً ونماذجاً إيجابية للتعامل معها.
ساهم المسلسل في تعزيز مفهوم الأسرة كمؤسسة اجتماعية مهمة، وأظهر أهمية التواصل والتفاهم بين أفراد الأسرة لمواجهة تحديات الحياة. كما أنه قدّم نماذج إيجابية للأب والأم في أدوارهم التقليدية، مسلطاً الضوء على أهمية التعاون والتضحية من أجل تحقيق السعادة والاستقرار العائلي.
كما يعتبر مسلسل "أنا وانت وبابا في المشمش" من الأعمال التي امتازت بالكوميديا اللطيفة والمواقف الطريفة التي جعلت الجمهور يتابعها بشغف مثل قفشات حسن عابدين، بشخصيته الودودة والمحبوبة، قدم العديد من العبارات الطريفة التي تعكس حكمته بطريقة ساخرة. مثلاً، عندما يحاول نصح أبنائه بعبارات تبدو جادة لكنها تحمل طابعاً كوميدياً وقفشات "وداد" الحازمة والمخلصة، كانت تقدم تعليقات طريفة عند مواجهتها لمواقف صعبة أو عندما تتفاعل مع تصرفات الأبناء الغريبة. مثلاً، عندما كانت تتحدث عن الطهي وتجاربها في المطبخ بطريقة فكاهية او عندما تنكرت في دور خادمة في منزل المسئول الفاسد لتوقعه
المسلسل نجح حتي بالشخصيات الثانوية، مثل الجيران والأصدقاء، قدموا أيضاً إضافات كوميدية رائعة من خلال مواقفهم وتفاعلاتهم مع العائلة الرئيسية. هذه الأدوار كانت تُكمل النسيج الاجتماعي للمسلسل وتضيف له بُعداً آخر من الفكاهة.
أثرت القفشات الكوميدية في "أنا وانت وبابا في المشمش" على الجمهور بشكل كبير، حيث كانت تجذبهم لمتابعة الحلقات بشغف وتعلق. الأدوار البارزة، وخاصة أدوار الأب والأبنة، خلقت ارتباطاً عاطفياً مع المشاهدين الذين رأوا في هذه الشخصيات انعكاساً لواقعهم اليومي ومشاكلهم.
بفضل هذه القفشات والأدوار، أصبح المسلسل جزءاً من الثقافة الشعبية المصرية، حيث يتذكر المشاهدون هذه المواقف والعبارات الطريفة في حياتهم اليومية.
كما كانت أغنية التيتر لمسلسل "أنا وانت وبابا في المشمش" تعد واحدة من أكثر الأغاني التيتر شهرة في الدراما المصرية، بفضل كلماتها المعبرة وألحانها الجذابة وأدائها الرائع.
فكتب كلمات أغنية التيتر احمد فؤاد نجم و هو واحد من أبرز شعراء الأغنية في مصر، وقد اشتهر بأسلوبه البسيط والعميق الذي يعكس مشاعر الناس وتجاربهم اليومية. في أغنية التيتر، استطاع نجم أن يلتقط جوهر المسلسل ويعبر عنه بكلمات مؤثرة وخفيفة في نفس الوقت.
واستطاع فاروق الشرنوبي ان يقدم لحن مفعماً بالحيوية والإيقاع الذي يناسب روح المسلسل الكوميدية والدرامية.
كانت أغنية التيتر واحدة من الأسباب الرئيسية لنجاح المسلسل وشعبيته الكبيرة. الأغنية لم تكن مجرد مقدمة للمسلسل، بل كانت تعبيراً موسيقياً عن قصته ومشاعره، واستطاعت أن تجذب انتباه الجمهور منذ اللحظة الأولى. تظل هذه الأغنية حتى اليوم في ذاكرة الكثيرين، كتذكير بأيام جميلة من الدراما المصرية وأعمالها المميزة.
يظل مسلسل "أنا وانت وبابا في المشمش" واحداً من الأعمال الدرامية المصرية التي تركت أثراً عميقاً في قلوب المشاهدين. بفضل قصته الواقعية، وأداء نجومه المميزين، وأسلوب إخراجه وكتابته الممتازين، يبقى هذا المسلسل رمزاً للفن الدرامي المصري الأصيل، الذي يحقق التوازن بين الترفيه والمعالجة الجادة للقضايا الاجتماعية.
اترك تعليق