كل صاحب حق يقاوم بطريقته، منهم من يقاوم بالسلاح، ومنهم من يقاوم بالكتابة، ومنهم من يقاوم بالفن، وكلها مقاومة مشروعة، خاصة إذا كانت ضد محتل غاصب، يرتكب مجازره ضد أصحاب الأرض، على مرأي ومسمع من العالم كله، دون أن يردعه أحد، بل إنه لا يعدم تأييد ومساندة العديد من الدول الاستعمارية الكبرى، التي صنعت كيانه على عينيها.
ومنذ أن قدم الفنان الفلسطيني غنام غنام عرضه المسرحي الرائع" بأم عيني 1948" ولا تكف المؤسسات المسرحية العربية عن دعوته لتقديمه. ذلك أنه واحد من العروض المهمة والمطلوبة في هذا الظرف التاريخي الذي تمر به القضية الفلسطينية.
ورغم أن العرض يعبر عن تجربة ذاتية، أو ربما لهذا السبب، فقد حظي باهتمام وإعجاب النقاد والمتابعين، ذلك أن هذه التجربة تمس كل عربي حر يعتبر فلسطين قضيته الأولى والأهم.
محطة جديدة يصل إليها عرض" بأم عيني" تأليف وتمثيل وإخراج غنام غنام، حيث يحط رحاله في العاصمة الأردنية عمان ليقدم أربع مرات، بدءا من يوم الخميس 25 يوليو الجاري في جبل اللوبيدة، ويوم السبت 27 يوليو في جبل النزهة، والأحد 28 يوليو في نادي الواحدات، والثلاثاء 30 يوليو في نادي شباب المحطة، وسيكون الحضور مجاناً للعروض الأربعة.
لا يقدم غنام غنام منشورًا سياسيًا، هو يحكي عن رحلة إلى الأراضي المحتلة، قام بها متسللًا، زار رام لله بتصريح من السلطات الفلسطينية، وقدم عرضًا مسرحيا، ورغب في زيارة ابنتيه اللتين تقيمان في الناصرة، بعد خمس سنوات من الانقطاع عن التواصل المباشر، ودبر له أصدقاؤه وأحد أبناء عمومته طريقة للدخول، وهناك التقى ابنتيه، وتجول في الناصرة، ومنها إلى حيفا، ثم عكا، مذكرًا بواليها أحمد باشا الجزار، الذي قاوم غزو نابليون بونبارت للمدينة، وعيسى العوام، و غسان كنفاني ، الذي ذهب إلى بيته والتقط له صورًا سريعة من دون علم سكانه من المحتلين الذين يعنفون كل من يقترب من البيت ويحاول تصويره، ولم يكتف بكل تلك الجولات بل أقام ورشة للحكي في أحد المراكز الثقافية الفلسطينية، أتبعها بتقديم عرضه المسرحي" سأموت في المنفى" سرًا، وسط مجموعة مختارة من الضيوف، كل هذا فعله، ومرت الزيارة على خير، ماجعله في النهاية يتساءل : لماذا هزمنا هذا العدو، لماذا يهزمنا أكثر من مرة، وما الذي يحول دون أن نهزمه؟
يحتشد نص العرض بالتاريخ ، والجغرافيا، بالشعر، بالفولكلور الفلسطيني، بأسماء مبدعين وشهداء ومقاومين، بالحياة اليومية لفلسطيني الداخل، بالعلاقات الإنسانية، ورغم أنها تجربة ذاتية فقد خلط غنام غنام بين الخاص والعام من دون افتعال أو تعمد، فالحكايا تمضي في بناء درامي متصاعد ومحكم، فلا يستطيع المشاهد الفصل بين هذا وذاك، فكل يسهم في هذا البناء، وكل يثريه، ولا يدع فرصة للملل يتسرب إلى الجمهور، الذي جلس، أووقف، في شكل دائري حول الممثل، يتابع الحكايا في تدفقها وطزاجتها وتشويقها.
اترك تعليق