قُوَّةُ الأَوْطَانِ في الاهْتِمَامِ بُعُقُولِهَا وعُلَمَائِهَا الْعَامِلِينَ، وفي إسْنَادِ الْأُمُورِ إِلَى أَهْلِهَا، وتَعَالَوْا بِنَا نأْخُذ دَرْسًا نَافِعًا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، الَّذِي يَرْسِمُ مَنَاهِجَ الْحَيَاةِ، والْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَدِّمَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ عَلَيْهَا، ولا يَحِيدُ عَنْهَا؛ لِئَلَّا يَقَعَ في الضَّلَالِ، والضَّعْفِ، والْعَشْوَائِيَّةِ.
يوضح لنا فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عيد عبد الفتاح، أستاذ اللغويات ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة المَنْهَجٌ رَبَّانِيٌّ لقُوَّةُ الأَوْطَانِ..قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار/10-12].
ذَكَرَ الْحَقُّ – سُبْحَانَهُ وتَعَالَى- فِي هَذِهِ الآياتِ أَرْبَعَ صِفَاتٍ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمَسْئُولِيَّةِ "إِحْصَاءِ أَعْمَالِ النَّاسِ":
الصِّفَةُ الأُولَى: (الْحِفْظُ)، ومَعْنَاهُ: الرِّعَايَةُ وَالْمُرَاقَبَةُ.
والصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: (الْكَرَمُ)، وَهُوَ النَّفَاسَةُ فِي النَّوْعِ، والرُّقِيُّ في الْمُعَامَلَةِ، فَيُسَارِعُونَ إلَى كَتْبِ الْحَسَنَاتِ، ويَتَوَقَّفُونَ فِي كَتْبِ السِّيِّئَاتِ؛ رَجَاءَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ ويَتُوبَ، فَيَكْتُبُونَ الذَّنْبَ وَالتَّوْبَةَ مِنْهُ مَعًا.
والصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: (الْكِتَابَةُ)، وَيُرَادُ بِهَا ضَبْطُ مَا وُكِّلُوا عَلَى حِفْظِهِ ضَبْطًا لَا يَتَعَرَّضُ لِلنِّسْيَانِ وَلَا للنُقْصَانِ وَلَا لِلزِّيَادَةِ.
والصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: (الْعِلْمُ بِمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ)، وَهُوَ الْإِحَاطَةُ بِمَا يَصْدُرُ عَنِ النَّاسِ مِنْ أَفْعَالٍ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ بَنِي آدَمَ.
هَذَا مَنْهَجٌ رَبَّانِيٌّ، ودَرْسٌ عَظِيمٌ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ كُلُّ حَرِيصٍ عَلَى قُوَّةِ وَطَنِهِ، لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْأَرْبَعُ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ مَنْ يُسْنَد إِلَيْهِ الْقِيَامُ بِعَمَلٍ مِنَ الأَعْمَالِ، أَوْ مَنْصِبٍ مِنَ الْمَنَاصِبِ، فِي أيِّ بَلَدٍ مِنْ بِلادِ الإِسْلامِ:
لا بُدَّ من وُجُودِ صِفَةِ الْحِفْظِ فِيهِ، وَأَوَّلُ الْحِفْظِ الْأَمَانَةُ وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ فِي مَصَالِحِ الْبِلَادِ.
وَلَا بُدَّ من وُجُودِ صِفَةِ الْكَرَمِ فِيهِ، وَالْكَرَمُ طَهَارَةُ النَّفْسِ، ورُقِيُّ الْمُعَامَلَةِ.
وَلا بُدَّ من وُجُودِ صِفَةِ ضَبْطِ الأُمُورِ بالْكِتَابَةِ ووَضْعِ الخُطَطِ الْمُنَاسِبَةِ؛ لكَيْلَا تَضِيعَ مَصَالِحُ الْبِلَادِ، ويَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ يُسْنَدُ إِلَيْهِ القِيَامُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ بَعْدَ الْقَائِمِ بِهِ مِنْ مَعْرِفَة:
مَاذَا جَرَى فِي مُدَّةِ سَابِقِهِ مِنَ أعْمَالٍ؟ وما الَّذِي يَجِبُ عليه أن يَقُومَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ؛ لِكَيْ تَكْتَمِلَ الْخُطَطُ الْمَوْضُوعَةُ الْمَوْقُوتَةُ بِوَقْتٍ مُحَدَّدٍ، فَتَكُونَ النَّتِيجَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى ذَلِكَ نَهْضَةَ الْبِلَادِ، وعُمُومَ الرَّخَاءِ، وتَحَقُّقَ الاسْتِقْرَارِ؟
وَلا بُدَّ من وُجُودِ صِفَةِ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ مَنْ يُؤتَمَنُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يُمَوِّهَ عَلَيْهِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَلْبِسَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً مِنَ الْحَقَائِقِ.
هَذَا مَنْهَجُ الإسْلَامِ في اخْتِيَارِ الْمَسْئُولِينَ الصَّالِحِينَ، كُلُّ مَنْ يُسْنَدُ إِلَيْهِ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ دَاخِلَ الْبِلَادِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لَهُ، وجَدِيرًا بِهِ، وَوُجُودُ غَيْرِ ذَلِكَ فِي الأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ إضْعَافٌ لَهَا، ومِنْ عَلَاماتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى، ومَا أَكْثَرَهَا فِي زَمَانِنَا!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عنه- قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ حَدِيثًا جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟" قَالَ: هَا أَنَا ذَا، يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ: "إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا تَوَسَّدَ الْأَمْرَ غَيْرُ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا،
وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا،
وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا!
اترك تعليق