تحديات كثيرة واجهت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة.. بدءًا من جائحة كورونا وما فرضته من إغلاق في العالم كله ثم اندلاع الأزمة الأوكرانية التي رفعت معدلات التضخم وألهبت الأسعار في دول كثيرة متقدمة وذات اقتصاد متين، وأخيرًا الحرب في غزة وما خلقته من توترات جيوسياسية أثرت سلبًا علي تدفق الملاحة في البحر الأحمر، ومن ثم انخفاض عوائد قناة السويس بصورة ملموسة.
ورغم كل هذه الصعوبات فإن الدولة تواصل الجهود والإصلاحات الجادة لتعزيز صمود الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات والسَعي لاغتنام الفُرص الكامنة لتجاوزها مع معالجة التحديات الداخلية، من خلال وضع السياسات والبرامج الحكوميّة اللازمة للتصدّي للأزمات ومواجهة التحديات وتسريع عجلة النمو الشامل والمستدام.
تتبني الدولة خطط التنمية في إطار عمل تشاركي بين مختلف قطاعاتها وشركاء التنمية داخلياً وخارجياً، وهو الأمر الذي شكل حجر الزاوية في القدرة علي الصمود في مواجهة الأزمات والتحديات العالمية الراهنة والتي أضرت بمختلف اقتصادات العالم، خاصة مع المساعي الحثيثة التي تبذلها الدولة لاحتواء مختلف التداعيات السلبية اقتصادياً واجتماعياً، لتنعكس هذه الجهود علي نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري وإدارته للمخاطر المترتبة علي المتغيرات الدولية خاصة علي الصعيد الاقتصادي.
وقد سعت الدولة المصرية علي مدار السنوات الماضية، إلي اقتصاد وطني يتمتع بمقومات تنافسية ومرنة، تسهم في تعزيز مستويات النمو في مختلف القطاعات، وتحسين مناخ الاستثمار عبر تبني حزمة من الإصلاحات الشاملة، والحوافز الاستثمارية المتنوعة، ومواصلة جهود رفع كفاءة سوق العمل، وتدعيم مصادر النقد الأجنبي.
أكدت د.هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2024/2025 تستهدف تحقيق مجموعة أهداف تنموية ذات الأولوية في إطار رؤية مصر 2030 المُحدّثة، بالتوسّع في الإنفاق العام علي التنمية البشريّة "الصحة والتعليم والبحث العلمي"، بما يتوافَق والاستحقاقات الدستوريّة، وبما يتضمّنه ذلك من تعزيز إتاحة الخدمات الصحية، والتوسّع التدريجي في نظام التأمين الصحّي الشامل ليُغطي كافة الـمُحافظات، ومواصلة الارتقاء بالمنظومة التعليمية، إلي جانب إثراء الحياة الثقافية والرياضية وضَمان الأمن المائي والغذائي وتوفير نُظُم نقل آمنة ومُستدامة وتعزيز التنمية المكانية والمحلية، وبناء الاقتصاد الرقمي والمعرفي والتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
أضافت السعيد أن الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة تدور حول ثلاثة أهداف رئيسية، تتكامل في أبعادِها وعناصِرها الأساسيّة، تتمثل في تحقيق نمو اقتصادي مُستدام، والحفاظ علي مُستويات تشغيل مُرتفعة تَنحسِر معها مُعدّلات البطالة لأدني حَديّ مُمكِن، وتوفير مظلّة اجتماعيّة شاملة لكل أفراد الـمُجتمع، وتحقّيق الحماية بخاصةي للفئات مُنخفضة الدخل.
أكدت السعيد توسيع مظلّة الحماية الاجتماعيّة لتشمل الفئات الأولي بالرعاية، ومُراعاة التوزيع الكُفء للاستثمارات العامة علي مُستوي الـمحليّات وفقًا للمُعادلة التنموية التي تأخُذ بعين الاعتبار الفجوات التنمويّة بين الـمُحافظات، علاوة علي تنفيذ الـمرحلة الثانية من مُبادرة حياة كريمة الرامية للارتقاء بالأحوال الـمعيشيّة للأُسَر الريفيّة.
أشارت السعيد إلي مُواصلة التطبيق الفاعل للإصلاحات الهيكليّة التي تبنّاها البرنامج الحكومي، والذي يُعطي أولويّة لدفع عجلة النمو في القطاعات السلعيّة الزراعيّة والصناعيّة، والخدمات الإنتاجيّة كالاتصالات وتكنولوجيا الـمعلومات، إلي جانب القطاعات التي تتمتع مصر فيها بمزايا تنافسية وفي مقدمتها السياحة واللوجيستيات.
ولفتت السعيد إلي قيام الدولة كذلك باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتحفيز مُشاركات القطاع الخاص في الاستثمار، وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي والتشغيل، وبخاصة بعد الإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتوجّه الـمُتزايد لتحفيز مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز دور صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية في هذا المجال.
أوضحت السعيد أن الدولة تتوجه لاستهداف التضخّم خاصة مع جهود الحكومة وتحركاتها لضبط أسعار السلع في الأسواق، والتوسّع في توفير منافذ توزيع السلع بأسعار مخفَّضة ودعم خطة الإصلاحات الهيكلية التي تركز علي قطاعات الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي.
لفتت إلي أن خطة التنمية الاقتصادية للعام 24/2025 تتضمن مواصلة الارتقاء بمُستويّات التشغيل، كما تستهدف توفير نحو 900 ألف فرصة عمل إضافية في مُختلف القطاعات السلعيّة والخدميّة، بما يَسمح برفع نسبة الـمُشاركة في النشاط الاقتصادي وخَفض مُعدّل البطالة .
أشارت الوزيرة إلي الالتزام بترشيد كافة أوجه الإنفاق العام. والتوجّه لرفع كفاءة الإنفاق الاستثماري العام وزيادة فاعليّته في تعظيم الـمردود الاقتصادي والاجتماعي، ومواصلة تطبيق مُوازنة البرامج والأداء ومعايير العائد والتكلفة للمشروعات المُنفَّذة.
وعلي صعيد التنمية الاقتصادية لدينا أرقام وحقائق كثيرة تؤكد أن الوضع تحسن كثيراً في السنوات الأخيرة عما قبلها، فمعدلات النمو مرتفعة قياساً لظروف كورونا وما فرضته من إغلاق في العالم كله وقياساً بظروف الأزمة الأوكرانية. ثم الحرب في غزة.
فالخطط التنموية تستهدف توفير 900 ألف فرصة عمل سنويًا.. ورفع مُعدّل الاستثمار إلي 15.2% ..وزيادة تدفّقات الاستثمار الأجنبي الـمُباشر إلي 10 مليارات دولار.
أشار التقرير السنوي للتنمية المستدامة 2022. لجامعة كامبريدج بالتعاون مع مؤسسة "Bertelsmann Stiftung" الألمانية، وشبكة حلول التنمية المستدامة "SDSN" برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يعرض بيانات عن أداء الدول تجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويتضمن المجالات التي تتطلب تقدمًا أسرع، أشار إلي أن مصر حصلت علي 68.7 درجة عام 2022، وهي بذلك استطاعت أن تحافظ علي أدائها في المؤشر، بالرغم من انخفاض المتوسط الإقليمي من 67.1 في 2021 إلي 66.7 في 2022، لتحتل بذلك المركز 87 ضمن 163 دولة يشملهم التقرير.
أما عن أداء مصر علي مستوي المنطقة العربية خلال 2022، فتقول د.هالة السعيد وزيرة التخطيط إن مصر احتلت المرتبة 7 من بين 20 دولة عربية رصدها التقرير، وعلي مستوي أفريقيا، حيث احتلت المرتبة الرابعة من بين 47 دولة إفريقية، والمرتبة السابعة علي مستوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن 16 دولة في ذات المنطقة، كما حتلت المرتبة 15 من بين 20 دولة علي مستوي الأسواق الناشئة في 2022.
وحول أداء مصر في مؤشر تأثير الامتداد العالمي، أشار التقرير إلي أن هذا المؤشر يقيس الآثار الإيجابية والسلبية العابرة للحدود من دولة لأخري، والتي تؤثر علي قدرة الدول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة علي مستوي ثلاثة أبعاد هي التداعيات البيئية والاجتماعية المتجسدة في التجارة، التداعيات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلي التداعيات الأمنية، وأوضح التقرير أن مصر احتلت المرتبة 30 من 163 دولة مقابل 36 من 165 دولة في 2021، مما يعكس التحسن في درجتها في المؤشر التي وصلت إلي 98.82 من 100 درجة، وبالتالي ترتفع التداعيات الإيجابية لمصر مقارنة بالسلبية.
قطعت الدولة شوطًا كبيرًا من الإصلاحات والجهود الجادة بدأتها منذ عشرة أعوام بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال إطلاق "رؤية مصر2030"، في فبراير عام 2016، التي تُمثل النسخة الوطنية من الأهدافِ الأُمَمية لتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك تنفيذ المرحلة الأولي من البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي منذ نوفمبر2016، والذي تَضمّن اتخاذ العديد من الإصلاحات المؤسسية والتشريعية والإجراءات التحفيزية لتهيئة بيئة الأعمال، وفتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ وإدارة مشروعات البنية التحتية وللمساهمة في تنمية الاقتصاد، وخَلق فرص العمل اللائق والمنتج.
أكدت السعيد أن الدولة حرصت خلال هذه الأعوام علي استمرار الطفرة المُحققة في الاستثمارات العامة لتحسين جودة حياة المواطنين والارتقاء بمستوي الخدمات وتحفيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
كما استهدفت الخطة في مجال التنمية الاقتصادية- وفقًا لتقرير وزارة التخطيط - تنمية الصادرات السلعية غير البترولية بمتوسط معدل نمو سنوي حوالي 10% لترتفع قيمتها إلي 35 مليار دولار عام 2022/2023، وترشيد عمليّات الاستيراد بحيث لا تتجاوز الواردات السلعية 90 مليار دولار في عام الخطة، مع تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري وتسريع انتقاله إلي الاقتصاد المعرفي لترتقي مصر بحلول عام 2030 إلي مصاف الدول الخمس الرائدة في مجموعة الدول الناشئة وفقًا لدليل النمو الاحتوائي. وكذا قائمة الخمسين دولة علي مستوي العالم بحسب دليل ممارسة الأعمال.
وفي مجال التنمية الاجتماعية تضمنت مستهدفات الخطة مُواصلة خفض مُعدّل النمو السكاني من نحو 2% عام 2018/2019 إلي نحو 1.8% في عام الخطة، مع خفض نسبة الأمية من 18.9% عام 2019 وفقًا لنتائج النشرة السنوية لـمسح القوي العاملة إلي نحو 17% في نهاية عام الخطة، وتحقيق استقرار الأسعار بحيث لا يتجاوز مُعدّل التضخّم العام 10% في نهاية عام الخطة. إلي جانب خفض نسبة السكان تحت خط الفقر القومي من 29.7% عام 2019/2020 إلي ما دون 25% في عام 2022/2023. وتحت خط الفقر الـمُدقع من 4.5% إلي نحو 3.8%، فضلًا عن الحد من التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف أقاليم الجمهورية.
وفيما يخص التنمية العُمرانية والتحسين البيئي والتحوّل نحو الاقتصاد الأخضر، تستهدف الخطة زيادة مساحة المعمور المصري لترتفع المساحة الـمأهولة لنحو 9% عام 2022/2023، فضلًا عن زيادة نسبة الاستثمارات العامة الـمُوجّهة لمشروعات الاقتصاد الأخضر من 30% حاليًا من جملة الاستثمارات العامة إلي 35% - 40% في عام 2022/2023، مع رفع نسبة استخدامات الطاقة الـمُتجدّدة لجُملة الطاقة الـمُستخدمة لتصل إلي 22% في عام الخطة، إلي جانب تخصيص ما لا يقل عن ثُلُث الاستثمارات العامة للتنمية والتطوير العمراني لمحافظات الصعيد والمحافظات الحدودية. بالإضافة إلي التوسّع في إقامة مدن الجيل الرابع والتجمّعات العمرانية الجديدة لاستيعاب ما يقرُب من 10 ملايين نسمة إضافية. مع ترشيد استخدامات الطاقة ومُواصّلة جهود التطوير البيئي ومُعالجة الـمُلوّثات وخفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلي الـمُستويات العالـمية، والتوسّع في استخدام التكنولوجيا النظيفة وفي مشروعات إعادة تدوير المخلّفات علي مستوي جميع المحافظات. في إطار مفهوم الاقتصاد الأخضر والمشروعات صديقة البيئة.
وتأسيسًا علي تلك الجهود وافقت الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة علي إدراج ونشر مبادرة حياة كريمة لتطوير الريف المصري ضمن سجل منصة "الشراكات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة" التابعة للمنظمة الدولية، بناءً علي طلب وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
أما عن مقومات نجاح "حياة كريمة" فهي عديدة، فقد استوفت المبادرة المعايير الذكية للمنصة الأممية، ذلك أنها محددة الأهداف، وقابلة للقياس، وقابلة للإنجاز، وقائمة علي أساس الموارد المتاحة، ومحددة زمنيا، و تقود إلي تنفيذ خطة التنمية لعام 2030، هذا بالإضافة إلي سعي المبادرة لتوطين أهداف التنمية المستدامة في جميع خطواتها.
وبعد إدراج "حياة كريمة" بالمنصة الإلكترونية التابعة للـ UNDESA.. نجحت وزارة التخطيط. للمرة الثانية في إدراج ثلاث مبادرات مصرية بمنصة "أفضل الممارسات التي تحقق أهداف التنمية المستدامة" التابعة لإدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة.
اترك تعليق