منذ أيام. قالت موسكو إنها اعتقلت مواطنا فرنسيا متهما بجمع معلومات عن الأنشطة العسكرية الروسية وعدم تسجيل نفسه باعتباره "عميلا أجنبيا".
ونقلت شبكة "بي. بي. سي ــ نيوز" عن لجنة التحقيق الروسية (SK) إن "مثل هذه المعلومات. إذا حصلت عليها مصادر أجنبية. فقد تستخدم ضد أمن الدولة" ونشرت أيضاً لقطات تظهر اعتقال المشتبه به الذي لم يذكر اسمه في أحد مقاهي موسكو.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الرجل لا يعمل لصالح فرنسا.
وفي بيان صدر يوم الخميس الماضي. قالت SK إنه تم فتح قضية جنائية. وسيتم توجيه الاتهام إلي المشتبه به في "المستقبل القريب".
وأضافت أن الفرنسي زار روسيا مرارا وتكرارا لعدة سنوات وعقد اجتماعات مع مواطنين روس.
والفرنسي متهم أيضاً بعدم تقديم المستندات اللازمة "للإدراج في سجل العملاء الأجانب". وتشترط روسيا علي أي شخص يحصل علي دعم أجنبي أو يقع تحت تأثير خارجي أن يعلن عن نفسه كعميل كهذا.
وفي العام الماضي. ألقي القبض علي الصحفية الروسية الأمريكية ألسو كورماشيفا بتهمة مماثلة. وتصل عقوبة التهمة إلي السجن لمدة تصل إلي خمس سنوات.
وقبل أسابيع. قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن روسيا ستواجه عواقب بعد اتهام جهاز المخابرات العسكرية الروسي بتدبير هجوم إلكتروني ــ غير مقبول علي الإطلاق ــ . وقالت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إنها لن تترك ــ سلوك روسيا الخبيث في الفضاء الإلكتروني ــ يمر دون عقاب.
ونقلت وكالة أسوشيتدبرس عن بيربوك قولها في مؤتمر صحفي بمدينة أديلايد الأسترالية: "نعزو هذا الهجوم إلي مجموعة تسمي APT28. التي يديرها جهاز المخابرات العسكرية الروسي".
وذكر تقرير سابق لمجلة فورين أفيرز أن الحرب الباردة لم تنته أبداً. وأن هذه. علي الأقل. وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وواصل الكرملين صراعه الهائل ضد الغرب حتي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من خلال أنشطة أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية. وكان الدافع. منذ عام 1991. هو استراتيجية لجعل روسيا عظيمة مرة أخري وقلب النظام الدولي الذي قادته الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة. وكانت حرب بوتين في أوكرانيا نتيجة لتلك الاستراتيجية.
وتسعي الصين أيضاً إلي عكس اتجاه نتائج الحرب الباردة. ومع إعلان تحالف "بلا حدود" بين بكينوموسكو. عشية الغزو الروسي لأوكرانيا. يحاول بوتن وزعيم الصين شي جين بينج قلب النظام الدولي رأسا علي عقب. ويعتمدان علي أجهزتهما الاستخباراتية للقيام بذلك. وبذلت كل من المخابرات الروسية والصينية جهودها. مستفيدة من انشغال الولايات المتحدة "بالحرب علي الإرهاب" للإضرار بالأمن القومي الأمريكي. وتقويض الديمقراطيات الغربية. والحصول علي أكبر قدر ممكن من أسرار العلوم والتقنية.
وتعتبر أجهزة الاستخبارات الروسية نفسها الورثة المباشرين لجهاز الاستخبارات السوفيتي "كي جي بي" ورغم حل الكي جي بي عام 1991. فإن العديد من ضباطه السابقين وجميع وظائفه وملفاته وحتي عملائه في الغرب تم نقلهم إلي جهاز الأمن الروسي الجديد. المعروف الآن باسم FSB. وجهاز المخابرات الأجنبية SVR. وواصلت المخابرات الروسية تجنيد عملاء سوفييت سابقين في الغرب. بينهم مسؤول مكافحة التجسس بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ألدريش إيمز وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت هانسن. واصل المدير الأول لجهاز المخابرات الخارجية. المخضرم في الكي جي بي يفجيني بريماكوف. تقاليد وكالة الاستخبارات السوفيتية. ووفقاً للمواد المهربة من أرشيفات الكي جي بي. تعرض بريماكوف للابتزاز ليخدم الوكالة أثناء عمله كصحفي في الشرق الأوسط خلال الستينيات. وكان الأب المؤسس لجهاز الأمن الفيدرالي. ريم كراسيلنيكوف. ضابطاً سابقاً في الكي جي بي. واستخدم جهاز الأمن الفيدرالي نفس كُتَيِّبات التدريب التي استخدمها (KGB).
وبوتين ذاته. شكلت خبرته في إدارة الاستخبارات الخارجية التابعة للكي جي بي مسيرته السياسية. وأثناء وجوده بمدينة دريسدن بألمانيا الشرقية. شهد بوتين تفكك الإمبراطورية السوفييتية. لقد كانت. كما قال لاحقاً. أعظم كارثة في القرن العشرين.
بنهاية التسعينيات. كان جهاز المخابرات الخارجية يستخدم الإنترنت لتشويه سمعة أمريكا. قام ضباط المخابرات الخارجية المتمركزون في الولايات المتحدة بقصف وسائل الإعلام الأمريكية بموضوعات مباشرة من نص الدعاية السوفيتية. وشمل ذلك الأجندة العنصرية السرية للحكومة الأمريكية وتطويرها غير القانوني للأسلحة البيولوجية. في عام 1996. قام المتسللون الروس باختراق هائل لقواعد بيانات الحكومة الأمريكية الحساسة. بينها بيانات وكالة ناسا والبنتاجون.
لم تكن المخابرات الأمريكية مكتوفة الأيدي. ومع انهيار الاقتصاد الروسي أواخر التسعينيات. تمكنت الـ"سي آي ايه" من جذب بعض المجندين الروس المهمين الذين خانوا بلادهم مقابل المال. وأضعفوا عمليات موسكو الاستخباراتية ضد الغرب. ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر. بدا أن الحرب علي الإرهاب فرصة لإعادة ضبط الأمور. ومناسبة للتعاون الاستخباراتي بين واشنطن وموسكو.
تعاونت أجهزة استخبارات البلدين في مكافحة الإرهاب. لكن شهر العسل الاستخباراتي بعد 11 سبتمبر لم يدم طويلاً. مما أفسح المجال للنشاط الروسي السري. وضخت الولايات المتحدة موارد هائلة لمكافحة الإرهاب علي حساب التعامل مع تهديدات روسيا والصين.
وكذلك فعل حلفاء واشنطن. ومنهم المملكة المتحدة. وفقاً لتقرير عام 2020 للجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية. خصص جهاز الأمن البريطاني MI5 نسبة مذهلة تبلغ 92% من عمله لمكافحة الإرهاب عام 2006 وكان هذا هو العام نفسه الذي اغتيل فيه ألكسندر ليتفينينكو الضابط السابق بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي. في لندن.
وأكد كالدر والتون ودامير ساجولج. في مقال علي موقع فورين أفيرز. أن ضباط المخابرات الأمريكية أبلغوهما إن مكافحة الإرهاب كانت محور التركيز لمجتمع الاستخبارات الأمريكي. وحتي أواخر 2017. كانت مكافحة الإرهاب هي البند الأول في ميزانية الاستخبارات الوطنية الأمريكية.
تمثلت عبقرية بوتين في خداع القوي الغربية بعد 11 سبتمبر. فرغم تعاونه في مكافحة الإرهاب. كان يستخدم أجهزته الاستخباراتية لترسيخ نظامه وتحويل روسيا إلي قوة عظمي مرة أخري. سعي بوتين لمنع توسع حلف شمال الأطلسي واحتواء "التخريب الأمريكي" في أوروبا الشرقية. فقامت روسيا بغزو جورجيا عام 2008. وشبه جزيرة القرم في 2014. وأوكرانيا عام 2022.. وغذي توسع الناتو مخاوف بوتين من التخريب الغربي.
ومنذ وصوله للسلطة. نجح بوتين في الاعتماد علي "رجال القوة". الذين يتمتعون بخلفيات استخباراتية وعسكرية.
استخدم بوتين إجراءات سرية متنوعة لإضعاف خصومه في الغرب. تدخل في الانتخابات الغربية. وأبرزها الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 وواصل نشر عملاء سريين بالدول الغربية. وتم القبض علي بعضهم وإعادتهم لموسكو في عمليات تبادل للجواسيس.
استغلت الصين أيضاً حرب الولايات المتحدة علي الإرهاب لتعزيز مصالحها. ووفقاً لوكالة المخابرات المركزية. سخرت وزارة أمن الدولة في الصين MSS أفضل مواردها لضباط في الحكومة الأمريكية والشركات الأمريكية. للحصول علي أكبر قدر ممكن من الأسرار العلمية والتقنية لدعم اقتصاد الصين وقوتها العسكرية.
وسرعان ما أتي هجوم MSS علي الولايات المتحدة بثماره. وفي عام 2010. قامت وكالة التجسس الصينية بتفكيك شبكة رئيسية لوكالة المخابرات المركزية في بكين. مما أدي إلي مقتل أو سجن أكثر من عشرة مصادر أمريكية. وفقا لصحيفة نيويورك تايمز. وبعد عشر سنوات. ذكر مسؤول استخباراتي أمريكي لوكالة رويترز أن وكالة المخابرات المركزية لم تتعاف بعد في الصين.
تتمثل مهمة المخابرات الصينية في تنفيذ استراتيجية شي الكبري: تحويل الصين إلي القوة العسكرية والاقتصادية الأولي في العالم وقلب المشهد التكنولوجي الحالي. مما يجعل الدول الأخري تعتمد علي التكنولوجيا الصينية بدلا من التكنولوجيا الأمريكية. تستخدم أجهزة التجسس الصينية نهج "المجتمع بأكمله" فهي تجمع المعلومات الاستخباراتية البشرية والإلكترونية والإشارات "باستخدام البالونات وقاعدة تنصت في كوبا" وتستغل وسائل الإعلام الاجتماعية. ويجبر الحزب الشيوعي الصيني الشركات الصينية علي التعاون مع وكالات الاستخبارات. وبالتالي دمج التجسس بالتجارة. كما يستخدم الحزب الشيوعي الصيني برامج التبادلات الثقافية للتجسس باسم آخر. وتستغل بكين أيضاً المجتمعات الصينية في الدول الغربية. لنقل المعلومات الاستخبارية.
وقد أصبحت الصين الهاكر السيبراني الرئيسي في العالم. حيث تستولي علي بيانات شخصية وتجارية من الأمريكيين أكثر من كل الدول الأخري مجتمعة. في عام 2021. أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه كان يفتح تحقيقاً جديداً لمكافحة التجسس الصيني كل 12 ساعة. وفي يوليو 2023. أفادت لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية بالمملكة المتحدة أن الحكومة الصينية اخترقت كل قطاعات الاقتصاد البريطاني.
خلال الحرب الباردة. قامت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بجمع المعلومات الاستخبارية الصناعية. باستخدام أجهزة الكمبيوتر لمهاجمة علم التشفير الخاص بكل منهما. انتقل التجسس من الأرض. إلي أعماق البحر. إلي طبقة الستراتوسفير. ثم إلي الفضاء. واليوم. تخوض الحكومات الغربية حرباً باردة جديدة مع روسيا والصين.
لكن الثقل الاقتصادي الهائل الذي تتمتع به الصين واندماجها في الاقتصاد العالمي يميزها عن الاتحاد السوفييتي. ويختلف مشهد المعلومات اليوم كثيراً عما كان عليه. مثلاً. تقدم شركات الأقمار الصناعية التجارية الآن قدرات كانت حتي وقت قريب حكراً علي الحكومات. تعمل الاستخبارات التجارية مفتوحة المصدر علي إحداث تحول في الأمن القومي. لم يعد مستقبل الاستخبارات الغربية في أيدي الحكومات. بل في أيدي القطاع الخاص.
وأكثر ما تحتاج إليه الحكومات الغربية هو الخيال. مما دفع وكالة المخابرات المركزية لتطوير طائرات U-2 التي تحلق علي ارتفاعات عالية وأمكنها التجسس خلف الستار الحديدي عندما كانت الطرق الأخري مستحيلة. وهناك حاجة إلي خيال مماثل. لجمع المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر. واستخدام التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. والحوسبة الكمومية. وستكون هذه هي أسلحة الحرب الباردة في القرن الحالي.
في أفلام جيمس بوند. كانت عمليات التجسس تتم باستخدام المظلات القاتلة وبصمات الأصابع والهواتف المحمولة التي تفتح الأقفال. لكن هذه الأجهزة أصبحت قديمة بسبب القفزات الهائلة في أدوات التكنولوجيا المستخدمة حالياً. كما يقول فينس هوتون. المؤرخ وأمين متحف التجسس الدولي بواشنطن العاصمة.
وقال هوتون لـLive Science: ¢إن الهاتف الذكي الحديث يفعل أكثر مما كان يستطيع معظم الناس القيام به قبل 10 سنوات¢.
أصبحت "أجهزة التجسس الدقيقة". صغيرة جداً بحيث يمكن إخفاؤها في الأقراط والأزرار أو حتي تحت الجلد.
ورغم أن معظم تقنيات التجسس المتطورة سرية. فإن المعرفة ببعض التقنيات الغريبة يتم تسريبها. من تقنيات التنصت إلي برمجة القطط. وغيرها.
خلال الحرب الباردة. استخدم قاتل بلغاري مظلة لإطلاق كرة من مادة الريسين السامة علي منشق سوفيتي في لندن. وطور السوفييت أيضاً مسدس أحمر الشفاه المعروف باسم "قبلة الموت" والذي يطلق رصاصة واحدة من مسافة قريبة.
كانت أجهزة التنصت سيئة في تصفية الضوضاء. لذلك. في الخمسينيات والستينيات. خطرت لجواسيس أمريكا فكرة استخدام قوقعة أذن حيوان للتجسس علي السوفييت. وقاموا بزرع ميكروفون في قناة أذن قطة. وجهاز إرسال لاسلكي بجوار جمجمتها. وبطارية في بطنها. وحولوا ذيلها إلي هوائي. وبعد ساعات من تدريبها علي القفز عبر العوائق. كانت القطة ذات التقنية العالية غالباً ما تتجول بحثاً عن الطعام.
لذلك أعاد الفريق تدريب القطة علي تجاهل الإحساس بالجوع وأسقطوها في حديقة مقابل السفارة السوفيتية بواشنطن العاصمة. وبمجرد محاولتها عبور الشارع. دهستها سيارة أجرة.
ولعقود من الزمن. أنفقت وكالة المخابرات المركزية الملايين لتمويل عملية ستارجيت. وكانت تهدف لاستخدام وسطاء روحيين للكشف عن الأسرار السوفيتية. لكن تم حل البرنامج خلال إدارة كلينتون. وقال هوتون إن الوكالة مولت أيضاً برنامجMKULTRA . لتسخير العقاقير المخدرة للتحكم في العقل.
"الظواهر النفسية حقيقية". حسبما يقول الدكتور دين رادين. كبير العلماء بمعهد العلوم العقلية بكاليفورنيا. لموقع Popular Mechanics.. كان رادين يدرس علم التخاطر. أو دراسة ما وراء علم النفس أو علم الظواهر الخارقة. علي مدي العقود الأربعة الماضية.
ابتكر علماء جامعة تكساس طريقة لإعادة بناء المحادثات بالتقاط صور للبيئة التي تم فيها نطق الكلمات. وفقاً لعرض تقديمي في مؤتمر SIGGRAPH لعام 2014.. ويستفيد نظام التجسس الصوتي من حقيقة أن الموجات الصوتية تنتج اهتزازات دقيقة غير مرئية للعين المجردة ولكن يمكن التقاطها بالكاميرا. ويمكن بتحليل هذه الاهتزازات إعادة إنشاء الأصوات الأصلية. ومن الناحية النظرية. يمكن لأي شخص. التقاط صور أو مقاطع فيديو لغرفة ما. وإعادة إنشاء المحادثات التي حدثت في الغرفة دون حاجة للتنصت علي المكان أو وضع أذنه علي الباب.
ويمكن للشركات التي ترغب في معرفة المزيد عمن يشترون منتجاتها أن تستخدم مزيجاً مخيفاً من التسويق والمراقبة. قامت شركة Almax بتطوير عارضة أزياء إلكترونية تسمي EyeSee لوضعها في متاجر الملابس. وخلف عيون عارضة الأزياء الميتة. تختبئ كاميرا تستخدم برنامج التعرف علي الوجوه لتحديد عمر المتسوق وعرقه وجنسه. واستنتاج أنواع المستهلكين الذين يشترون منتجات معينة.
في نهاية المطاف. فإن هدف معظم منظمات التجسس حول العالم هو إجراء اتصالات آمنة تماماً. يعتقد البعض أن التشفير الكمي- الذي يستخدم مبادئ الفيزياء للتأكد من أن الرسالة لا يمكن أن يقرأها سوي المتلقي المقصود- قد يكون المفتاح لإنشاء شفرات لا يمكن فكها. والدولة الأولي التي ستحقق ذلك ستكون متقدمة علي الجميع بفارق كبير".
اترك تعليق