حفل عمار الشريعي الذي أقامته دار الأوبرامنذ أيام يعد من أهم الأحداث الموسيقية والفنية التى أقيمت فى هذا الموسم لأن "عمار" قيمة فنية نادرة يضيف للدار وأيضا لأن الحفل قدم لنا قائدا موسيقيا لأول مرة يقف على خشبة دار الأوبراوهذه إضافة أخرى.
كما يمثل الحفل استجابة جاءت متأخرة حيث سبق أن نادينا بها في حياته ثم بعد مماته الحفل يحسب للمايسترو تامر غنيم الذي تقدم بالفكرة وللدكتورة لمياء زايد رئيسة الأوبرا التي وافقت عليها ولكن قبل أن نستعرض الحفل نؤكد أن ماشاهدناه قشور من إبداعات عمار الذي يعد الوحيد الذي يجب أن يقدم له حفلا شهريا لمدة طويلة لأن غزارة إنتاجه وتنوعه يكفي لعدم التكرار وأن الجمهورسوف يستمع دائما للجديد ذات القيمة الموسيقية العالية.
ولد عمار الشريعي في 16 ابريل 1948 وحصل علي ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية عام 1970 وبعدها مباشرة أحترف الموسيقي حيث بدأ عازفا للأكورديون وأتقن العزف علي العود والأورج ودخل إلي عالم الأبداع الموسيقي عام 1975 حيث قدم ما يقرب من 300 عمل بين تلحين أغاني ودراما تليفزيونية وإذاعية وسينما ومسرح وكون فرقة الأصدقاء عام 1980وألف كونشرتو العود والأوركسترا ومتتالية على ألحان شعبية وتم عزفهما في أوبرا مسقط بعمان عام 2005 وللأسف لم نسمعهما في مصر حتي الآن.
تناولت أعماله العديد من الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراه فى المعاهد والكليات الموسيقية بلغت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر، ورسالة دكتوراه من جامعة السوربون.. حصل على العديد من الجوائز على الصعيدين العربي والعالمي.. ورحل عن عالمنا فى 7 ديسمبر 1912.
الحديث يطول عن عمار لغزارة إنتاجه ودوره المتميز فى الساحة الموسيقية ولإبداعاته المتطورة والتي لن تكفي المساحة لذكرها ولهذا نعود للحفل نجده تضمن عشرين فقرة وانقسم إلى فاصلين الأول لأبناء الأوبرا والفنان محمد الحلو والثاني للنجم علي الحجار.. والحفل بشكل عام معظم فقراته سبق تقديمها واعتمد بشكل كبير علي الغناء الفردي ويبدو لأن القرارجاء سريعا لم يتم التمكن من إعداد فقرات جديدة ولكن لا أنكر ان المايسترو تامر غنيم إبن الكونسرفتوار والذي ظل طويلا حبيس الأستديوهات يقود لكبار النجوم استطاع أن يعد البرنامج بشكل متوازن بين الموسيقي والأغنية وقاد الفرقة بإقتدار ورغم أن أعمال عمار تحتاج إلي عدد كبير من العازفين وبها كثير من آلات االسيمفوني والكورال ولكنه نجح تماما في جمع كل الخيوط في يده وأيضا في ترتيب البرنامج بطريقة جعلت المشاهد لا يشعر بالملل.
البداية كانت مع الموسيقي حيث قدم لنا تتر مسلسل "دموع فى عيون وقحة" وهذه المقطوعة رغم أنها من بدايات الشريعي لكن أثبت من خلالها أنه مؤلف موسيقي بفكر سيمفوني في الأداء حيث بها اعتماد كبير على آلات النفخ والوتريات وهناك دور للعزف المنفرد لبعض الآ لالت الشرقية منها الناى.
عقب الموسيقي جاءت الأغنية فكان الاختيار لأغنية "حبيبتى من ضفايرها" وهى من روائع عمار التى أعتز بها فى حياته ورغم أنه ألفها للمجموعة إلا أنه حرص أن يغنيها بمفرده على العود حيث الميلوديات بها تعانقت مع الكلمات ونجحت أميرة أحمد فى أدائها بطريقة عمار مقدمة موسيقية بدأت بآلات النفخ لإعطاء البعد الوطني ومصاحبة وترية مع العود والإيقاع وهنا السؤال لماذا لم يقدمها المايسترو بواسطة المجموعة؟! ليعطي ثراء وتنوعاً للبرنامج بدلا من الاعتماد طوال الحفل على الأغنية الفردية.
ثم شدت نهي حافظ بأغنية و"بتسأل يا حبيبي" أشعار سيد حجاب حيث أن معظم أغانى الحفل من كلماته ومثلت الجانب الرومانسي الناعم في أعمال عمار وقد وفقت نهي فى الأداء حيث هذا النوع يناسب صوتها كما أن الأغنية كانت فرصة لبيان إمكانياتها التعبيرية والفرقة الموسيقية هنا بدأت بالوتريات وعزف منفرد على العود فى المقدمة ليصاحب صوته الغناء طوال الكوبليهات وكأن العود يعبر عن الأغنية التى يندر أداؤها فى فرق الموسيقي العربية وتماثلها فى ذلك أغنية "سيبولى قلبى وارحلوا" كلمات عبد الرحمن الأبنودي وأدتها هنا حنان عصام والأغنية مليئة بالعزف الصولو البداية بالوتريات وعزف منفرد على الكمان وإيقاع الطبلة يصاحبها مع الناي ثم الأكورديون ثم عزف على الجيتار يمهد للكوبليه الثانى وقد أبدعت حنان خاصة فى لازمة "يبقى الفراق كده ما أسهله".
ثم نأتي لأغاني التترات لنستمتع مع نجم الأوبرا الذي تفوق تماما في الأداء أحمد حسن الذي غني تتر مسلسل "أرابيسك" وهو يعد من أروع أعمال عمار وآلة القانون فيه هي البطل وللكورال فيها دور بارز مع الرق والطبلة الذي تصاحب المطرب الذي يتبادل الغناء مع الكورال وهو ليس أساسياً وليس مجرد سنيد يكرر غناء المطرب هنا يبرز الفكر الموسيقي الذي يجعلك تعيش في زمن الارابيسك وكل ما يعبر عن الأصالة.
وبعد ذلك قدم المايسترو أغنية "جرس الفسحة ضرب" كلمات صلاح جاهين من مسلسل "هو وهي" وأداه أطفال مركز تنمية المواهب ويحسب للقائد أن تضمن برنامجه أغنية للأطفال من المخزون الكبير لعمار في هذا الشأن والذي نتمني أن فريق تنمية المواهب بالأوبرا ينهل منه ويقدمه في حفلاته.
أغنية "أقوي من الزمن" كلمات مصطفي الضمراني غناء "أنغام مصطفي" وهي أغنية صعبة وطويلة وبمصاحبة أوركسترالية معتمدة علي آلات النفخ النحاسية وآلات أيضا خشبية وبها صولو كمان والوتريات اللحن الاساسي مع العود وصولو الناي والمقدمة تعطي الجو الوطني وتحتاج صوت قوي ومعبر وتمثل تطور في الأغنية الوطنية من حيث الكلمات والموسيقي وهنا وفق المايسترو في اختيار أنغام نجمة فرقة التراث وفي تنفيذه الأمين لهذه الأغنية الدرامية الوطنية الصعبة.
ثم اعتلي المسرح محمد الحلو وسط تصفيق حار حيث بدأ بتتر مسلسل "أديب" ويعد التعاون الأول بينه وبين عمار ثم أغنية تتر "للثروة حسابات أخري" والأثنان لسيد حجاب ثم أختتم برائعة أحمد فؤاد نجم "عمار يا أسكندرية" والحلو كان في قمة تألقه وصوته جاء لامعا ووفق في اختياراته.. وتختتم الفاصل الأول لرحاب عمر نجمة حفلات "كلثوميات" وهنا شدت بالأغنية الوطنية "عربية يا أرض فلسطين" وكان هذا خير ختام للفاصل الاول اما الفاصل الثاني قدم فيه علي الحجار عشرة أعمال من ريبرتواره في ألحان عمار ومنها "ما تمنعوش الصادقين" و"أبو زيد الهلالي" و"مبسوطين" ورائعة عمار "هنا القاهرة" ولكن كنا نتوقع منه عمل جديد من رصيده الكبير سواء التترات أو أغاني داخل المسلسلات.
الحفل تميز بمهارة كبيرة من العازفين فى كل المجموعات الآلية وكما سبق أن ذكرت تتضمن الكثير من الثوليهات أداها بعض العازفين منهم مصطفى أسماعيل "كمان" وأحمد خيرى "ناى" ومحمود عامر "قانون" وهشام عصام "عود" ومحمود عبدالعظيم "ربابة" ورانيا عمر "فلوت" وعمر إمام "كلارنيت" وكريم أسامة "بيانو" وريم البحري "إكسيلفون" وكان رائد الأوركسترا هانى فودة ولكن تميز الحفل برؤية بصرية من خلال إخراج متميز للفنان المخرج مهدى السيد حيث كانت هناك شاشة سينمائية طل علينا منها عمار الشريعى ومحمد الحلو الذى تحدث قبل دخوله المسرح كما كان هناك توظيف متميز للإضاءة وللمشاهد التى تناسب الأغنية من أجملها الأربيسك الذى أحاط بالخلفية والعازفين ولهذا فريق العمل يستحق كل التحية.. عبد المنعم المصرى مصمم الجرافيك ورضا أحمد "إضاءة" ومهندسى الصوت وائل سعيد ويوسف عبد العظيم.. وإخيراً الحفل أكد أن أغانى عمار تحتاج موسيقاها للتأمل سواء المقدمات الموسيقية أو التوزيع الموسيقى للحن الأساسى وكل الأمنية ان يتكرر الحفل ولكن مع أعمال جديدة.
اترك تعليق