كما هو معروف فإن الاختراعات العظيمة غالبًا ما تنشأ أثناء مواجهة التحديات الكبيرة. وهنا لابد من التنويه الى حقيقة أن فكرة إنشاء كاسحات الجليد النووية ولدت في سياق الحاجة إلى تطوير المناطق القطبية، وكذلك في إطار ضمان عمليات النقل البحري. وبالفعل فقد قدم العلماء الروس مساهمة لا تقدر بثمن في هذا القطاع، وهم يواصلون تطويره حتى يومنا هذا.
أما البداية فقد كانت في عام 1864، عندما تم في مصنع رجل الأعمال في كرونشتاد ميخائيل بريتنيف، تحويل الباخرة "بايلوت" إلى سفينة لكسر الجليد. حيث كان التصميم الرئيسي هو إجراء التغيير التالي: مقطع مقدمة الباخرة بزاوية 20 درجة إلى خط الصالب. هكذا ظهرت أول سفينة بخارية لكسر الجليد في العالم، القادرة على الزحف وكسر الجليد بفضل وزنها.
على كل حال تم في عام 1899، تشغيل أول كاسحة جليد في القطب الشمالي من سلسلة إرماك. وهنا كان نائب الأدميرال ستيبان أوسيبوفيتش ماكاروف المبادر الرئيسي في بناء هذه السلسلة من الكاسحات، في تأكيد على حقيقة أن هذه السفينة كانت بمثابة الانطلاقة الاولى لبناء وتطور كاسحات الجليد.
وقد تم في شهر نوفمبر 1953، اتخاذ قرار بتطوير كاسحة جليد في القطب الشمالي مزودة بوحدة طاقة نووية، حيث شارك كبار العلماء في البلاد في إنشاء كاسحة الجليد هذه. ومنذ ذلك الحين كان الهدف الرئيسي هو جعل طريق بحر الشمال أحد طرق النقل الرئيسية في البلاد. ثم بدأ إيغور كورتشاتوف بتنفيذ برنامج يهدف لبناء أسطول قوي من كاسحات الجليد النووية.
وفي 3 من شهر ديسمبر 1959، تم تشغيل أول كاسحة جليد "لينين" تعمل بالطاقة النووية في العالم. وبالفعل فقد أصبح إنشاء سفينة مدنية فريدة من نوعها مزودة بمحطة طاقة نووية نقطة البداية في تطوير أسطول كاسحات الجليد النووية. التي بدأت حينها بتقديم الدعم والمرافقة للسفن في مياه طريق بحر الشمال، مما يساعد في استكشاف القطب الشمالي وتطويره، وهي على استعداد دائم لتقديم الدعم لكل من يذهب للعمل في القطب الشمالي.
يعد أسطول كاسحات الجليد النووية وسيلة صديقة للبيئة وأكثر فعالية لضمان الملاحة في مياه طريق بحر الشمال بسبب ثلاث ميزات رئيسية لا تمتلكها كاسحات الجليد التي تعمل بالديزل والكهرباء وهي: استطاعة وحدة الطاقة، واستقلالية الملاحة والقيمة الصفرية تقريباً لانبعاث الكربون في البيئة.
يتراوح سمك الجليد في القطب الشمالي من 6 إلى 10 أقدام أو أكثر. وكاسحات الجليد النووية هي الوسيلة الوحيدة للتغلب على مثل هذه العقبات، ولا توجد سفن أخرى قادرة على كسر مثل هذا الجليد. وإذا ما تحدثنا عن أهم الميزات يمكن القول إن إستطاعة وحدة الطاقة هي الميزة الأولى، إذ أن كاسحات الجليد النووية لا تحتاج إلى إعادة التزود بالوقود بشكل منتظم، مثل السفن التي تعمل بالديزل والكهرباء. على سبيل المثال، يمكن لكاسحات الجليد النووية متعددة المهام من أحدث سلسلة 22220 أن تعمل دون إعادة الشحن لمدة تصل إلى 7 سنوات. ناهيك عن أن هذه الكاسحات النووية لا تحتاج طوال هذه السنوات، إلى ميناء، وإنما هي قادرة على التزود بالمنتجات الغذائية وتقوم بتغيير طاقمها في عرض البحر. وبالتالي فإن مؤشر الاستقلالية هو إحدى أهم مزايا كاسحة الجليد النووية.
والميزة الأخيرة، وليس آخراً، هي أن قيمة انبعاث الملوثات في الغلاف الجوي تقترب من الصفر، وهو أمر مهم بشكل خاص بالنظر إلى أهداف التخلص من الكربون أثناء النقل البحري وضمان سلامة النقل البحري في القطب الشمالي.
تعد شركة روساتوم الروسية الحكومية لاعبًا رئيسيًا في صناعة كاسحات الجليد في السوق العالمية. وعلى الرغم من الصعوبات الجمة للعملية التقنية-الفنية المتعلقة بأعمال التصميم وبناء كاسحات الجليد النووية، إلا أن روساتوم تحافظ على معايير الجودة العالية في المشاريع التي تقوم بتنفيذها.
روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك أسطولًا من كاسحات الجليد النووية. وهذا الاسطول يتكون اليوم من سبع كاسحات جليد نووية هي: "50 عاماً على النصر" و"فايغاتش" وكاسحات الجليد "يامال" و"تايمير" مع غاطس مخفض للعمل عند مصبات الأنهار السيبيرية، وأحدث سلسلة - كاسحات الجليد العالمية للمشروع 22220 - الرائدة كاسحة الجليد "أركتيكا" وسلسلة الكاسحات "سيبير" و"أورال". هناك كاسحتان جليد من هذه السلسلة (سوال "ياقوتيا" و"تشكوتكا") قيد الإنشاء، وفي شهر يناير 2024، تم وضع حجر الأساس لبناء كاسحة الجليد الخامسة من هذه السلسلة "لينين غراد". ويضم أسطول كاسحات الجليد النووية الروسية أيضًا سفينة الحاويات الوحيدة في العالم التي تعمل بالطاقة النووية، "سيفموربوت".
تم تجهيز كاسحات الجليد من المشروع 22220 بمفاعل من الجيل الجديد RITM-200. علماً أن مفاعلي المنشأة النووية يتمتعان باستطاعة حرارية تبلغ 175 ميجاوات لكل منهما. وبفضل نظام الصابورة، يمكن للسفن التي تعمل بالطاقة النووية في هذا المشروع تغيير غاطسها، مما يسمح لها بالعمل بفعالية متساوية في مناطق البحار المفتوحة وفي قيعان الأنهار الشمالية. وهنا لابد من التأكيد على حقيقة أن كاسحات الجليد من سلسلة 22220 قادرة على الإبحار في الجليد الذي يصل سمكه إلى 3 أمتار.
يعد التشغيل الفعال لكاسحات الجليد النووية لهذا المشروع عاملاً مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة للملاحة والنقل البحري في حوض مياه طريق بحر الشمال، والذي يعتبر اليوم أقصر طريق شحن بين الجزء الغربي من أوراسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
اترك تعليق