تم الاتفاق مؤخراً بين مصر والاتحاد الأوروبي علي رفع مستوي التعاون من علاقة صداقة وجوار إلي مستوي الشراكة الاستراتيجية الكاملة.
جاءت هذه المبادرة الأوروبية لرفع مستوي العلاقات مع مصر لتؤكد القناعة الأوروبية بأن مصر شريك موثوق به ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبي في مختلف مجالات التعاون في مواجهة مختلف التحديات المشتركة.
وقد اتفق الجانبان علي ضرورة تعزيز المكون الاقتصادي والتجاري والاستثماري في العلاقات بين الجانبين لدعم الجهود المصرية في المعالجة المستدامة للتحديات الاقتصادية التي زاد من حدتها الأزمات الدولية المختلفة.
الخبراء أكدوا أن هذا الاتفاق علي الشراكة الاستراتيجية المتكاملة سيفتح عصراً جديداً في العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي بما يعود علي الجانبين بفوائد ومكاسب كثيرة.
أشاروا إلي أنه من المنتظر خلال الفترة القادمة مبادلة الديون المصرية للاتحاد بإقامة مشروعات تنمية كما حدث مع الجانب الصيني مؤخراً بالإضافة إلي الاستفادة من الإمكانيات الكبيرة للاتحاد الأوروبي في تحديث الصناعات المصرية.
يقول السفير جمال بيومي. مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون المفاوضات المصرية الأوروبية. والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب: إن العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي مرت بـ"نقلة" من أوروبا التي كانت تستعمرنا بريطانيا وفرنسيا وإيطاليا إلي أوروبا التي حاربتنا في عام 1956 واحتلت قناة السويس ثم أوروبا بعد حرب73 والتي اقتربت من العالم العربي ونشأة الحوار العربي الأوروبي وكان من أنجح الأشياء بين العرب وأوروبا. ثم مجموعة اتفاقيات تعاون من عام 1967فيما فوق مما يعطي لنا الحق في أن نصدر بعض السلع بدون جمارك ثم التطور الأكبر الذي أحدثته وهو اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي وقعت ودخلت حيز التنفيذ في 2004 وحينها زادت الصادرات المصرية من 3 إلي 14 بمعدل زيادة 4 أضعاف .والواردات أيضا زادت الضعفين.
ويؤكد بيومي أن أوروبا هي أكبر مستثمر علي أرض مصر وأكبر مانح من خلال برامج تحديث الصناعة والسكك الحديدية وغيره وغيره. قائلا: "امضيت شيكات بـ93 مليون يورو لمساعدة 350 مؤسسة مصرية وهذا كان برنامج دعم قدرات أجهزة الحكومة المصرية.. ثم برنامج تحديث الصناعة الذي لم يبل البلاء الحسن مع الأسف. لكن250 مليون يورو كان أكبر برنامج أعطاه الاتحاد الأوروبي لأي دولة وأكبر برنامج "منحة" حصلت عليه مصر.
ويشير إلي أن هناك ما يسمي بمبادلة القروض. ولدينا كذلك مليون ونصف مليون مصري من أفضل المهاجرين المصريين في الخارج. مما يساهم في مسألة التحويلات. أيضا ربع الأسطول اليوناني من البحارة المصريين من دمياط. كذلك إيطاليا امدتنا ب6 آلاف تأشيرة واليونان بألفين. لهجرة المصريين المشروعة.
ويؤكد أيضا أن المشكلة الحقيقية لزيادة الصادرات هي الإنتاج ونحن لدينا ضعف في الإنتاج والكميات. ومع ذلك نحن نفتح السوق وبدون جمارك وأي عوائق .لكن استطاع الزراعيون أن يجعلوا مصر أكبر مصدر لأوروبا في البطاطس والموالح والتمر وزيت الزيتون» أوروبا ما زالت أكبر شريك تجاري وأكبر داعم للاستثمار ومساعد لمصر في التنمية.
يقول الدكتور يسري طاحون أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم الاقتصاد السابق بجامعة طنطا: إنه عندما تتعامل مصر مع الاتحاد الأوروبي فهي لن تتعامل مع دول معينة بل دول مجتمعة لها سياسة خاصة وبروتوكول ولا تستطيع أي منهم أن تخرج عن قوانين الاتحاد» موضحا أن المؤشرات الدولية التي تعلن سنويا بما يقرب من 120 مؤشرا تختص بمعايير أداء الأعمال مثلا لكل دولة أو معيار الفساد والشفافية أو معيار التنمية البشرية أو معيار التدريب المهني والعمالة .كذلك مستوي التضخم والصرف .العدالة وسيادة القانون. والبيئة.. وغيرها .كل تلك المعايير ينظر إليها المستثمر عند أي تعامل تجاري أو استثماري بينه وبين مصر ويري المستوي الدولي للمعيار الأهم بالنسبة له .مشيرا هنا ان العلاقة الوطيدة لا تغري صاحب المال الخاص. بقدر اهتمامه بمستوي تلك المعايير.
أكد أن المعيار الادني للتبادل مهم جدا أن يكون أساس العلاقة بين الطرفين. ويوجد أيضا ما يسمي بنقاط التجارة الإلكترونية وهي أربع نقاط في مصر وتنص علي أساسيات الطلب قبل حدوث الإنتاج ولابد من العمل علي هذه النقطة وبحثها جيدا حتي يكون الإنتاج مطابقا للمواصفات في السوق الأوروبية ولا يعود مرة اخري من جهة المستورد.
ويثني طاحون علي الصين وعلاقتها بمصر ويقول إنها استطاعت أن تأخذ منا الرخام المصري وتبيعه في بلدها بسعر أرخص .ولابد من البحث عن سلع اخري للتصدير للسوق الأوروبية كالقطن مثلا» فنحن نتعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك 2 مليون منتج فعلينا أن نمتلك التنويع في الإنتاج حتي نواكب التطور الأوروبي.
ويشير أستاذ الاقتصاد إلي أن عدد الجاليات العربية في الدول الأوروبية كبير جدا» فدولة مثل فرنسا عدد أفراد الجالية العربية بها يصل إلي 5 ملايين فمن الممكن أن نستغل هذه النقطة ونصدر لهم الملابس» فعلي الملحق التجاري في كل دولة ألا يجلس في مكتبه ويجوب أرجاء الدولة فنحن لدينا أكبر تمثيل دبلوماسي في العالم .ونستطيع أن نصنع احتياجات تلك الدول ونزيد من صادرتنا وهذا ما يسمي باستقصاء الفرص المتاحة.
ويتحدث د. يسري طاحون عن صادرات الورد للسوق الأوروبية لكن المشكلة في ضآلة الإنتاج المصري. ففي الغربية نصدر الياسمين لفرنسا ويصنعون منه أفضل العطور العالمية فضلا عن الأعشاب العطرية التي تصنع منها الأدوية أيضا. مناشدا الحكومة في هذا الصدد تولي هذا الملف أهمية.
ومن ثم. نحن بحاجة أيضا إلي الاستعانة بالعصر الأجنبي لتصنيع المنتج المصري في الداخل.
يقول الدكتور حسن سلامة. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن الشراكة المصرية الأوروبية تمثل الإطار للتعاون بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي وهناك مصلحة متبادلة حيث تجد مصر سوقا لمنتجاتها وفقا لمعايير معينة. وفي نفس الوقت الاتحاد الأوروبي يعتبر مصر بوابة للمنطقة ككل سواء المنطقة العربية القارة الإفريقية أو منطقة الشرق الأوسط. حيث تعتبر مصر دولة مفتاحية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وإذا نظرنا للشراكة نجدها في مصلحة أوروبا أكثر من مصر. موضحا أن الدول الأوروبية لها سوابق وخبرات مع الدول الإفريقية وكل هذه الدول تسعي لأن تجد لها أماكن نفوذ سواء في شكل استثمارات أو مشروعات أو مكافخة ظواهر مشتركة مثل الهجرة غير النظامية فالشراكة ليست اقتصادية فقط. والعلاقة الاوثق بين الطرفين كانت مرتبطة بمسألة الهجرة غير الشرعية ومصر لعبت دورا كبيرا في منع خروج المراكب التي تؤرق دول الاتحاد الأوروبي. أيضا قضية المناخ والبيئة حيث أن التصنيع الاوروربي هو المسبب الرئيسي في التغيرات المناخية وبالتالي العلاقة مصلحية.
ويضيف أن البعد السياسي والتنسيق في المواقف الخاصة بالمحافل الدولية ومنها حرب غزة مهم جدا حيث لعبت مصر دورا دبلوماسيا وسياسيا لتحريك الرأي العام بين دول الاتحاد الأوروبي بدليل المظاهرات التي رأيناها بالعديد من الدول هناك. ولعبت أيضا دورا في تصحيح الصورة وتغيير الخطاب الرسمي في أوروبا في الحديث عن حل الدولتين وحقوق المدنيين ووقف العدوان ووقف دائم لإطلاق النار.
ويشير إلي أن الشراكة بين الطرفين أخذت أكثر من شكل. أحيانا أخذت شكل الاتحاد من أجل المتوسط. واتفاقية برشلونة .والشكل الاخير الشراكة وهو الشكل الأعلي. ولم يتخل الطرفان عن بعضهما .وحتي وإن حدثت جفوة فتكون لفترات بسيطة. فهي دبلوماسية ذكية قائمة علي المصالح المشتركة.
تكشف د.شريفة فاضل. أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد: عن أن علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي جاءت في الأساس من إطار اهتمام الاتحاد الأوروبي بدول البحر المتوسط جنوب أوروبا والدول المحيطة بالبحر المتوسط وقد بدأت منذ السبعينيات تحديدا منذ عام 1976. وانطلاق مبادرة الحوار الاوروعربي ولكنه فشل نظرا لعدم وجود نقاط اتفاق مشتركة بين الطرفين.ثم تطور المسار عند حدوث الشراكة الاورومتوسطية وتم إعلان برشلونة 1995.
مضيفة أن مصر خاصة منذ عام 2001 كانت هناك اتفاقية شراكة ودخلت حيز التنفيذ في عام 2004. وأساس الاتفاقية إقامة منطقة حرة وعقدت العديد من الاجتماعات الدورية والتنسيقات. وفي يناير الماضي من العام الجاري عقد اجتماع ترأسه وزير الخارجية سامح شكري مع الاتحاد الأوروبي وهو الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي» أكدوا فيه علي تعزيز المكون الاقتصادي والتجاري ودعم الاتحاد لأزمة مصر الاقتصادية حيث أن أوروبا لديها هاجس شديد من مسألة الهجرة والارهاب وبالذات عند أحداث غزة حينها شعر الأوروبيون بالرعب. وفيما سبق الأزمات في سوريا وأوكرانيا ودول آخري أدت إلي مزيد من الهجرات. مما شكل عبئا علي الدول الأوروبية ومع كل أزمة تتجدد في منطقة الشرق الاوسط أو في القارة الإفريقية ترتعد أوروبا .كما أن الهجرة يتبعها خللا في التوزيع السكاني وضغطا في الموارد الاقتصادية فاعداد السكان في بعض دول أوروبا قليلة جدا ووجود المهاحرين يغير في تركيبة السكان إلي أن تصل نسبة المكون العربي أو المسلم أكثر من عدد السكان الأصليين وهو ما خلق صعود اليمين المتطرف في أوروبا.
وتقول ان الاتحاد الأوروبي يري أن دعم مصر اقتصاديا حاليا ضروري لها حتي تكون حائط صد للمهاجرين سواء من غزة أو السودان أو أي منطقة أفريقية. ولكنه ليس دعما واضحا للعيان .ومن ثم لابد من استغلال الفرص. فالاجتماع الاخير لم يعلن عن شيء محدد أو برنامج واضح .فأين مشروعات التدريب للعمالة المصرية والشباب .كذلك البعثات العلمية للخارج .أيضا بحاجة إلي تعاون في مجالات الطاقة المتجددة خاصة في ظل المعاناة من أزمات المناخ .فمشروعات التنمية والاستثمار تحول دون سفر الشباب وتقلل نسبة الهجرة وتزيد الإنتاج .أيضا نحن بحاجة إلي تعاون في مجال المشروعات التكنولوجية فلدينا القوي البشرية الماهرة وتنقصنا الامكانيات» مؤكدة في هذا الإطار علي التركيز علي المشروعات الإنتاجية وليست الاستهلاكية.
اترك تعليق